قال حكيم بْن عكرمة الدئلي في أبي بكر بْن عَمْرو بْن حزم:
وعجبت أن ركب ابن حــزم بغلة فركوبه فوق المنابر أعجب
وعجبت أن جعل ابن حزم حاجباً سبحان من جعل ابن حزم يحجب
(أخبار القضاة1/137)
تعتبر المقامات من الفنون الأدبية الأقل شهرة من غيرها، بسبب صعوبها سبكها في عبارات سجعية تستلزم من كاتبها معرفة لغوية كبيرة، وقدرة على توطين وتنسيق الكلمات بجمل مترابطة، تصب في نفس الهدف الذي يتوخاه الكاتب من مقامته، ولعل أبرز المقامات التي عرفت عند العرب هي:
1. مقامات بديع الزمان الهمذاني المتوفي (398هـ). وهي (51) مقامة، تبدأ بالمقامة القريضية وتنتهي بالمقامة البشرية.
2. مقامات الحريري المتوفي (516هـ). وهي (50) مقامة، تبدأ بالمقامة الصنعانية، وتنتهي بالمقامة البصرية.
3. مقامات الزمخشري المتوفي (538هـ). وهي (48) مقامة تبدأ بمقامة المراشد، وتنتهي بمقامة أيام العرب
4. المقامات الزينية لمعد بن نصر الله المعروف بإبن الصيقل الجزري المتوفي (701هـ)، وتتضمن (49) مقامة، تبدأ بالمقامة البغدادية، وتنتهي بالمقامة الجزيرية.
5. مقامات السيوطي المتوفي (911هـ) وهي (6) مقامات، تبدأ بالمقامة المسكية، وتنتهي بالمقامة الياقوتية.
6. مقامات عبد الرحمن بن حسن التميمي المتوفي (1285هـ)، وهي تسع مقامات، مرقمة حسب تسلسلها بلا عناوين.
7. المقالات الجوهرية على المقامات الحريرية. ابن الياس خير الدين بن تاج الدين (المتوفي:1127هـ). مخطوطة برقم 814/ م20 . جامعة الملك فهد. وهناك العديد من الشروحات لمقامات الحريري والهنذاني.
تعتبر مقامات الهمذاني من أقدم ما وصل الينا، وقد تضمنت حسبما يظن الرواة (400) مقامة، ولكن ما تم العثور عليه ونشره (51) مقامة فقط. وربما يعتبر الهمذاني أول من انشأ فن المقامة. ذكر إبن خلكان” أن الهمذاني وضع المسائل الفقيهة في المقامة الطيبة وهي ماية مسألة وكان له رسائل أنيقة ومسائل في اللغة تغالى بها الفقهاء، ومنه اقتبس الحريري صاحب المقامات ذلك الأسلوب”. (وفيات الأعيان1/43). وذكر الثعالبي” أملى ابو الْفضل الهمذاني أَرْبَعمِائَة مقامة نحلهَا أَبَا الْفَتْح الإسكندري فِي الكدية وَغَيرهَا وضمنها مَا تشْتَهي الْأَنْفس، وتلذ الْأَعْين من لفظ أنيق قريب المأخذ، بعيد المرام وسجع رشق المطلع والمقطع، كسجع الْحمام، وجد يروق فَيملك الْقُلُوب، وهزل يشوق، فيسحر الْعُقُول”. (يتيمة الدهر4/294)
في حين ذكر ابو إسحق الحصري إن اول من انشأ المقامة هو إبن دريد بقوله ” لما رأى البديع أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وأنتجها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها إلى الأفكار والضمائر، في معارض حوشية وألفاظ عنجهية، فجاء أكثرها تنبو عن قبوله الطباع، ولا ترفع له حجب الأسماع، وتوسع فيها إذ صرف ألفاظها ومعانيها وفي وجوه مختلفة، وضروب منصرفة، عارضه بأربعماية مقامة في الكدية تذوب ظرفا، وتقطر حسناً، لا مناسبة بين المقامتين لفظاً ولا معنى عطف مساجلتها، ووقف مناقلتها على رجلين سمى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وجعلهما يتهاديان الدر، ويتنافثان السحر، في معان تضحك الحزين، وتحرك الرصين، وتطالع منها كل طريفة، ويوقف منها على كل لطيفة”. (زهر الآداب1/325).
من وحي هذه المقامات وضعنا مقامات الفساد الثلاث وهي:
1. مقامة الحكومة الفاسدة
2. مقامة البرلمان الفاسد
3. مقامة المرجعية الدينية الفاسدة
مقامة الحكومة الفاسدة.
قال ابو المظالم الشعبي متوكلا على الله، بادئا بحي على الفلاح، مخاطبا الشيخ ابو البناء والإصلاح البنائي عما آل اليه وضع البلاد، من تردي وفقر وفساد، وسبي كبير للعباد، وخراب في إزدياد، مهددا بثورة العباد، وإعلان الجهاد! لقد طال الإنتظار فرد الينا الإعتبار، قد وعدتنا بالإصلاح فأبدينا الإرتياح، ورجونا منك الفلاح، متمنين التوفيق والنجاح. فقد مللنا يا شيخنا الصياح، وضاعت أحلامنا أدراج الرياح، ولعقنا ما يكفي من الجراح، لن نسكت عن الكلام المباح، كفى ظلاما، نريد إنبلاج الصباح.
إبرح يا شيخنا عرينك، وإلا دعونا الله أن يشلٌ يمينك! ويعين الفقراء ولا يعينك، لقد ظلمتنا بما فيه الكفاية، فحق الجهاد ورفع الراية، لقد أتعبتنا بسوف وليت، مذ أمرنا توليت، فما وفيت ولا كفيت، أسقطت علينا سقوف البيت، وصببت على نار الفتنة الزيت، أهذا كان قصدك وما نويت؟
سحقا لزعامة لا يُشبع نهمها، وولاية فاسدة لا تراعي شعبها، قد سرقت كل حقوقه، ومحقت نور شروقه. قائد يطربه التألم والنواح، لا يبالي كأنه يستمع الى نباح، وزرائه كلاب مهووسة، كإنها بالجن ممسوسه، كائنات غير محسوسه ولا ملموسة، كالقمطرير غاضبة عبوسة، جعلت حياتنا عدما، وأرضنا حمام دما، عيوننا مشخصة على ربٌ السما، عسى أن يرفع عنا غيمة العنا، فذاك مطلبنا وغاية المنى.
يا شيخنا ثرواتنا تُسرق، وحقوقنا تُمحق، على أيادي مارقه، في العهر والفساد غارقه، أصبح الأغنياء فقراء، وأمسى الفقراء أغنياء، فأي بلاء أشد من هذا البلاء؟ خذ مني الكلام المفيد، فقد تحول الأحرار الى عبيد، والعبيد الى أحرار، وتبوأ أعلى المناصب حفنة من الفجار. عشعش الفساد في كل السقوف، والحكومة تلعب بالدفوف، وأضابير الفساد مركونة على الرفوف، تشكو العث والغبار، وتنتظر طلوع النهار، عسى أن تُكشف الحقائق، للشعب بكل الدقائق.
ارواحنا يا شيخ حائرة ومحيرة، ودماءنا للغير مجيره، وقلوبنا بأجندات مسيره. نصرخ يا للثارات وأكثرنا جهلة امعات، ننادي بالحرية، وتروضنا العبودية، نقول هيهات منا الذله، وعرق أجسادنا مذله، تفوح منا رائحة الجله، الشعوب يا شيخنا المعمار، أما من قوى الأحرار، أو من قوى الإستحمار، الأول يقوده الحكماء والعقلاء، والثاني يقوده السفلة والجهلاء. الأول سقم وداء، والثاني دواء وشفاء، وشتان ما بين الأرض والسماء.
السنون يا شيخنا دائره، والأفكار حائره، والفتنه ثائره، والسياسة عاهره، والأمه عاقره، والشعوب صابره، والأحكام جائره، والتهم حاضره، والسجون عامره، والحكومة بالدفوف ناقره، فالمنطقة الخضراء زاهره، بناياتها محصنه فاخره، تديرها أيادي ماهره، تخدم طغمة عاهره، وحثالات قوم جائره. يا شيخنا العجب العجاب، إنهم التموا علينا كالذباب، وأغلقوا ورائهم الباب، فلا سؤال ولا جواب، ولا لوم ولا عتاب، كخراف ضمآنة خدعها السراب، فانفردت بها ضواري الذئاب. يا شيخنا كلاب المحتل أزالت العراقيل، تسندهم مجموعة من الدجاجيل، تركونا ما بين معوق وجريح وقتيل، اللهم سلط عليهم طير أبابيل، وإرمهم بحجارة من سجيل، وأوكل خازن النار بكل عميل. لقد سئمنا من همهم الثقيل، فأكرم علينا بخير بديل، اللهم لا تهديهم السبيل، هم ياإلهي نقمه ولا يستحقون الرحمه.
الأمن في عراقنا غائب، والشر فيه غالب، وفي زوايا خرائبنا غراب ناعب، يسرق من مال سائب، لا فرق بين وزير ونائب، الكل يملأ جيبه، ولا أحد يفطن الى عيبه. الشعب عمت عينه، يقول: احنه شعلينه!
سرقوا منا الاحلام والآمال، وبددوا مصالح الأجيال، يسومونا الظلم والعذاب، بحجج التآمر والإرهاب. في أرش الأقبية والروافد، تحول العميل الى مجاهد، وصار الشعار السائد، إن من أهم صفات القائد، تغطية وتبرير المفاسد، ونسج الأكاذيب والمكائد. ومن يعارض فهو حاقد، أما داعشي او من بقايا البعث البائد.
لا أمل يا شيخنا المعمار، من جار عيار، في الصيف يقطع عنا مياه الأنهار، وفي الشتاء يفتح علينا سيول الأمطار، يصدر لنا الغذاء والدواء الفاسد، وكل ما في سوقه كاسد، بنوايا شريرة المقاصد، ينشط في تجارة المخدرات وفي تصدير الموت والآفات، نصب عليه يوميا اللعنات، هو وأذرعه الميليشيات، يصطاد بالمياه العكرة، جار خسيس نكره. يتقن فن الحيلة والتدبير، ونزعتة الخبث والتدمير، اينما حلٌ كان الخراب، وفقدان الأمن وشيوع الإضطراب، تحكمه شياطين مردة، متعممة بعمائم مسودة. تنفخ في رماد الفتن، لتؤجج المصائب والمحن، نظام اشبه بسابقه عفن.
يا شيخنا لعن الله من ظلم، من عرب وأكراد وعجم، من شعوب وأديان وأمم، وأقوام إنعدمت عندهم الذمم. اليس العجب، كل العجب ان يحكم العراق من هب ودب، دينه النهب، وديدنه السلب، أفرغت الخزينة من الدولار والذهب، على يد المالكي وابنه، وصهره ابي لهب، ونديمه العلاق بائع الدمى واللعب. انه لعار وشنار، لمن ابتكر مزاد الدولار، فقد غسل الأموال ونشفها، وفي جيوب جارنا اللدود أودعها. هم كلاب مسعورة، لتوجيهات الولي الفقيه مأموره.
بلادنا يا شيخنا بُليت، الأسماك باقفاصها نفقت، ونقود المصارف بالإمطارغرقت، والخضار والفواكه في السوق كسدت، المعامل والمصانع هُجرت، والمزارع والبساتين جُرفت، والعقول والكفاءات رُحلت، ونخب المواطنة هُجرت، والميليشيات تفقست، بتشرعات البرلمان ثُبتت، تُركت عبادة الله والمراجع عُبدت، ونسأل ليلا ونهار، بجهالة وإستحمار، لماذا سخطت علينا السماء؟ كيف لا! شعل عليل يرفض الدواء، وقانع كل القناعة بالبلاء.
ام حكومتنا حمالة الحطب، وأبو حكومتنا ابو لهب، فلا لوم يا شيخنا ولا عتب، ولا دهشة ولا عجب. كم من عزيز أذلوه، وخسيس رفعوه، وقواد نزهوه، ومأبون إنتخبوه، ووطني خونوه، وعميل مجدوه، ومجرم برأوه، ومحق إعتقلوه، وظلم شرعوه، وسجن ملأوه، وفاسد هربوه، وبيت محوه، وبستان جرفوه، ومعمل حرقوه، وشرف إنتهكوه، وضمير باعوه، وسافل رفعوه، ومبدع محقوه، وخبيث شرفوه، وغني عروه، وعاري البسوه، وظلم صنعوه، وحق مسخوه، ودين أنكروه، ومذهب حرفوه، ومزور تركوه، ومرتشي سامحوه، ونكرة عرفوه، وجاهل عينوه، وقضاء سيسوه، ومدع عام نوموه، ومرجع محل الخالق جعلوه،
كفاكم يا شعبي خضوع، ولحكامكم سجدا ركوع، لا يحرككم ظلم وفقر وجوع، اصواتكم معدومة أو خافته، ونفوسكم ضالة ومتهافته، واراداتكم رخوة متفاوته، ما بين اكثرية صماء، واقلية خرساء، كأنكم فقاعة في هواء. العالم أعرض عنكم، ونفض يده منكم. أما نهوض وإنتفاض، أما نوم وإنقراض. لقد ميزنا الله بالعقول، وفرقنا بذلك عن العجول، فمن لا يستعمل العقل في التدبير، سيلاقي الظلم وسوء المصير، العاقبة يا سادتي للمتقين، والخزي والعار للغافلين والمستحمرين.