نشر أستاذنا المهاب على موقعه هذه العبارة : (( عنما تهب العاصفة تتطاير الاقنعة عن الوجوه )) , ومعناها أن الأوقات الصعبة والمحن تكشف عن الطبيعة الحقيقية للأشخاص , وتزيل الأقنعة التي يرتدونها لإخفاء شخصياتهم الحقيقية , ففي أوقات الشدة , يظهر الناس على حقيقتهم , سواء كانت هذه الحقيقة جيدة أو سيئة , وحين تهب العاصفة , تصبح الأقنعة واهيه , وتتساقط تباعاً دون جهد , لتجد الجميع حولك غرباء , بوجوهٍ مرعبه , ستتغير حينها , ثم وحيداً ستمضي , صامتا دون تبرير , تحتضن روحك بقوة , وتمسك يدك بيدك الآخرى , ناضجاً لاتنتظر أحد , تذكرت ماجرى عام 1991 عندما أتفق ألأعراب والصهاينة على ذبح العراق , فعندما هبت عاصفة صحرائهم , هرب مدعي العروبة ومحظيوا موائد العراق فارين مذعورين , ومختلقين شتى التبريرات وألأسباب لجبنهم المخزي , وأذكر وقتها أن انطلقت أغنية تونسية تصدح بصوت عال لتناديهم : (( وين الملايين ؟ الشعب العربي وين ؟ )) , ولا مجيب .

يقول الجنرال الفيتنامي فون تقوين جياب : ((عندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر الوطنيون )) , نشاهد أمثلة عن اخطر المنافقين من الذيول المتخلية عن إيران في مواجهة إسرائيل , اكاديمي علماني يتودد لمسؤولين في أحزاب إسلامية ليمنحوه منصبا , ويتحدث في ندوات تقيمها جهات تقدمية عن العلمانيه , وكم من ترى أصواتهم تلعلع فوق المنابر , وما هم إلا يراؤون  , يمنعون ألف ماعون وماعون , فدينهم جيوبهم , وربهم الكرسي المنان الكريم , يرفلون بالعمائم الغالية , واللحى المسبلة المدهونة والمرتبة , ووجناتهم متوردة وكروشهم متقدمة , وأكفهم محلاة بأغلى المحابس والحلي الباهضة الأثمان ,

وتلك أعاجيب سلوكية , يتنافى فيها القول مع الفعل , ويكون الدين حمال أوجه , أمّارات السوء الفاعلة فيهم , وهم أقل شأنا من حمّالة الحطب , وفي جيدهم حبل من ذهب.

مقولة أستاذنا المهاب تنطبق بوضوح على المشهد السياسي والعسكري الراهن في الشرق الأوسط , خاصةً مع اشتداد المواجهة بين إيران وإسرائيل , لقد كشفت هذه الأزمة عن حقائق صادمة بخصوص العديد من الوكلاء أو الفصائل والجماعات التي طالما رعتها ودعمتها طهران بكل قوة , فما أن اشتدت الحرب وتصاعدت حدتها , حتى ولوا هاربين , متخلين عن حليفهم في أحلك الظروف , مما جعلهم يخسرون شرف الموقف , فلطالما بنت إيران شبكة واسعة من الوكلاء والمليشيات في المنطقة , من العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن , استثمرت طهران بسخاء في تدريب هؤلاء  وتسليحهم , وتوفير الدعم المالي واللوجستي لهم , بهدف خلق حزام نفوذ يخدم مصالحها ويشكل درعاً ضد خصومها , روجت هذه الفصائل لنفسها كجزء لا يتجزأ من (( محور المقاومة )) , تابعة لخط ولاية الفقيه ومستعدة للتضحية في سبيل تحقيق الأهداف الإيرانية .

أظهرت الأيام الأخيرة , ومع تصاعد وتيرة الصراع مع إسرائيل , هشاشة هذه التحالفات وولاءاتها , فعندما حانت ساعة الجد , وعندما أصبح الثمن باهظاً , وعندما بدأت طهران تواجه ضربات موجعة ومباشرة , تبخرت شعارات المقاومة والجهاد, والجماعات التي كانت تتبجح بقوتها وولائها , والتي كانت ترفع شعارات الموت لإسرائيل وأمريكا , فضلت النجاة بنفسها على الالتزام بتعهداتها , لقد رأينا كيف أن بعض هذه الفصائل اختفت عن الأنظار, والبعض الآخر قلل من تواجده , بينما لم يتردد آخرون في التنصل من أي مسؤولية تجاه تصرفات إيران , تحولت الشعارات النارية إلى همسات خافتة , وتبخرت التهديدات إلى صمت مطبق , هذا التخلي السريع يكشف عن طبيعة العلاقة الحاذقة التي كانت تربط هذه الجماعات بإيران : علاقة قائمة على المصالح البحتة وليس على الأيديولوجية أو الولاء المطلق , ليأتينا صوت الفرزدق عبر التاريخ وهو يقول للحسين : قلوبهم معك وسيوفهم عليك .

هذا الموقف المخزي لهؤلاء , يرسل رسالة واضحة : الولاءات في هذا الجزء من العالم غالباً ما تكون ظرفية , وتعتمد على المكاسب المادية والسياسية , فعندما يرتفع سقف التضحيات , وعندما يصبح الخطر حقيقياً ومحدقاً , تتكشف حقيقة هذه الجماعات التي لا تتردد في التخلي عن من دعمها ورعاها , والآن , وبعد أن هبت العاصفة وكشفت الأقنعة , يتعين على إيران أن تعيد تقييم استراتيجيتها في الاعتماد على هذه الجماعات , ففي مواجهة الأزمات الحقيقية , تبين أن (( محور المقاومة )) هذا قد يكون مجرد شبكة هشة من المصالح المتشابكة , لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي , وفي النهاية , يبقى السؤال: هل ستتعلم طهران الدرس ؟ , أم ستستمر في بناء تحالفات زائفة سرعان ما تتبدد مع أول ريح عاصفة ؟

إن الأوقات الصعبة هى أفضل كاشف عن جوهر البشر, يؤلمني الشك في صِدق ألآخرين , تخيل أن تعيش أمورًا تؤمن بكل ما فيك أنها الأصدق والأبقى , لكنك وبعد مرور الأيام الموحشة والغريبة عليك , يُصيبك الشك في صدق كل الذي كان جميلاً بالنسبة لك , فسَـلامٌ عليٰ مَـن طَـرقُـوا أبـوابَ الـرُّوحِ بِنبَضاتِ قُـلوبِهم فكُنَّـا لهُم مُنصِّتِين , وحِينَ أرخُوا عليها أشرِّعَـةَ الأمَانِ نبَـضَت قُلوبُنا بِـ الحُبِّ أن إدخُلوها بِسَلامٍ آمِنيـن .

أحدث المقالات

أحدث المقالات