ومنها السختجي , جمعها سختجية كلمة تركية قديمة تعني المحامي والمحامين , كما ان ساخت كلمة فارسية تعني صناعة , وهي قريبة من سختجي بمعنى التصنع اوالاحتيال , وقد انتشرت عندما لاحظ أهل العراق وخصوصا أهل بغداد وجود موظفين أتراك في الدواوين أو الدوائر الحكومية العثمانية أذاقوا الأهالي الطيبين الأمرين من جراء تلونهم وكذبهم ونفاقهم , فقد كان هؤلاء الموظفين يتسمون باللسان الطويل واللين لكن فعلهم كان عكس ما يدعون , ومن شدة استغراب أهل بغداد من هؤلاء المنافقين استفسروا من الدواوين العثمانية عن هؤلاء فاخبروهم بأنهم (سختجية) , ومفردها (سختجي) , ولأن اغلب العراقيين لا يعرفون التركية فانطبع في عقلهم أن السختجي هو الشخص المحتال أو المعتاش على الحيلة واخذ أهل بغداد خاصة يتداولون هذا المصطلح , وأخذوا يسمون به الإنسان الغشاش مع معرفتهم لاحقا بأن كلمة (السختجي) في اللغة العثمانية تعني محامي وجمعها السختجية يعني المحاميين .
هناك سياسيون يقولون ان الحكومة ليست ملكاً لشخص بل هي ملك للشعب العراقي , وان مايهمهم ليس الحصول على منصب حكومي بل يهمهم العراق كدولة وشعب , الطريف انهم حين تبوأوا منصباً حكومياً رفيعاً لم يفكروا في مبارحته والتخلي عنه وكأنه حكر عليهم , ولم يهمهم العراق كدولة حين تركوا ابوابها مشرعة لدخول داعش , ولم يبالوا حين ضحوا بأمن الشعب وأمانِه وجعلوه عرضة للموت المجاني , وسربوا ميزانية البلد المالية , وأسقطوه الى ماتحت خط الفقر , وعلى ايديهم تراجعت جميع مفاصل الدولة لاستشراء الفساد فيها , وحولوا البلد الى كانتونات طائفية , ولاضير لديهم ان يسود القانون بالغش والحيلة واللسان الطويل والنفاق السياسي , فالمهم ان يسودوا حتى لو كان تطبيق القانون بطريقة (السختجية) .
كثيرا ما يُسمع المواطن المبتلى وهو يلعن اغلب المتنفذين وذوي التأثير في المجتمع الذين لو دققنا بسيرهم لوجدناهم من أرباب السوابق وأن صفة (السختجية) تنطبق عليهم بالتمام والكمال , فهو يلعنهم بعد أن تكشفت له حقيقتهم , وتأكد من أنهم أكذبُ مَن مرَّ عليه من حكام منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى الساعة , ويقول عنهم إنهم ( سختجية ) , وكل واحدٍ منهم كان منذ نعومة أظفاره ميالا إلى الغش والاحتيال والكذب والنفاق , ومقتنعا بأنه بالكسب الحلال وبعرق الجبين وبالنزاهة والشرف , لن يحصل على المال الكافي لستر ماضيه الأسود ومحوه من ذاكرة العراقيين , فهذا أمرٌ صعب جدا , وأحيانا مستحيل , والأسهل والطريق الأقصر لتحقيق هدف جمع المال والسلطة والسلاح هو امتهان تهريب البضائع والهاربين من وجه العدالة من الوطن إلى خارجه , وتهريب الجواسيس والقتلة واللصوص من خارج الوطن إلى داخله , أو العمل لدى حزب أو هيئة أو منظمة أو جهاز مخابرات أجنبي , إذا ما خدمه الحظ وفاز بالرضا والقبول.
في سياقات عمل السفارات أو المخابرات انها تحتاج إلى خدم محليين يعملون لحسابها ضد أوطانهم وشعوبهم , لذا تبحث في فئة المنحرفين والفاسدين والمحتالين , خصوصا أولئك الذين لديهم استعداد فطري لخدمة كلّ قادرٍ على الدفع المجزي , حتى لو أمرهم بأن يذبحوا أعز من لديهم من أهلهم وأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم الأقربين , وهكذا يصبح الخادم العميل أسيرَ ولائه لأولئك الذين التقطوه من آخر الصفوف , فلمَّعوه وزينوه وموَّلوه وسلحوه , وجعلوه زعيم حزب وقائد عصابة ومن أصحاب الثروة والوجاهة والسلطة والسلاح , وشيئا فشيئا يصبح من الصعب عليه أن يغادر هذه القوقعة المُقفلة , ومع الأيام تُصبح القوقعة هي طوق نجاته , وأداةَ حمايته من ناسه الغاضبين عليه.
رأينا في زمن بريمير ومجلسه انه عندما يغيب الدستور القويم والقانون السليم , فأن أسافلها تتوسد أعاليها , وأخيارها تكون بقبضة أشرارها , وتعمّ الفوضى ويفور تنور الويلات الرجيم , ويكون الكلام بضاعة تجارية ذات ماركات متنوعة , فهو لأغراض التسويق والتخدير والتغفيل , وأن السختجي هو الشخص المحتال المعتاش على الحيلة والإبتزاز والرشوة والغشاش , ولكن بإسم القانون , والكلام المنمق الجميل , وهوالغشاش الذي يدهن لسانه بالعسل ويجعل أفعاله بطعم السم .
تعلمنا ان الدين هو العمل , وليس القول والتظاهر وتأدية الطقوس دون تواصل إيماني وإدراكي مع جوهر الدين , ومن أخطر ما تواجهه المجتمعات أن يتسختج فيها الذين يدّعون بأنهم يمثلون الدين , فيثيرون عواطف مَن يتبعونهم ويؤهلونهم للقيام بما لا يخطر على بال من الشنائع والمآثم والخطايا والسيئات , وفي بعض المجتمعات التي وضعت ما تراه دينا فوق الكرسي , أكدت بسلوكها ما يشير إلى العدوان السافر على جوهر الدين , فسفكت الدماء , وفسدت , وإستحوذت على ممتلكات الآخرين , وإنتهكت الحرمات , وتدّعي بأن ما تقوم به دينا , ووفقا للشرع الذي يؤكده دينها , وهو على مقاسات هواها ورغباتها الدنيوية الخائبة , والعجيب في أمر التسختج أو السختجة أن الإدعاء بدين يساهم بإطلاق نوازع النفس الأمّارة بالسوء , ويسوّغ ما تذهب إليه من التطلعات الدونية.