نشر الصديق العتيد حكمة وصفها باللذيذة تقول : (( الحب اقصر كلمة ينطقها اللسان واطول درس يتعلمه الانسان ياتيك مجانا ويغادرك بثمن باهظ تدفعه روحك وجسدك)) , فأحببت ان اهديه هذه المقامة .
صديقي العزيز هل أخبرك عن اله العشق ؟ فقبل أربعة آلاف سنة , حينما كانت عجوزًا مسنة , تقايض الصبرَ بالأشعار , صادفتُ ذاتَ يوم على الطريق راعيًا وسيمًا , ينشدُ أشعارًا حزينةً في فراقِ الأحبةِ ,أخذت أشعارهُ وأعطُته بدلًا عنها الصبرَ الجميل , ثم أهدت أشعاره إلى عذراء جميلة , أسرها الحزن في انتظارِ مَنْ تحب, وقالت لها ناصحة : اذهبي إلى إله الحب , وأنشديها أمامه , ربما يرقُ لحالكِ , دخلت المحراب , بدموعها تطهرتْ , ركعتْ وسجدتْ مرتلة أعذب الأشعار لعل الإله يرحمها , كان الإله رحيمًا بما يكفي ليقع في عشقِ الفتاة , حبسَ دعاءها من الوصولِ للإله الأكبر ليضمنَ رؤيتها كل يوم , ومنذ ذلك اليوم , ودعوات العاشقين لا تستجاب .
هو شجرةُ ( سروٍ) , وهي أيضًا ( سروَة) كان هو على يمين أسلاك شائكة , وهي على يسارها , لم تكن مصادفةً أن وقعا بالعشق , بل كما أخبرها هو: ((هذا ترتيبٌ الهيّ , فأنا وهي كنّا بذرةً واحدةً انقسمتْ نصفين , وهذا ما يُفسّر التَّطابقَ المدهشَ بيننا ووجودَنا في الأرضِ ذاتِها)) , حاولَ “السَّروُ” أن يمُدَّ أغصانَهُ نحوَها , غير أَنَّهُ أخفقَ أنْ يصلَ إليها بسببِ المسافة بينهما وذلك الحَاجِز اللعين , حاولت هي وأخفقتْ , كبرَ الحلمُ ومعَ السَّنواتِ دونَ أنْ يدريا , امتدتْ جذورُهُ نحوَها وجذورُها نحوَهُ , هناكَ , داخلَ التُّربةِ , بعيدًا عَن عينَيْ (مُغتصبِ) هذهِ الأرضِ وتلكَ , التقتْ جذورُهُما للأبدِ , بعدَ شُهورٍ , امتلأتِ الحديقةُ بفسائل سروٍّ, لم يدرِ أحدٌ مَا مصدرها.
عندما يسدل الليل استاره , ويلقي الكرى رداءه على وجه الأرض , يقف امام شباك غرفته الحزين ليطالع نهر ديالى الذى لاينام , ففى أمواجه يسكب المحبون اهاتهم , وعلى جرفيه يهرق المستوحشون ندى دموعهم , وعلى رقص نسائمه عزاء للروح الوادعة , وفى تهاليل الزوارق سلوى لعاشق مثله مستهام , وهي تفترش الشاطئ , وتغترف براحتيها ماؤه العذب فيلامس الشفاه القرمزية , فيتناجيان كطيفي عاشقين , ويمتزجان كالفضة بالذهب , تهامـس اهالي بعقوبة بحكاية الحب الجديد حب (العتيد للعتيدة) , ولم ترق لخفافيش الظلام , ممقتي نور الامل , لم ترق لذابحي حمائم الحب الجميل , وسجاني بلابل الدوح , مالئي دروب الهوى حجرا وشوكا , فامطروا قرطاسه الابيض الجميل , بعشرات النصال المغمسه بالسم الزعاف , ومزقوا لوحة الوفاء بعشرات الخناجر الصدأه , فاراق الكيد عبير قصتهما ووأد الحقد سفر حبـــهما.
عندما اتيحت لهما الفرصة , حدثته قائلة : (( بحثت عنك في كل مجرتي فوجدتك بين اضلعي , علمت انك متيمي مذ سقط ضوء قمرك على ارضي , لا اظن ثمة خاطرة اجمل من ابتسامتك في كل دواويني , يكتب الربيع شعره من جمالك ويتنفس الورد عطره من شذاك )) , فقال : (( تستحقين كل مجد السيدات وغزل الحوريات , القصيدة التي تخلو من الغزل في عينيك قافيتها ميتة , يامليكتي عفوك ان عجز القريض عن وصفك , القصائد التي لم تتهادى على خصلات شعرك غزلا ارثي موتها , أيتها المرأة المتدثرة بخضاب الملائكة , العابقة برضاب عشتار الجليلة الطاهرة , يتألق فيك بزوغ الفجر , يتأجج صليل حبك في دمي , لما تعفرتُ بالضوء بين ذراعيك رأيت الله بكل شفافيته النورانية رحماكِ , تحجبي عن أنظار الأنبياء المراهقين الذين يهلوسون برؤية لألأء فخذيك وعنقودي نهديك المتوهجتين وراء ستار الليل )) .
يسميها محمود درويش أحلى الزنابق والسوسناتْ , ثم يجعلها كلُّ نساء اللغة الصافيهْ , وأنا أسميها ملكة الكلام وأميرة الحروف , يقول أبو محمّد صالح المعروف بأبي البقاء الرندي الأندلُسيّ :
(( يا سالبَ القَلبِ مِنّي عِندَما مرقا/ لم يُبقِ حُبُّكَ لِي صَبراً وَلا رمقا
لا تَسألِ اليَومَ عَمّا كابدت كبدي/ ليت الفِراقَ وَلَيتَ الحُبَّ ما خُلقا
ما باِختياريَ ذُقتُ الحبَّ ثانيةً / وإنما جارَتِ الأَقدارُ فاتفقا
كنتُ في كَلَفي الداعي إِلى تلفي/ مثلَ الفراشِ أَحَبَّ النارَ فاحترقا )) .