12 فبراير، 2025 4:33 ص

كتب معاوية إلى عمرو بن العاص : (( إنه قد تردد كتابي إليك بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسيره , فسيره إلي قولا واحدا وطلبا جازما , والسلام )) , فرد عليه
عمرو بن العاص بالقصيدة المسماة (بالجلجلية ) المشهورة :
((معـــــاويــــــة الحـــــال لا تجهل **** وعــــن سبــــل الحـــــق لا تعدل

وأكشــــف عــنك حجاب الغرور **** وأيقــــظ نــــائــــمــــة الأثــــكـل
فرإنك مــــن إمــــرة المــؤمنين **** ودعــــوى الخــــلافة فــــي معزل
ومــــالــــك فــــــــيهــــا ولا ذرة **** ولا لــــجــدودك بـــالأول
فــــإن كــــان بينكما نــســــبــــة **** فــــأين الحــــسام مــــن المنجــــل ؟
وأيــن الحصا من نجوم السما ؟ **** وأيــــن معــــاوية مــــن عــــلـــي ؟
فــــإن كــــنت فيـــها بلغت المنى **** فــــفي عــــنقي عــــلق الجلجل )).

 

للجلجة معان كثيرة فهي : صوت الجرس الصغير , صوت الخسف , صوت الرعد , أصوات الأشياء في اختلاط وتداخل , صوت الإهتزاز , صوت الحركة الشديدة , صوت الحركة في السفر , صوت الرعد في حركة , صوت الشيء معلق بالهواء تحركه الريح , صوت الفرس في صفاء وقوة في القدس , تقع كنيسة القيامة حيث صلب يسوع : والقبر الذي وُضِعَ جسده فيه , وحجر الغسل , حيث أعدّ جسده للدفن , والجلجلة , حيث رفع صليب المسيح , حتى قلبه لم يسلم : في هذا المكان المقدس خفق قلب يسوع للمرة الأخيرة , ويروي يوحنا الإنجيلي بالتفصيل هذا الدليل العظيم على محبة يسوع ورحمته , حيث ذكر: (( لكن عند وصولهم إلى يسوع وجدوه ميتاً , لم يكسروا ساقيه , لكن أحد الجنود طعن جنبه بحربةٍ وعلى الفور تدفق الدم والماء )) .

 

قِراءةٌ في الطقوس المسيحية لأسبوع الآلام , تأتي أعيادُ الفصح عند مسيحيّي الكنيسةِ الشرقيةِ بعد أعيادِ كنيسة اللاتين بأسبوع , كمعظم المجتمعات المسيحيّة الراسِخة في المنطقةِ (السريان , والكلدانيين , والآشوريين , إلخ) عبر القرون الطويلة , والطقوسُ في عيد الفصح خليطٌ من طقوسٍ مسيحية وأخرى تعودُ إلى عهود تحكي تواريخَ المجتمعات التي توالَت على المنطقة , في فترةٍ يسودُ فيها الحديث عن تهجيرِ مسيحيّي الشرق والممارسات ضدَّهم ,فلا بدَّ من التذكير أن تاريخَهم الاجتماعي يضربُ جذورَه أبعد ما يكونُ في تاريخ المنطقة.

 

طريقُ الجُلجُثة هو طريقُ الآلام وهو أيضاً طريقُ الخلاص , هو طريقُ الموتِ وطريقُ الحياة معاً , هذا الطريقُ الذى يبدأُ لحظةَ دخولِ المسيحِ إلى مدينةِ أورشليم مثل ملكٍ متوَّج وحولَه الناسُ يهتفون : (هوشعنا ) أي خلِّصنا , ومن هنا تأتي تسميةُ هذا الأحدِ بأحدِ الشعانين وهى تعني ( شيعة نان ) , أي يا ربّ خلِّص , و الجُلجُثة هو المكانُ الذى صُلب عليه المسيح , وهو موقعٌ مُرتفعٌ خارجَ مدينةِ القدس ويشرف عليها , ويسمّى بالآرامية )وهى اللغة التي كان يتكلّم بها المسيح (جاجولثا وتعني موقعَ الجُمجُمة , ووفقاً للمُعتقَد المسيحي , لا يُمكن الخلاص بدون السيرِ في طريق الجُلجثة مثلما سارَ المسيح حاملاً صليبَه عوضاً عن البشر .وتحتَفل الكنيسةُ بهذا اليوم الذى يُعرف شعبيّا باسم ( حدّ السعف ) وبالعاميّة ( الزعف ) , وهو أغصانُ النخيل , وفى دلتا مصر يُسمّى ( بأحدِ الخوص) , في عشيّة هذا اليوم يقوم المسيحيون بتَضفير أغصانِ النخيل في هيئةِ أشكالٍ متعددة , أبرزُها الصليب , الذى صارَ علامةَ حياةٍ وخلاصٍ بعدما كان لعنةً وموتاً , وشكَلُ القربان المقدس , وشكْل الحمار, وهو الذى دخلَ بالمسيحِ إلى أورشليم , وأيضاً الشمس , والسمكة , وكلُّها أشكالٌ رمزيّة تحملُ معانٍ دينيّة محدّدة.

 

في أولى ساعاتِ الصباح يذهبُ الناس إلى الكنائس وهم يَحملون السعف , وفى القرى ذاتِ الأغلبية المسيحية , يقومُ الناسُ هناك بمسيرةٍ بالسعف وهم يصيحون : (أوصنا , أوصنا ) أي خلِّصنا خلِّصنا , وهذه تسمّى ( دورة الخوص ) , وهى نفسُ الدورة التي يقومُ بها الكاهنُ أثناءَ الصلاة , وقديماً كان يحدثُ في بعضِ القرى عندما يزورُها أسقفٌ ما في هذا العيدِان يقومَ بامتطاءِ حمارٍ ويتحلَّقُ الناسُ حولّه حاملين صلبانَ السعف حتى دخولِه الكنيسة وهم يردِّدون: ( مباركٌ الآتي باسم الرب ) .

 

وقد ذكرَ المقريزى (1365- 1442) في كتابِه ( المواعظ والاعتبار في ذكرِ الخُططِ والآثار) عن هذا العيد ( عيدُ الزيتونة ) , ويعرفُ عندهُم بعيد الشعانين , ومعناهُ التسبيح , ويكون في سابع أحدٍ من صومِهم , وسُنّتُهم في عيدِ الشعانين أن يُخرجوا سعف النخل من الكنيسة , ويرون أنّه يومُ ركوبِ المسيحُ العنوّ (وهو الحمار) في القدس , ودخولِه إلى صهيون وهو راكبٌ , والناس بين يديه يسبِّحون , وهو يأمرُ بالمعروف , ويحثُّ على عملِ الخير, ويَنهي عن المنكر, ويباعِد عنه , وكان عيدُ الشعانين من مواسمِ النصارى بمصر في كنائسِهم.

 

يقول أحمد مطر : (( أجل إنني أنحني تحت سيف العناء ولكن صمتي هو الجلجلة , وذل انحنائي هو الكبرياء لأني أبالغ في الإنحناء لكي أزرع القنـبـلة , ولكن إذا ما حبستم بصدري الهواء سلوا الأرض عن مبدأ الزلزلة , سلوا عن جنوني ضمير الشتاء أنا الغيمة المثقلة , إذا أجهشت بالبكاء )) , ويقول اديب كمال الدين : (( جيمُ الجُثّةِ والجُوعِ والجلجلة , غريبةٌ على الواقع , عصيّةٌ على التصديق )) . ومن شعر محمد اقبال: ((وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال , منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال )) .