23 ديسمبر، 2024 5:20 ص

مفهوم المحكم والمتشابه في القرآن؟

مفهوم المحكم والمتشابه في القرآن؟

كثر اللغط وتعدد التفسيرات لمعنى المحكم والمتشابه، عِلماً إن الله لم يذكر آية واحدة تحدد أو تميز الآيات المحكمات من المتشابهات.

كل آية لها ظاهر وباطن، بعضها صريح وبعضها غامض، فمنه من يقتصر على دلالة واحدة ومنه تتعدد دلالاته بتعدد أوجه النظر، أو قد لاتجد له أي دلالة، فيتم إسعافه بتأويلات العنعنة.

ولعلم الله بوقع جرس بعض الألفاظ في سياقات اللغة العربية في النفوس، بما تتسع لحمل تغاير وتضاد لصور المعنى المراد منه – سواء فيما يوحيه ظاهرها أو باطنها – ولذلك أشار الله لها، وحذر من إستغلال ذلك، من قبل الذين في قلوبهم مرض.

فحقيقة مراد الله من بيانه وذكره لأمر الآيات الأخر المتشابهات، لم يكن تقسيم أوفهرسة لكتابه، أو ليميزها عن آياته المحكمات (هُنّ أم الكتاب).

فهنّ أم الكتاب، تعني: مجمل الآيات عند الله ودون إستثناء بشهادة قوله:

( الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ)هود- ١١.

وعندما قال الله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ . آل عمران ٧.

الله يرفض تقسيم آياته الى محكم ومتشابه، ولايناقض نفسه!

كيف؟

نجيب:

يصرح الله في آية.. ١١.. هود بأحكام كل آياته…ثم قال سورة عمران آية..٧..وأخر متشابهات فهل هذا تناقض؟

قول الله في آية ١١.. هود…صريح في جعل كل آيات كتابه محكمة، كصراحة جعل كل قرآنه بلغة عربية كما في قوله ( إنا أنزلناه قرآناً عربيا)

وبالمثال يستقيم المقال:

ومثالنا أدناه هو؛ من باب الفرض لتقريب الفهم :

لو قال الله (منه كلمات عربية هن أم الكتاب ومنه كلمات فارسية متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون الكلمات الفارسية،….الخ ) ليبينوا نقيض ما قاله الله في آية ( أنا انزلناه قرآناً عربيا)!!.

فسوء الفهم أوالقول بوجود كلمات فارسية لأن لبعض الكلمات العربية، لها جذور فارسية، هو قول صحيح في ظاهره ، لكن القاريء أو المفسر ربما غاب عنه إنها عُربت! فأصبحت تلحن باللسان العربي، أي قُرئت وصُرّفت حروف كلماتها عربياً، فباتت عربية!

فهل صدق الله بقوله إنا أنزلنا قرآناً عربيا أم لا؟

هل يجوز أن نقول أنزل القرأن بلغتان ونقسم لغته الى عربية وفارسية؟
الصحيح هو: يتضمن كلمات فارسية معربة، ولذلك إنتخب لسان في قوله لساناً عربياً.

هل يجوز مثل هذا التفكير والإشتباه لنقد او تقسيم القرأن؟ او ليس هذا قصور كبير في الفهم؟

لسوء فهم قوله تعالى أعلاه، فهم البعض أن هناك آيات محكمات ودونها متشابهات، فذهبوا يختلفون عليها بكيفية إختلافها وبماذا إختلفت، وما المقصود بالمتشابه؟ فتعددت الآراء في وصف المحكم والمتشابه، حتى بات كلٍ يغني على ليلاه.

أذن كيف قرأناها نحن؟

نقرأها كالتالي. وكأني بالله يقول: بأن كل آياتي محكمات وبعض منها يقع في محل الإشتباه – من حيث وقعها في عيون البعض – لامن حيث هي في الأصل لأن كلها محكمات، كما قلت لكم، والمحكمات مرجع المتشابهات في عيون الذين زاغت قلوبهم!. ولذلك ذكرت لكم أن هنالك آيات محكمات ومتشابهات، في عيونكم والحق كلها محكمات، وماتشابه عليكم مرجعكم المحكمات اللاتي هُنّ أم الكتاب، والنتيجة كل آية محكمة وكل آية هي ربما في محل أمُ لغيرها؛ أي مرجع ما لآية ما.

فما وقع من آياته في محل الإشتباه عن بعض خلقه ذكرها تعالى بقوله من حيث بيان حصوله لامن حيث جعله لها!

وقد يسأل القاريء عن كيف يحدد آيات أم الكتاب!

الجواب بالمثال:

الآيتان (١١) و (٧) وكأني ب (١١) محكمة والآخرى(٧) متشابهة في عيون البعض، لذا يمكن أن تكون الأولى هود( ١١) مرجعاً أي ( أُماً) للآية (٧) من آل عمران.

وآيات كثيرة، لكن المشكلة في الإختلاف أيضاً حولها، حتى يخال لك أن كل آيات القرأن تقريباً سقطت في شرك المتشابه.

لكن نسأل:

هل المتشابه بمعنى غير واضح المعنى ويحتمل التأويل على خلاف المحكم؟ أم هو تشابه يفضي الى تاويلان أحدهما يحلل والآخر يحرم؟ أم أنه تشابه متعلق مسألة الناسخ والمنسوخ الذي يعتقد بوجوده الكثير من العلماء؟

كل هذه الأسئلة لا إجابة محددة لها ففيها قال وقيل وعنعنة طويلة عريضة.

بل أن معنى المتشابهات والمقصد منها ، مختلف عليه، وعدم تحديدها لايحق لأحد تشخيص وفرز الآيات المتشابهة!

ولذلك لانستغرب الإختلاف على هذه الآية أو تلك، هل هي من المتشابهات أم لا بين العلماء، ومنه ما قد يؤدي لإختلاف نتائج التأويل، وآثاره في التحليل والتحريم .

الأمثلة كثيرة لكن نكتفي بمثال بياني لكيفية ولادة الآيات المتشابهة في عيون البعض.

الآية أدناه:

وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٧]

بالرغم من صراحة منقطعة النظير في الأمر والتوجيه، فالمباشرة لاتعنِ بجرص لفظها وسياق الكلام إلا صرورة واحدة للمعنى وه: ( الجماع) وللتحقق من منعه حاولوا في التفصيل في صورة ومعنى الإعتكاف وكيفيته، وهل هو مستمر أم ينقطع لو خرج المعتكف خارج المسجد، وعليه يترتب حق المباشرة من عدمها!

من هذا النمط من التفكير يتنفس تأويل فتقع الآية في ساحة التجاذبات الفقهية.

ثم إختلفوا في تباشروهن، هل هو الجماع أم لا بالرغم من وضوحها؟ وغيرها.
وسيختلفون بكل آية حتى وإن كانت محكمة كما في الآية أدناه.

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ( البقرة:١٨٧).

فالله لَمْ يُنْزَلْ…

﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ ..وهي تتمة لاحقة للآية…ولكن لماذا أنزلها لتلحق بها؟

المراد من ذكري لهذه الآية هنا وبالتحديد هو مفهوم الخيط الأبيض من الأسود وسبب نزول من الفجر وقصة البيان للمعنى من عدمه. وهو الذي ذكره الآلوسي في ج٢ من كتابه روح المعاني، ص ١٠٠- ١٠١. في تفسير الآية ١٨٧ من سورة (البقرة : ١٨٧). يقول:

(فَكانَ رِجالٌ إذا أرادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أحَدُهم في رِجْلَيْهِ الخَيْطَ الأبْيَضَ والخَيْطَ الأسْوَدَ، فَلا يَزالُ يَأْكُلُ ويَشْرَبُ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُما، فَأنْزَلَ اللَّهُ – تَعالى – بَعْدُ: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾، فَعَلِمُوا إنَّما يَعْنِي اللَّيْلَ والنَّهارَ، فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلى أنَّ الآيَةَ قَبْلُ مُحْتاجَةٌ إلى البَيانِ بِحَيْثُ لا يُفْهَمُ مِنها المَقْصُودُ إلّا بِهِ….

إلّا أنَّهُ صَرَّحَ بِالبَيانِ لِما التَبَسَ عَلى بَعْضِهِمْ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ أنَّهُ – صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ –

وصَفَ مَن لَمْ يَفْهَمِ المَقْصُودَ مِنَ الآيَةِ قَبْلَ التَّصْرِيحِ بِالبَلادَةِ.

ولَوْ كانَ الأمْرُ مَوْقُوفًا عَلى البَيانِ لاسْتَوى فِيهِ الذَّكِيُّ والبَلِيدُ، فَقَدْ أخْرَجَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وأحْمَدُ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وجَماعَةٌ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ – رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ – قالَ:

لَمّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا﴾ إلَخْ عَمَدْتُ إلى عِقالَيْنِ أحَدُهُما أسْوَدُ والآخَرُ أبْيَضُ، فَجَعَلْتُهُما تَحْتَ وِسادَتِي، فَجَعَلْتُ أنْظُرُ إلَيْهِما، فَلا يَتَبَيَّنُ لِيَ الأبْيَضُ مِنَ الأسْوَدِ، فَلَمّا أصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ – صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ – فَأخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَقالَ: ”إنَّ وِسادَكَ إذًا لَعَرِيضٌ، إنَّما ذاكَ بَياضُ النَّهارِ مِن سَوادِ اللَّيْلِ“ وفي رِوايَةٍ: ”إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفا“،» أنتهى الإقتباس.

ختماً:

لماذا كل هذه الإشكالية والكل سبر غور اللغة العربية وأسباب النزول ؟

السبب بسيط وهو كما اعتقد : سوء فهم مقصد ومبغى إشارة الله في قوله :(آيات أُخر متشابهة) مما سبب إنزياح في التركيز لغةً على ( منه و أُخر) الواردة في ( آل عمران ٧)، والتي جاءت للبيان أولاً، ثم للتذكير والتحذير ممن زاغ قلبه مقارنة بالذي لايزيغ قلبه، والذي لايجدها متشابهة لو قرأها أو سمعها، وإنطلاقاً من سوء فهم الآية أعلاه، فهموا أن هناك آيات من الكتاب محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، وغفلوا عن السياق والأسلوبية وقوله في آية( ١١ من هود). فالقرآن يفسر بعضه وأم نفسه.

أما إنتخاب لفظ زيغ؛ لأن جرس لفظه في النفس سلبي، يأتي بمعنى التقصد في العدول عن المعنى الحق المراد منه في الآية!
والزيغ لايكون بمعنى سوء الفهم، ولذلك لم ينتخب الله هذا التعبير بالرغم من إمكان وقوعه، بل أراد الذين في قلوبهم مرض، فيتبعون ما يحل فيه المعنى المغاير ولو بالشيء اليسير، ليجعلوا منه المعنى الصحيح الحق وهو الباطل بعينه.

أن ممهمة تبليغ المعنى وبيانه تقع على عاتق القائل، لعلمه أنه صاغ قوله بلغة تحتمل تعابيرها وجوه عديدة، فمنها ما قد يقع بين دفتي الحقيقة والمجاز ويصعب التمييز بينهما، كما للمتلقين أحوال المتلقين بما فيهم من الغرابة ونشازالتفكير.