18 ديسمبر، 2024 9:15 م

مفهوم مقاطعة الإنتخابات وأبعادها

مفهوم مقاطعة الإنتخابات وأبعادها

هذا هو أول مقال مشترك لكاتبين عراقيين معنيين بشؤون العراق ومسألة الانتخابات فيها، وهو يلقي الضوء على مضمون مقاطعة الانتخابات في العراق، وما هي أبعادها، ولماذا هذه المقاطعة، وأخيرا، ما تأثير هذه المقاطعة لاحقا.

تمهيد
المقاطعة حركة شعبية ظهرت في الأونة الأخيرة في العراق تدعو إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية فيها والتي ستجرى يوم 12 مايو/آيار الجاري لهذا العام، وتصاعدت وتيرتها مع قرب موعد الإنتخابات. وهذه الحركة تمثل اليوم أكثر من نصف الشعب العراقي بإعتراف الجهة المنظمة للإنتخابات في العراق، وهي المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، وتقدر نسبتها ب 53% من مجمع الناخبين. وهذه النسبة وتشكل بحد ذاتها رَدّ فعل صارخ تجاه تدهور الأوضاع في العراق، وعزوف نسبة كبيرة من الشعب عن منح التأييد والشرعية المطلوبة للسلطة والأحزاب القائمة بعد عام 2003.

ويتمسك كل طرف المشاركين والمقاطعين على حد سواء بحججهم لأثبات وجهة نظرهم إزاء الطرف الآخر. فالمشاركين يرون إن المقاطعة من شأنها أن تبقي الفاسدين في السلطة، وعدم إمكانية تغييرهم إلاّ من خلال صناديق الإقتراع، بعد أن إنعدمت إمكانية التغيير من خلال إنقلاب أو ثورة، نتيجة لحل الجيش العراقي العقائدي بموجب قرار الحاكم المدني الأمريكي عام 2003. ويرى المقاطعون إن الفاسدين لم يأتوا عبر صناديق الإقتراع وإنما جاءوا مع الاحتلال، وأنهم موجودون في السلطة منذ 15 سنة، وأن إمكانية تغييرهم عن طريق الإنتخاب شبه مستحيلة في ظل دستور ملغوم، وقانون إنتخابي غير عادل، ومفوضية انتخابات قائمة على المحاصصة الحزبية للأحزاب الكبيرة التي تتمتع بإمكانيات مالية هائلة نتيجة إستحواذها على الثروة في العراق والتي تقدّر بالمليارات، ولديها ميليشيات مسلحة تفرض هيمنتها على الشارع العراقي، كما إن لها إعلام مؤيد لها ويتبنى سياساتها ويدعو لإنتخاب مرشحيها مجددا، وعلى سبيل المثال فقد أنشأ نوري المالكي الذي يتزعم قائمة ائتلاف دولة القانون، 14 قناة فضائية للدعاية الانتخابية لحزبه فقط، واتفق مع إحدى المؤسسات الإعلامية لدعم قائمته مقابل 153 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى تأثيرات دول الجوار وفي مقدمتها إيران، في وضع مشابه للإنتخابات اللبنانية التي جرت هذا اليوم، وربما ستحمل نفس التداعيات لاحقاً، خاصة وأن فرص وصول التيار المدني بعد فترة إخفاق الأسلام السياسي في العراق ضئيلة جداً، وهي في رأي اكثر المتفائلين لن يحصد أكثر من 10-15 مقعدا بمن مجموع مقاعد البرلمان، وهي نسبة 4.5%.
وإزاء تناقض الحجج التي يسوقها الطرفين فقد ارتأينا إبداء الرأي فيها.

كيفية المقاطعة
تتمثل المقاطعة اليوم في عدم التوجه إلى صناديق الإقتراع لإنتخاب المرشحين لعضوية البرلمان العراقي في الثاني عشر من الشهر الجاري، وهم 7000 مرشح لشغل 329 مقعدٍ برلماني، بالنسبة للناخبين العراقيين في الداخل، ويومي 10 و11 من الشهر نفسه بالنسبة للعراقيين في الخارج والذين تقدَّر أعدادهم ب (6) مليون عراقي، رغم كل التسهيلات التي قدمت لهم ول (2) مليون عراقي نازح داخل العراق، في إمكانية المشاركة بالإنتخابات بمجرد إبراز أي وثيقة تعريف عراقية.
ويعاني المقاطعون من التفرق وعدم وجود قيادة قادرة على توحيدهم، إضافة إلى إفتقارهم لإمكانيات الفريق الأول المالية الضخمة والميليشيا المسلحة لفرض هيمنتها، وإلى الإعلام المساند لهم، إضافة إلى إنعدام وجود إية جهة دولية لتبني وجهة نظر هؤلاء المقاطعون ودعمهم.

ومع ذلك فقد إستطاعت إحدى المجموعات الشعبية من الإعلان عن نفسها تحت مسمى (مجموعة مقاطعون للإنتخابات في العراق) وقدمت وجهة نظرها الشاملة حول الأوضاع في العراق من خلال البيان الأول لها الصادر يوم 6/5/2018، والذي نشرته وسائل إعلام ومواقع الكترونية عديدة.

لماذا نقاطع؟
المقاطعة سلوك ديمقراطي لا يختلف عن المشاركة في الانتخابات، وطالما إن الانتخاب حق وهذا ما أقره الدستور العراقي فان المشاركة من عدمها قرار يتخذه المواطن المؤهل للانتخاب، السؤال: لماذا ندعو للمقاطعة في الانتخابات البرلمانية المقررة في 12- 5-2018؟ الجواب بسيط: المقاطعة مطلوبة لان القانون الانتخابي غير عادل ومصمم خصيصا لاستحواذ كتل الفساد الحاكمة على نتائج الانتخابات وإذا ما عرفنا إن هذه الكتل متحكمة بالسلطة والثروة والأعلام وترتبط بأجندات خارجية وتتلقى تمويلا خارجيا وأخر داخليا يتأتى بشكل أساس من الفسادين المالي والإداري المستشري بسبب هذه الكتل، ومن خلال كل ما سبق لن تكون المشاركة مجدية بل إنها فقط وفقط أقول ستوفر غطاءا لكتل الفساد الحاكمة دون أي أمل حقيقي بالتغيير.

نتائج المقاطعة
قبل الإجابة على ذلك بودي تناول أشكال يطرحه مناصري الانتخاب وهو: إن عدم المشاركة سيترك المجال لكتل الفساد ومناصريها للانتخاب وبالتالي سيصل حتما هؤلاء الفاسدين مرة ثانية وسينتهي أي أمل للإصلاح، وجواب ذلك لا يحتاج إلا إلى مراجعة بسيطة لنتائج الانتخابات السابقة حيث ارتفعت ونزلت أصوات كتل الفساد خلال الدورات السابقة فمثلا كانت كتلة عمار الحكيم في انتخابات عام 2010، 17 مقعدا بعد أن كانت 40 مقعداً في انتخابات 2006 لتصبح لاحقا 34 في انتخابات 2014، كما إن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي فاز بصعوبة خلال الدورة الانتخابية السابقة عام 2014 ولولا الأصوات التي حصل عليها سلفه نوري المالكي لما فاز إذ لم يتجاوز عتبة أل 6000 الأف صوت في حين انه الأن زعيم قائمة منافسة على المراكز الأولى، فأين ثبات جمهور الكتل الفاسدة مع كل هذا الصعود والنزول؟ الأن، ماذا سيترتب على المقاطعة من نتائج؟ اهم النتائج إن العراقيين الرافضين لكتل الفساد سيقولون وبصوت مرتفع نحن لسنا جزءا من مسرحية إعادة تدوير الفاسدين والفاشلين وسيعبّرون عن ذلك بوضوح من خلال مقاطعة هذه الدورة الانتخابية، كما إن كتل الفساد لن تتردد في التزوير لكنها بحاجة لنسبة مشاركة معقولة لتمارس التزوير وتقليل نسبة المشاركة يجعل ذلك أمراً صعباً جداً، ومن النتائج أيضا إن العراقيين سيبعثون برسالة مهمة للمرجعية الدينية في أن قانون الانتخابات غير عادل ونحن نرفضه ونحتاج إلى وقفة المرجعية لتعديله وان الجماهير مستعدة لقبول المرجعية كقائد حقيقي للإصلاح للوصول بالعراق والعراقيين إلى بر الأمان.

– ما هو مصير المقاطعة لما بعد الانتخابات
سبق القول إلى أن المقاطعة هو موقف سياسي ضد الوضع السياسي في بلد ما، وهو بهذا الوصف لن يستمر إذا ما تحقق لدعاة المقاطعة ما كانوا يصبون اليه من تحسن الأوضاع ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة، وضمان حقوق الإنسان. أو كما يرى المقاطعون، انهم يسعون لإقامة انتخابات حرة ونزيهة تستند إلى قانون إنتخابي صحيح ومفوضية انتخابات مستقلة، ونظام إنتخابي سليم ورصين. والعمل بعد الانتخابات بإجراء إزالة هذه التركة الثقيلة من الخراب والدمار والديون والفساد وتهاوي قواعد المجتمع العراقي.
وفي أسوأ الأحوال فإن هذا الموقف قد يتطور ويتخذ أشكالاً أخرى وتحت أسماء وأوصاف مختلفة للإستمرار بنفس الموقف، لا سيّما وأنهم لم يضفوا الشرعية على السلطة التي صعدت من خلال الانتخابات. فالمقاطعة ليست غاية بحد ذاتها، وإنما هي وسيلة من بين عدة وسائل للتنبيه إلى سوء الأوضاع وتدهورها في العراق في كافة المجالات، كما أشار بيان مجموعة مقاطعون الأول، المشار اليه في أعلاه، بما يوحي بإستمرار الموقف وتطوره إذا بقيت ظروف نشوئه قائمة.

وختاما، فأن إجراء الانتخابات والفوز فيها، لا يعني ضمان بقاءها طيلة الدورة الانتخابية التي أمدها أربع سنوات في العراق، في ظل أوضاع دولية مضطربة في العراق والشرق الأوسط عموما، فالعديد من برلمانات دول المنطقة لم تكمل دورتها، وتاريخ العراق الملكي خير شاهد على ذلك.