لفت صديق أمس انتباهي إلى”تقرير”منشور في أحد المواقع الإلكترونية التي لا تُفصح عن هويتها أو هوية أيّ من العاملين فيها والمسؤولين عنها، وهي كثيرة جداً ومعظمها مموّل من المال العام المنهوب أو القادم من خارج الحدود، لكنّ المعروف في الوسطين الإعلامي والسياسي أنّ هذا الموقع تقف وراءه جهة سياسية نافذة.
“التقرير”المنشور على أنه رسالة من”مواطن صحافي”(هذه حيلة مألوفة في مثل هذه المواقع) يتحدّث عن”خطر حقيقي على نتائج الانتخابات”المقبلة مصدره عضو في مجلس المفوضية العليا للانتخابات يوصف بأنه”متحزِّب”يعمل على”تجيير”نتائج الانتخابات لصالح”تيار سياسي بارز”، و”یستجیب لإغراءات وضغوط الدوائر الحزبیة والعائلیة والزبونیة المرتبطة بالتیار السیاسي”.
لن يُدهشني أنْ تكون هذه المعلومات صحيحة، ولن يُدهشني أيضاً أنْ تكون غير صحيحة، وفي كلّ الأحوال فإنني واثق من أنها مسيّسة مثل عمل المفوضية وسائر الهيئات”المستقلة”الذي كان على الدوام مسيّساً، وهو مسيّس في الأساس،لأن تشكيل هذه الهيئات ظلّ محكوماً بنظام المحاصصة الطائفية والقومية، والحزبية كذلك، بل إنّ معظم هذه الهيئات خضعت لهيمنة حزب بعينه.
المفوضيّة الحاليّة لم تفلت من شِرك المحاصصة، برغم أنّ الحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ منتصف 2015 كان بين شعاراتها الرئيسة الداعية إلى الإصلاح السياسي والإداري إعادة تشكيل المفوضية على نحو خاص بعيداً عن نظام المحاصصة، وتشريع قانون جديد للانتخابات يضمن نزاهة الانتخابات ويؤمّن انتخاب ممثلين حقيقيين للناخبين، بيدَ أنّ الكتل المتنفّذة في مجلس النواب تمسّكت بنظام المحاصصة فاختارت كل واحدة منها، بطريقة مُخاتلة، ممثلاً عنها في مجلس المفوضية. وبالطبع فإن هيئات المفوضية الأخرى وجهازها الإداري مُتخمة أيضاً بموظفين عيّنتهم القوى والأحزاب المتنفّذة على وفق ما يتمتّع به كل واحد منها من قوّة في العملية السياسية. ومن الطبيعي أن يعمل هؤلاء الموظفون لتأمين مصالح الأحزاب التي عيّنتهم، ففي هذا في الأقل تطمين لمصالحهم الشخصية.
لا يُمكن حلّ مشكلة تسييس عمل مفوضيّة الانتخابات وسائر الهيئات”المستقلّة”، ما لم يجرِ العدول عن نظام المحاصصة، وليس في الإمكان حلّ مشكلة التعيينات المُسيّسة في الدولة من دون إعادة مجلس الخدمة العامة الاتحادي إلى الخدمة، فقد سنّ مجلس النواب قانونه في العام 2009 لكنّه ظلّ كل هذا الوقت حبراً على ورق بإرادة القوى المتنفّذة في مجلس النواب الذي كان عليه استقبال أسماء المُرشحين لرئاسة المجلس وعضويته من الحكومة والمصادقة عليها كيما يجري الشروع بتشكيل المجلس.
السبب في عرقلة إعادة الحياة إلى مجلس الخدمة العامة مفهوم ومعروف، فالقوى المتنفّذة لا تريد لهيئة مهنية أن تتولى إدارة عملية التعيينات في أجهزة الدولة، بما فيها الهيئات”المستقلة”ووكالات الوزارات وإدارات المؤسسات الأخرى، على وفق قواعد الشفافية والمهنية والكفاءة والخبرة والنزاهة التي لا تحبّ هذه القوى السماع بها.. مجرّد السماع..!