23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

مقارنة بين عادات الاجتماعية للمجتمعات الشرقية الاسلامية وبين المجتمعات الأخرى في تحديد سرعة انتشار الامراض الانتقالية

مقارنة بين عادات الاجتماعية للمجتمعات الشرقية الاسلامية وبين المجتمعات الأخرى في تحديد سرعة انتشار الامراض الانتقالية

لو أتيحت لنا تقسيم طريقة انتقال الفيروسات والبكتيريا, لقلنا إنها تتكون من ثلاثة طرق أساسية. أولا الانتشار عن طريق الأشياء الجامدة التي يلامسها الانسان, ثانيا الانتشار من خلال ملامسة الإنسان للكائنات الحية الاخرى, ثالثا الانتشار عن طريق ملامسة شخص سليم للمصاب. يمكننا القول بشكل مؤكد أن طريقتي الاولى والثانية يمكن فهمه والسيطرة عليه بسهولة, أما طريقة الثالثة فهي تشكل شريان الأساسي لانتقال الأمراض المعدية بين الناس. وانتقالها يعتمد على كون الإنسان كائن اجتماعي, يتقاربون فيما بينهم في مناطق محددة.

عادات الإنسان الاجتماعية, المشتركة منه بين جميع حضارات والمختصة في حضارة معينة, تمثل سفينة النجاة بالنسبة للجراثيم التي تعتمد في بقائها على الخلايا البشرية. المصافحة والعناق والتقبيل وأي أنواع أخرى من الملامسات البشرية التي تمثل عادة أو تقليد أو حتى سياسة متبعة – كملامسة الكادر الطبي للمريض وفحص شرطة للسجناء – تساعد على انتشار الفيروسات أو البكتيريا بأنواعها المختلفة الخطيرة وغير الخطيرة بين أفراد مجتمع البشري.

الآن أكثر من أي وقت مضى, أصبح سرعة أنتشار أمراض المعدية أضعافاً مما كانت عليه في السابق. ذلك بسبب زيادة أعداد السكان في مختلف الاوطان, والتطور في وسائل النقل من السيارات والطائرات, والعولمة, ثم الاقتصاد العالمي. بالرغم من مسايرة الصحة والطب لتلك التطورات, إلا أنها تكلف الدول والمجتمع ثروة في علاج الأشخاص المصابين بتلك أمراض. مما يشير إلى أن الوقاية والتوعية تعتبر خط الدفاع الأول لمحاربة الأوبئة.

تعتمد غالبية عوامل سرعة أنتشار أمراض الانتقالية على كائن المعدي وطريقة انتقاله وتكاثره وفترة حضانته ومدى قدرته على تضعيف المصاب. مثلاً, ينتقل فيروس انفلونزا بشكل مباشر عندما يسعل, يبصق, يعطس المصاب نحو الشخص السليم وكذلك عن طريق التقبيل ولمس المصاب لعيني وأنف وفم السليم, أو ينتقل بصورة غير مباشرة عن طريق المصافحة بين المصاب والسليم ثم لمس شخص السليم لعينيه أو لفمه أو لأنفه.

المصافحة هي من عادات الاجتماعية الأكثر شيوعاً في العالم الشرقي والغربي, نستخدمها للترحيب وعند إنهاء صفقات العمل ثم للتوديع. يعتبر المصافحة من ملامسات البشرية الضرورية التي تساعد على بناء صداقة والمحبة بين الناس, وكذلك تؤثر على مزاج المتصافحين وعلى طريقة تصرفهم مع بعضهم البعض, إلا أنها تعد واحداً من خطوط نقل الرائدة في انتقال الجراثيم المعدية وغيرها بين الأشخاص. وبالتالي, فهو يحكم على سرعة أنتشار الوبائيات بين أفراد مجتمعات التي تتبناها مقارنة مع المجتمعات الأخرى التي تستخدم الانحناء والناموس تي في الترحيب مثلاً.

الأمر الآخر الذي يحدد سرعة انتشار الجراثيم هو قوانين المجتمع بالنسبة إلى قضايا اجتماعية للذكور والإناث وعلاقتهما معاً. المجتمع العربي (كمجتمع إسلامي) يُقيد أختلاط الرجل مع المرأة في غالبية مناسبات اجتماعية: في الزف, في التعازي, في معظم المجالس, في المصافحة, وفي اقتراب بعضهما من الآخر بشكل عام. هذا تباعد الاجتماعي بالتأكيد يعد كابحاً لتبطيء تنقل الأمراض المعدية. بالمقارنة مع المجتمع الغربي الذي يكون فيه الأختلاط كثيفاً إن لم يكن مسموحاً في شتى الحالات, وهذا يعمل كحافز مُسرع لانتقال الفيروس بين فئات المجتمع البشري.

ويتطرق هذا البحث إلى معرفة مدى تأثير أعداد المناسبات الاجتماعية وفتراتها الزمنية على سرعة انتشار الفيروسات والبكتريا ما بين مجتمع الغربي والشرقي. هناك عدة أعياد يختص بها الغرب دون الشرق وكذلك العكس, وعدد هذه الأعداد ومدة التي تطولها تمثل واحة للأمراض المعدية لتقابل ضحايا جديدة. معظم الأمراض الانتقالية نرى انتشارها في المجتمعات وتتفاوت انتشارها ما بين مجتمع الغربي و العربي

لعلك تتسائل لماذا يختلف عدد الأصابات من دولة إلى دولة؟ هل بسبب اختلافات في أعداد السكان؟ أم بسبب ردة فعل السريعة للحكومات؟ أم بسبب تطور البلد ووجود مصادر متاحة لمعالجة المرضى؟ بالرغم من أن هذه العوامل تساعد على تقليل أو تصعيد من عدد المصابين بالأمراض المتنقلة, إلا أنها ليست المؤثر الأكبر في تحديد مصير المجتمع. بل العامل الاكبر هو المجتمع نفسه.

عادات وتقاليد الحضارية للدول المختلفة هي سبب الرئيسي في سرعة انتشار الأمراض. جميع مجتمعات البشرية لديها تجمعات معينة ومناسبات اجتماعية مع وجود قواعد تنظم تلك التقاربات وتشكلها.

تحدد قوانين المجتمع كيفية ملامسة الأشخاص بعضهم البعض لأسباب معينة عند أوقات معينة. المصافحة مثلاً, هي عادة اجتماعية يمارسها تقريباً جميع الناس في كل الدول, وكما نعلم هي واحدة من أدوات التي تستخدمها الفيروس للتنقل بين الأشخاص. لكن طريقة الملامسة تختلف من دولة إلى أخرى. إذ تكتفي دول الغربية في مصافحة اليد فقط, بينما توجد في المجتمعات العربية عادات ملامسة أضافية مثل العناق والتقبيل التي تزيد من فرصة انتقال الفيروس. قواعد الاجتماعية في الغرب لا تفرق في المصافحة بين الرجال والنساء, وهي الأخرى التي تزيد من توزع الفيروس بسرعة بين المجتمعات الغربية, بينما لا يجوز في آداب الشرقية ملامسة يد المرأة, مما يجعل الفيروس أقل أنتشاراً بين المجتمعات الشرقية.

فصل الرجال عن النساء في الدول العربية هي واحدة من القواعد الاجتماعية الأساسية في عدم أنتشار أمراض المتنقلة بين العرب بسرعة كما نراه في دول الغربية. يتجمع في الغرب رجال والنساء معاً في جميع الأماكن العامة من دون تفرقة, في المقاهي والحانات, في الحفلات والساحات, في الملاعب والسينما. وهذه المناسبات الاجتماعية هي شريان الفيروسات المتنقلة في دول الغربية. أما مجتمعات العربية, فصل مناسبات الاجتماعية بين الجنسين هو عامل مثبط للمرض. مع وجود العولمة وتبادل الأفكار نتوقع أختفاء هذه الاختلافات وبالتالي انتشار أمراض انتقالية بين المجتمعات بسرعة واحدة.