تعود كلمة بازار بأصلها إلى الكلمة الفارسية wāzā )) )) , والتي جاءت من الكلمة البروتو هندو الإيرانية (( واها-كارانا wahā-čarana)) , حيث انتشر مصطلح بازار بعد ذلك على نطاق عالمي , كانتشار فكرة البازار بحد ذاتها , وشكلت البازارات شبكة تربط المدن الرئيسية ببعضها , لتبادل البضائع والثقافة والمعلومات المختلفة , والبازار هو سوق تتكون من مجموعة من الدكاكين أو المتاجر الصغيرة ويعرف على وجه الخصوص في الشرق الأوسط , والبلقان , وآسيا الوسطى , وشمال إفريقيا , وجنوب آسيا , وعادة ما تقع البازارات في شوارع مقببة أو مغطاة بها أبواب في كل طرف وتكون بمثابة سوق مركزية للمدينة.
تطور مفهوم البازار لتكون هناك علائق تربطه مع السياسة , خصوصا ضمن تقاطعات القوة والنفوذ في ساحة التبادل , ولطالما كان البازار , بمفهومه الواسع الذي يتجاوز السوق التقليدي ليشمل أي فضاء للتفاوض والتبادل , حاضراً بقوة في تشكيل المجتمعات وتفاعلاتها , وبينما يُنظر إليه غالباً كمركز اقتصادي حيوي , فإن تأثيره يمتد بعمق ليلامس حقل السياسة المعقد , تاركاً بصمات واضحة على هياكل السلطة , صناعة القرار , وحتى طبيعة الخطاب السياسي , ففي جوهره , يمثل البازار فضاءً للتفاعل بين أطراف متعددة تسعى لتحقيق مصالح متباينة , هذا التفاعل , القائم على العرض والطلب , والمساومة , والتنازلات , يحمل في طياته ديناميكيات قوة ونفوذ يمكن إسقاطها بسهولة على الساحة السياسية , فالسياسة , في جوانب عديدة منها , ليست سوى (( بازار )) كبير تُعرض فيه الأفكار , والتحالفات , والمصالح , وتُعقد فيه الصفقات , وتُباع وتُشترى فيه الولاءات.
أحد أبرز انعكاسات البازار على السياسة يكمن في تأثيره على تشكيل هياكل السلطة وتوزيعها , ففي الأنظمة السياسية التي تسمح بقدر كبير من التداولية والتفاوض , يصبح البازار آلية لتجميع القوى وتشكيل التحالفات , الأحزاب السياسية , على سبيل المثال , كثيراً ما تدخل في (( مساومات )) لتشكيل حكومات ائتلافية , حيث تقدم تنازلات في برامجها أو في توزيع المناصب مقابل الحصول على دعم شركائها , وبالمثل , فإن جماعات الضغط والمصالح المختلفة تمارس نوعاً من (( المساومة )) مع صناع القرار للتأثير على السياسات والقوانين التي تخدم مصالحها , ويلعب البازار دوراً محورياً في عملية صناعة القرار السياسي , فبدلاً من اتخاذ القرارات بشكل أحادي من قبل طرف واحد , غالباً ما تتطلب العملية السياسية الناجحة نوعاً من (( التفاوض )) بين مختلف الأطراف المعنية , هذا التفاوض قد يشمل تقديم تنازلات , وإيجاد حلول وسط , أو حتى تبادل المنافع , فالميزانيات العامة , على سبيل المثال , غالباً ما تكون نتاج (( مساومات )) طويلة بين مختلف الوزارات والجهات الحكومية للحصول على حصة أكبر من الموارد , والقوانين الهامة تمر بمراحل من النقاش والتعديل والتوافق بين مختلف الكتل البرلمانية , وهو ما يمكن اعتباره نوعاً من (( البازار )) التشريعي .
أورد عباس عراقجي , وزير الخارجية الإيراني , قصة البازار في كتابه (( قوة التفاوض)) الصادر في أيار 2024 , حيث تناول فيه مراحل التفاوض السياسي , والدبلوماسي , مستعرضاً كيف تشكّلت ثقافة التفاوض الإيرانية على النمط البازاري , وخاصة أنه ابن أحد تجار السجاد في طهران , حيث ان البازار في الثقافة الإيرانية ليس مجرد سوق شعبية , بل تتشكل فيه عقلية المقايضة , مساومة طويلة , إخفاء للأسعار , تكتيكات تفاوضية , كالتظاهر بالانسحاب , واللعب على الأعصاب , ويقولون انه في أحد أيام الصيف في طهران دخل دبلوماسي غربي إلى البازار الكبير برفقة مترجم إيراني , وبين ضجيج الباعة , وروائح التوابل , قال المترجم مبتسماً : (( هنا تتعلّم إيران التفاوض , البازار هو مدرستنا الأولى)) .
كتب زيد بن كمي نائب المدير العام لقناتي العربية والحدث : (( يقدّم عراقجي نفسه باعتبار أنه امتداد لمدرسة البازار , وموجّهاً رسالة ضمنية للأميركيين أن أبناء البازار لا يقدمون شيئاً بلا مقابل , ولا يكشفون أوراقهم منذ البداية , وهذه الصورة كانت حاضرة مع بداية المفاوضات الأميركية – الإيرانية يوم السبت الماضي التي استضافت العاصمة العُمانية مسقط أولى جلساتها بين المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف , وعباس عراقجي , ويبدوأن تلك الجلسة والجلسات المقبلة لن تخلو من العرض , والرفض , والمساومة ,والمناورة , لكن ما غاب عن عراقجي أن الرئيس دونالد ترمب لم يكن من محبّي المساومات التقليدية , بل عاشق للصفقات الواضحة , يعرضها في العلن , ويعلن نتائجها بلا مواربة , هو رجل يفضل الحسم على التلكؤ , والنتائج على التفاصيل , ولا يقرأ من كتاب البازار, وهو ما أكد عليه مبعوثه ويتكوف أنه لن يتم أي اتفاق مع إيران إلا على طريقة ترمب )) .
هناك أبيات شعرية عربية تستشهد بالبازار , وغالباً ما تستخدمه كرمز للازدحام , والتنوع , والتقلبات , وأحياناً للبحث عن شيء ذي قيمة وسط ضجيج الحياة , وبما أن البازار مكان للبيع والشراء والربح والخسارة , فقد يُستخدم كرمز لتقلبات الحياة وحظوظها المتغيرة , وقد يشير بيت شعري إلى أن (( الدنيا كالبازار , يوم لك ويوم عليك )) .
(( قلبي كبَازَارِ الهَوَى مُزْدَحِمٌ , بِكُلِّ صَنْفٍ مِنَ الأَشْوَاقِ وَالْوَلَهِ )) .
(( في بَازَارِ الأَيَّامِ نَبْحَثُ عَنْ أَمَلٍ , كَمُشْتَرٍ يَرْجُو اللُّؤْلُؤَ بَيْنَ الْحَصَى )) .
(( أَيَّامُنَا بَازَارٌ سَرِيعُ التَّقَلُّبِ , مَا رَبِحَ اليَوْمَ قَدْ يَخْسَرُ غَدًا )) .