26 ديسمبر، 2024 11:23 ص

مقامة الحرية والجهل

مقامة الحرية والجهل

نشر المندلاوي الجميل قولا لفيكتور هيجو , اعتبره حكمة بالغة , ويحبذ لو استفاد منها الجميع : ((تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل , لان منح الحرية لجاهل كمنح سلاح لمجنون )).
الجهل هو نقيض العلم والمعرفة , وكلنا يعرف ان السبيل إلى العلم والمعرفة ,هو التعليم والتثقيف العام , وأذكر ان أحد الزملاء الذين عملوا في بعثتنا في كوريا الجنوبية , سألهم عن الأماكن الأثرية بالبلاد , ليزورها , فقالوا إنه لا يوجد مبنى قائم قبل منتصف الخمسينيات , وحين سألهم : كيف حدثت هذه المعجزة فى كوريا ؟ قالوا: لا توجد معجزة , كل ما فى الأمر أننا وجهنا جزءا كبيرا من الميزانية العامة للتعليم والبعثات الأكاديمية.

نشر العلامة الليبرالى المرموق طه حسين عقب توقيع الاتفاقية المهمة بين مصر وإنجلترا, كتابه الشهير : (مستقبل الثقافة فى مصر) , واقترح فيه أن تأخذ مصر بأسباب التقدم وتلحق بركب الحضارة الأوروبية, وتشترك فى صياغة المنظومة الحضارية المعاصرة , فلحق به التيار الدينى , وتعقبوه بتحريك الدعاوى القضائية هذه باعتباره عدواً للدين (تماماً كما يحدث فى أيامنا الحالية) , وهيجوا ضده هذه المظاهرات المتشنجة الزاعقة بقولهم : يسقط الوزير الأعمى , وغير ذلك من الأساليب الوقحة والحقيرة التى يلجأ إليها اللاعبون بالدين فى مجال السياسة.

سأل الجنرال شارل ديغول , وهو يتقدّم بجيشه لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي : وماذا عن الجامعات ؟ فقيل له أن جامعة السوربون تناقش أطروحات الدكتوراه والماجستير في الأقبية , ويتلقى الطلبة محاضراتهم ودروسهم في أجواء من السريّة والكتمان , وهنا علّق ديغول يومها: إذًا فرنسا بخير طالما الجامعات بخير.

يقول عبد الرحمن منيف : ((الجهْل هوَ دائماً الوجه الآخر للعبودية)) , ان جزءا من الخسارة التى تلحق بالبلدان أنها تركن إلى الأوهام , وتعيش فى الماضى , وتخطىء فى قراءة الواقع واحتمالات المستقبل , وكما أن التاريخ ذاكرة , فإن إدراك الجديد ذاكرة أخرى , وقدرة أكبر مواجهة المختلف والطامع والعدو , فإذا لم يُحسن استيعاب التاريخ ولم يجر معرفة الجديد , فإن كل شىء سيتحول إلى ذكريات وأغانٍ حزينة.

كتب الشّيخ عبد الله العلايليّ رجل الفكر والدّين , الحقُّ لا يُنال بالتصويت الغبي , أنَّ اتفاق الكثرة قصد الانتخاب والتّصويت , على أمرٍ أو رأي ما ليس دليلاً على صحته , ولا اتخاذ قرار برلماني , نال موافقة المصوتين , يعني كان صحيحاً , لمصلحة النّاس والوطن , فالمصوتون أجناس , مَن يتبع زعيمه على الخطأ والصّواب , ومَن يعتبر عقيدة حزبه الأصح , ومَن صوت طلباً لمغنمٍ ومطعمٍ , ومَن هو طبيعته كالماء لا لون ولا رائحة مثلما يُقال , فأي حقّ يُنال مِن أفواه هذه الكثرة؟ إن وصف العلايلي التصويت , ضد التقدم والوطن والعِلم , بالغبي , فهو يقصد مَن لا يعرف يساره مِن يمينه , وكذلك الأذكياء في خراب بلدانهم , الـذين قال عنهم الجواهري : ((‏مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ/ ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا/ الحاقدينَ على البلادِ لأنَّها/ حَقَرتْهُمُ حَقْرَ السّليبِ السّالبا)).

 

يقول ابراهيم البهرزي : (( كل يوم تلد القرى معتوها يذهب إلى المدينة وينفخ في البوق , وكل الايام مريرة نخادعُ اللسان لاجل الكلمة الحلوة التي لابد منها لاحتمال الايام , انت تريد ان تقنع هؤلاء بأنك لست َعدوّهُم كل هؤلاء الغاضبين الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك ايضا , لمجرد انك لم تغضب ,أنت تريد ان تكون آمناً ولاتدري ان هذا يغضبهم اكثر , وهكذا حتى تغضب يوما)) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات