قال أبو طالب يمدح ابن أخيه : (( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ’ثمال اليتامى عصمة للأرامل )) .
المقصود بالثمل , ثمل الطعام أو سُكر الطعام , وهو مصطلح يُستخدم لوصف الحالة النفسية للشخص بعد تناول كميات كبيرة من الطعام , ورَجُلٌ ثَمِلٌ: سَكْرَانُ , و يقولون أن الله حكيم في تدبيره وتشريعه وقد حرم الخمر في الدنيا لما فيها من الضرر على العقل والجسم, وأباحها في الآخرة وجعلها لذة للشاربين منزهة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها وما فيها من الأضرار, فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية , ومعنى حتى الثمالة , او شرِب الكأسَ حتَّى الثُّمالة, يعني احتمل ما هو شاقّ ومؤلم حتى النهاية , لم يُبقِ فيها شيئًا , سكِر وغاب عن وعيه , كما ان الثُّمالة : بياض البَيْضة الرَّقِيقُ ورَغْوَتُه , وبه شبهت رَغْوَة اللبن , قال مُزَرِّد : (( إِذا مَسَّ خِرْشاءَ الثُّمالة أَنْفُه ثَنى مِشْفَرَيْه للصَّرِيح فأَقْنَعا )) , وحسب ابن سيده : الثُّمالة رَغْوَة اللَّبن إِذا حُلِب , وقيل : هي الرَّغْوة ما كانت .
يقول المثل اللاتيني (( في النبيذ تجد الحقيقة )) , و تقول الأسطورة , إنّ الثمل بالعادة يخبر الحقيقة ويتصرف على طبيعته وكأنّ شخصيته الحقيقية تظهر , ولهذا يخبرك البعض أن تقابل شخصاً ترغب بأن تسمع فضائحه عندما يثمل , والكحول قد يكون مهربك الوحيد لتقابل المجتمع الذي تخاف أن تظهر شخصيتك الحقيقية أمامه ولهذا تحمل وجهك السكران كقناع ليبرر الجميع تصرفاتك التي صنفتها تحت ( الغبية ) .
كان أشرف شيء عند العرب سدانة الكعبة وتولي شؤونها والقيام بأمرها , وكان قد آل إلى رجل من سادة قبيلة خزاعة يدعى أبو غبشان , وبسبب شرب الخمر باع كل هذا الشرف مقابل زق خمر , وذلك حين اجتمع مع قصي بن كلاب في الطائف للسكر , فلما سكِرَ أبو غبشان اشترى منهُ قصي سِدانَة الكعبة بوعاءٍ من جلدٍ يُستعمل في الشرب وغيره من الأمور , ثم قام قصي بأخذ مفاتيحه وذهب إلى مكة , وقال: يا معشر قريش , هذه مفاتيح أبيكم إسماعيل رَدَّها الله عليكم من غير غدرٍ ولا ظلم , وعندما أفاق أبو غبشان ندم ندمًا شديدًا , وذهبت خزاعة إلى قصي فطالبوه أن يرد عليهم السدانة فأبى , وانتقل شرف السدانة إلى قصي وقريش , وباعت خزاعة شرف السدانة بزق خمر, فكان يضرب المثل في الحماقة والندم وخسارة الصفقة بندم أبي غبشان وحماقته وخسارة صفقته , فيقال: (( أندم من أبي غبشان )) , و(( أخسر من أبي غبشان)) , و((أحمق من أبي غبشان )) , كما وقال بعض الشعراء : ((باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمر فبئست صفقة البادي , باعت سدانتها بالخمر وانقرضت عن المقام وظل البيت والنادي )).
يقول ابو العلاء المعري : (( ثَمِلَ الأنامُ من الضّلالَة , وانتَشَوْا بالخَمرِ, فاعْجَبْ من ثِمالِ ثُمال )) , الكحول يؤثر مباشرةً على القشرة الدماغية ما يجعل عقلنا ( أصفى ) , ولهذا نفكر أقل , ونتسرع عندما نشرب , وينتهي الأمر بنا بالافصاح عن أمور لا نريد أن نقولها , كما يرفع الدوبامين ولهذا قد تشعر بسعادة أكبر , عندما يعبر لك الشاب عن مشاعره وهو ثمل , فهو يقول الحقيقة لأنّ دماغه مشوش والصفاء قد زال لتظهر بزواله المشاعر الحقيقية , يقول ابن الوردي : (( مِنْ أيِّ خمرٍ أنتَ سكرانٌ أمِنْ كأسينِ أم خدَّيْنِ أم أحداقِ ؟ ما شمَّرت ساقاً لتسقيكَ الطلا إلاّ لتدهشَ من جمالِ الساقِ )) ,ويقول الشاعر الشعبي : (( يمك عشت دور الثمل بس آنه كُلش صاحي )) .
يقول محمد السكران الذي لقب بالسكران لتركه الدنيا , وهيامه بالله : (( فشارب الخمر يصحو بعد سكرته وشارب الحب طول العمر سكران )) , نتسائل ايهما أشد تأثيراً على الانسان الخمر أم الحب ؟ هذا الشاعر يقول إن الحب أشد تأثيراً من الخمر, فشارب الخمر لابد ان يصحو ويفيق ويذهب تأثيرها عنه , لأن الخمر لها وقت معين وتذهب آثارها , أما شارب الحب فيظل طول عمره سكرانا , يعاني تأثير الحب عليه , فأي حب هذا الذي يجعل الانسان فاقداً لوعيه طول عمره؟ هذا الشاعر لا يقصد الحب الذي يعرفه الجميع , ولكنه (الحب الإلهي) عند الشعراء الصوفيين , الذين تميزوا بهذا الفن من الشعر, لأنهم غارقون في حب الله , فهذا ابن الفارض عمر بن علي يقول : (( شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل ان يُخلق الكرم , لها البدر كأس وهي شمس يديرها هلال وكم يبدو اذا مزجت نجم )) .
ومن طرائف ماقاله شعرائنا الشعبيين عن السكر :
(( اشرب واكول انساك اسكر وارد اشتاك مدري العرك مغشوش مدري احنه عشاك )) .
(( اشرب وكول انساك وسكر وذكرك مو بالعظم ويطيب بالكلب كسرك )) .
(( سكران اضل باليل للصبح بالحوش مدري الشرب موزين مدري العرك مغشوش)) .
(( سكران واحبك حيل والبطل شاهد للصبح من فركاك صدكني كاعد)) .
(( سكران واحبك موت مثل الطماطي واشرب عليك هواي بيرة وقواطي)) .
(( وحبيــتك خمــر و اوذان وانــدل ليلك السكـران
واعـرف جدمـك بيا كتـر مـن گلـبي طبـع نيـشان)) .