23 ديسمبر، 2024 8:54 ص

مقارنة وطنية بين ما قام به الاستعمار البريطاني في وادي الرافدين وما قام النظام العروبي البعثي..؟

مقارنة وطنية بين ما قام به الاستعمار البريطاني في وادي الرافدين وما قام النظام العروبي البعثي..؟

إن الكيان الموجود اليوم على الخارطة السياسية باسم العراق كما هو معروف لدى كل متابع لم يكن له وجوداً بحدوده الحالية في زمن الحكم العثماني الذي دام قرونا لمنطقة الشرق الأوسط. لقد كان هناك ثلاث ولايات منفصلة عن بعضها وكل لها واليه الخاص يحكمها ويدير شؤونها باسم الخليفة التركي الطوراني القابع في إسطنبول، كولاية كوردستان، التي غيروا اسمها فيما بعد إلى ولاية موصل – من يشك بكلامنا عن ولاية كوردستان فليراجع خارطة الممالك العثمانية في آسيا لعام 1893م التي تضم جنوب كوردستان بضمنها كركوك وموصل- و ولاية بغداد، و ولاية البصرة. لكن حين احتل الجيش البريطاني ولاية بغداد عام 1917 دمجها عام 1920 مع ولاية البصرة وأسس للعرب كياناً.. و استورد له من شبه الجزيرة العربية الجرداء مليكاً اسمه فيصل كان قد خان والده. وعرف الإنجليزي الخبيث أن لا حياة لهذا الكيان المصطنع بدون أن يلحق به جنوب كوردستان، الذي يتمتع بوفرة المياه، والأرض الصالحة للزراعة، وقبل هذين علم بوجود البترول بكميات كبيرة في باطن أرضه في كركوك وموصل، هنا بدأت بريطانيا بحبك المؤامرات الدنيئة ضد الشعب الكوردي حتى تسنى لها ما أرادت عام 1925-1926 في عصبة الأمم وألحقت جنوب كوردستان بالكيان العراقي المصطنع. عزيزي القارئ، أن الإلحاق أن كان جزءً من الوطن أو كله أنه جريمة كبرى تفوق جريمة الاحتلال والاستعمار لأنه يمسخ شعب ووطن الملحق بذلك الكيان. إلا أن الشعب الكوردي رفض هذا الإلحاق القسري ومنذ اللحظة الإلحاق أعلن الثورة على بريطانيا والكيان المستحدث المسمى عراق، لكن المحتل البريطاني الغاشم واجهها بوحشية واستخدم حتى القنابل الكيماوي ضد الشعب الكوردي، وضربت طائرات الـ”هوكرهنتر” البريطانية مدينة السليمانية التي كانت عاصمة مملكة جنوب كوردستان، التي كان ملكها محمود الأول. لكن بعد أن استقر الأمر لبريطانيا بقوة الحديد والنار؟ سلمت كل مقاليد السلطة في هذا الكيان.. إلى العرب، إلا أنهم لم يستطيعوا الحفاظ على خارطة هذا الكيان كما سلمتهم إياها سيدتهم.. بريطانيا العظمى.
حقيقة لا أريد أن أخوض في كل التنازلات عن الأراضي والمياه التي تنازل عنها النظام العربي.. للأنظمة المحيطة بالكيان العراقي منذ أن أُجلس المملوك فيصل الأول على عرش هذا الكيان المصطنع من قبل الاحتلال البريطاني مروراً بعدة حكومات عربية تربعت على عرش السلطة في بغداد بانقلابات عسكرية إلى آخر أيام حكم عبد الرحمن محمد عارف. بل سأتناول فقط ما قام به نظام حزب البعث.. من تنازلات عن الأراضي والمياه والسيادة في كل الاتجاهات خلال حكمهم البغيض بين أعوام 1968 – 2003. عزيزي القارئ، في مقالي السابق قلت أن شاه إيران المقبور محمد رضا بهلوي قال للوفد الكوردي برئاسة ملا (مصطفى البارزاني) الذي زاره في طهران لمعاتبته عن تصالحه مع الصلف الجلف صدام حسين وغلقه للحدود المصطنعة بوجه الحركة التحررية الكوردية، قال لهم الشاه: لقد أعطاني صدام حسين ما لم يعطيني إياه نوري السعيد؟؟؟إن نوري السعيد الذي كان البريطانيون يحركونه كيفما يشاؤون لم يتنازل عن شبر من أرض ومياه هذا الكيان.. الذي أنشأته بريطانيا لأحد، ليس هذا فقط، بل كانت حدود العراق وفق معاهدة عام 1937 بين إيران والعراق تبدأ من الضفة الإيرانية لشط العرب، أي أن كل شط العرب كان ملكاً للعراق باستثناء بعض الأماكن حول مدينتي (خرمشهر) و(عبادان)، لكن نظام حزب البعث العروبي بقيادة بكر وصدام تنازل عن هذه الحدود وقبل بخط حدود جديد يبدأ من أعمق نقطة في وسط شط العرب الذي يسمى بخط تالوك- Thalweg؟؟!! قارن عزيزي القارئ بين نظام عميل للغرب (الكافر) لم يتنازل عن شبر من الأرض ولا عن قطرة مياه عراقية، وبين النظام الذي كان يسمي نفسه بالنظام الوطني والعروبي لكنه تنازل عن كل شيء عراقي لدول الجوار بالجملة والمفرد؟؟!!. أضف لهذا، أن الدستور العراقي الذي أصدره حزب البعث بنفسه يقول في مادته الثالثة فقرة باء: أرض العراق وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها. لكن رغم هذا النص الدستوري الواضح والصريح تنازل حزب البعث العروبي عام 1975 عن طول عشرات الكيلومترات من مياه شط العرب لشاه إيران، وتنازل له أيضاً عن العديد من القرى والأراضي التي تحوي على النفط في باطنها!!. ليس هذا فقط، لقد طالب في بداية حكمه مرات عديدة بإعادة الجزر الإماراتية الثلاثة من إيران وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، لكن حين تصالح مع الشاه وتغيير كل شيء على الأرض تجاه إيران غير صدام حسين كلامه 360 درجة وقال دون أن تعرق جبينه خجلا: أن هذه الجزر كانت أرض مشاعية. أي لم يكن لها صاحب؟؟!!. متروك الحكم للقارئ، أن نوري السعيد العميل لبريطانيا لم يتنازل عن سنتيمتر واحد لشاه إيران كما قال الشاه للوفد الكوردي وصدام حسين تنازل له – للشاه- ليس فقط عن الأرض بل أعطاه النهر الوحيد الذي يحمل اسم العرب في هذا الكيان المسمى عراق؟!. للعلم، إن ذات الدستور المذكور يقول في مادته الخامسة فقرة باء: يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية.. .هل سأل صدام حسين القومية الشريكة له في العراق حين تنازل بخلاف الدستور عن أراضي ومياه العراق لإيران وغيرها؟؟ بالطبع لا، بل هو تنازل عنها لإيران كي تعادي شريكه في الوطن وهو الشعب الكوردي وحركته التحررية. وبعد تبوئه منصب رئيس الجمهورية تنازل صدام حسين عام 1981 لسعودية عن منطقة الحياد التي كانت بين العراق والسعودية وحزب البعث صفق له تأيداً لهذا الإنجاز؟؟!!. وهكذا تنازل العروبيون البعثيون ورئيسهم صدام حسين عن منطقة الرويشد للأردن؟؟. ومد العروبيون البعثيون أنبوب نفط من كركوك إلى ميناء جيهان في تركيا الذي يقع في قلب اسكندرونة التي تقول سوريا أنها أرض سورية محتلة ومد الأنبوب إليها يعتبر اعتراف ضمني من نظام البعث العروبي بأن هذه الأرض تركية خالصة، وهذه خيانة للعروبة لا تغتفر؟؟. وهكذا على خطى البعث، تنازل عام 2013 حكام الأشياع في بغداد للكويت عن خور عبد الله ذلك الممر المائي الهام وأقرتها الجماعة الشيعية رسمياً عام 2017. وبعد عام 2003 بمساعدة أشياع السلطة في بغداد تنهب إيران النفط العراقي من حقول عمارة وغيرها، لكن الجماعة بدل أن يقفوا ضدها يتستروا عليها ويعادوا من يتكلم عنها!!!. يجب أن لا ننسى أن الجيش التركي الطوراني هو الأخر استقر قرب مدينة موصل ويستعد لعام 2023 وهو مرور مائة عام على معاهدة لوزان.. التي من المرجح أن خارطة المنطقة لا تبقى بعدها كما كانت، فلذا يترقب أردوغان وغيره من الطورانيين الأتراك تتغيراً للسياسة الدولية لاحتلالها وضمها إلى تركيا؟؟!!. كي لا ننسى، أن وجود التركي الطوراني هو من بركات النظام العروبي الذي منح الأتراك حق اجتياح (الأراضي العراقية) بعمق كذا كيلومتر لتنفيذ جرائم ضد الثوار الكورد. عزيزي المتابع لاحظ التدليس العروبي كيف يكون، جاءت في المادة التاسعة والثلاثون فقرة باء في الدستور العراقي الذي أقره ما سمي بمجلس قيادة الثورة: يؤدي رئيس مجلس قيادة الثورة ونائبه والأعضاء أمام المجلس اليمين التالية: أقسم بالله العظيم وبشرفي ومعتقدي أن أحافظ على النظام الجمهوري وألتزم بدستوره وقوانينه وأن أرعى مصالح الشعب واسهر على استقلال البلاد وسلامتها ووحدة أراضيها وأن أعمل بكل تفان وإخلاص لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية. نتساءل بألم، هل نفذت كلمة واحدة من مواد الدستور كما جاءت في هذه الوثيقة التي تسمى دستور؟؟!! أم نفذ ما هو خلافها تماماً؟؟!!. وفي المادة الحادية والثلاثون فقرة ألف يقول الدستور: الدفاع عن الوطن واجب مقدس وشرف للمواطن.. . لكن حين جاءت لحظة المواجهة عثروا عليه مختبئ في حفرة؟؟!!. أين صار الدفاع عن الوطن الواجب المقدس؟! أين صار الشرف؟!. أم مجرد كلام لا غير؟. لاحظ عزيزي القارئ الإزدواجية والسادية عند هؤلاء العروبيون الأوباش يزعموا في دستورهم في مادة الثانية والعشرون فقرة ألف: كرامة الإنسان مصونة، وتحرم ممارسة أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي أو النفسي. لكن إبان محكمة الديكتاتور صدام حسين عرض له تسجيلاً لإحدى مؤتمراته الصحفية يقول فيها بلهجته التكريتية المقرفة: إلي يطلع مكسر، إلي يطلع بجراحو، ولي يندفن ويخيس، طبعاً كما يقول: أنه يتألم لموت الخيرين من البعثيين، لكنه يقول عن ما يسميهم أعداء: بصفوف الأعداء واحد يموت بالتحقيق ما له قيمة الخ. أين كرامة الإنسان كما تشدقتم بها في دستوركم..؟! أليس هدر كرامة الآخر واستعمال العنف والقتل العشائري جزء يومي من حياة أهل قرية العوجة؟؟. لا أريد أن أبدو قاسياً في كلامي، لكن هذه هي الحقيقة هؤلاء.. كما عرفها عموم العالم. على أية حال، ما قلناه في هذه الوريقات قابلة للفحص والتمحيص والتدقيق وحتى النقد الذي سنقبله برحابة صدر أن لم يخرج من إطار الأخلاق وسنرد عليه بموضوعية تامة وهدوء.

“سئل أرسطو من يصنع الطغاة؟ فرد قائلاً ضعف المظلومين” (أرسطو)