تعد مفاهيم القراء العامة من أهم الأنشطة التي يجب على الإنسان ان يهتم بها، فالقراءة مفيدة على كافة الأصعدة والمجالات وهي حالة تثري الثقافة، وتساعد على فهم المعلومات بشل عميق ودقيق من تحليلات وتفسيرات للظواهر والحالات العامة كما أنها تنشر ثقافة الوعي المجتمعي من حيث تطور الأفكار والأيديولوجيات والثقافات والديانات والحركات المختلفة التي تدفع الإنسان إلى اعتناقها والإيمان بمبادئها والقراءة في ديننا الإسلامي لها شأن عظيم جداً، وأهمية قصوى وبالغة، فيمكن من خلالها تعلم القرآن الكريم وشتى علومه، إذ إن القرآن الكريم كتاب مفاتيحه الأساسية هي اللغة العربية، والقراءة، والعقول المنفتحة غير المتعصبة، فمتى امتلك الإنسان هذه الأدوات فتح الله تعالى عليه من عنده خفايا وأسرار هذا الكتاب المعجز، وعلمه ما لم يكن يعلم. القراءة أساسية في الإسلام للانفتاح على الثقافات والأديان الأخرى، سواء كانت سماوية أم لم تكن، ذلك أن الإسلام دين عالمي يبحث عن نقاط الالتقاء والارتقاء بثقافة الانسان المسلم لنشر تعاليم دينه ورسالة الإسلام والإنسانية على بقاع الارض فالانسان العربي المسلم هو بحد ذاته رسالة اسلامية بالتكليف الشرعي لنشر رسالة الإسلام من خلال كافة الوسائل الثقافية والعلمية والإعلامية وهذه طبعا لا يمكن امتلاك وسائل العلم والمعرفة لإيصالها للعالم الخارجي الا عن طريق القراءة والتعلم والاجتهاد الفكري والمعرفي لايصال اهداف الرسالة السماوية بكل حقائقها المعرفية والعلمية والفلسفية والإنسانية في الدين والسياسة والاجتماع وعلم الكون والعلوم الأخرى . ولأجل هذه الغايات والاهداف السامية للرسالة السماوية الاسلامية خص الله سبحانه وتعالى الإنسان المسلم العربي بكتابه العربي المنزل كما جاء بقوله تعالى :{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} ، وذلك لأنه لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، و ابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان فأتمه من كل الوجوه؛ وجاء في بيان اخر في عدة آيات شريفات:
{ إنَّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ} {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } {َكَذَلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْمًا عَربِيًّا} { وَكَذَلِكَ أنْزلْناهُ قُرآنًا عَربِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونُ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} {َإنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ العَالَمِينَ {} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ{} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} { وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هَذا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ } { حَم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلتْ آيَاتُهُ قُرْآنًاعَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } {وَكَذلِك أوْحيْنا إلَيْكَ قُرْآنا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لارَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } {حَم والْكِتابِ المُبينِ إنَّا جعلْناهُ قُرْآنًا عَربِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ} {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ } في كل هذه الآيات دلالة بينة على أن عربية القرآن الكريم إنما هي عربية منهج و دلالات ومقاصد كثيرة بينها القران الكريم على منهجية الرسالة القائمة في دلالات اياته الكريمة على تكريم الانسان العربي المسلم ان يحمل رسالة دستور العالم ويبلغها للناس جميعا وان يفهم الإنسان العربي المسلم وان يتعقل ويتهذب ويتعلم .وقد بين هذا التكريم الإلهي على حمل رسالة السماء ونشر العدل والثقافة والعلم والمعرفة وحقائق الكون والخلق الى القضايا الاجتماعية والعقائدية والإنسانية وكل ما يلزم الإنسان في حياته ،ولذا كثر في هذه الآيات قوله: “لعلكم تعقلون ، لعلهم يتقون ، لعلهم يتذكرون” وهذا كله إنما يكون من منهاج معانيه ومقاصده ومغازيه ،ولذا قال الحق عز وعلا :
في كتابه الكريم: { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}وفي هذا السياق يجدر القول أنّ مقارنة الأديان إن لم تكن مدفوعة بدافع شكر الله على نعمة الاختلاف بين الناس والبحث عن نقاط الالتقاء والتعايش المشترك بين أبناء آدم، فانه لن يكون هناك نفع منها، بل على العكس، فقد يزيد هذا العلم الأوضاع سوءاً وتأزماً، خاصة في ظل إقبال العديدين على بناء أفكارهم بهدمهم للأفكار الأخرى بهذا المعول ولهذا فان القراءة في الإسلام والتعلم تعد امورا هامة كونها تمد جسوراً من التواصل بين أفراد العالم الإسلامي على امتداد التاريخ كله لنشر ثقافة الدين الاسلامي فالعلم متراكم بطبعه، لهذا فإن المتأخرين بحاجة إلى معرفة وقراءة أقوال المتقدمين والتعديل
عليهم وفق منظورهم، وواقعهم، ومحدداتهم سواء الزمانية، أم المكانية. وان المفهوم الفكري في البحث في مفاهيم القرآن الكريم وبالتحديد مفهوم القراءة يتطلب جهدا فكريا وعلميا دقيقا فالوحي مجموعة مفاهيم إذا ضبطت ضبط الدين، وبناء المفاهيم ضرورة حضارية وتاريخية فالمفاهيم القرآنية ليست ألفاظا كباقي الألفاظ البشرية، إنها مستودعات كبرى للمعاني والدلالات وقد تتكثف في مفهوم واحد ثقافة كاملة أو حضارة كاملة أو تاريخ بأجمعه. وان اول ما نزل من الوحي هو الأمر بالقراءة مبينا بكيفية القراءة {اقرأ باسم ربك .اقرأ وربك الاَكرم } ومجالات القراءة الذي خلق. خلق الاِنسان…/الذي علم بالقلم.. وأوحى للانسان بعد ان علمه البيان واكرمه فصاحة اللسان ومنحه نعمة العقل لكي يفكر ويتدبر امور الحياة
لكن تبقى خصائص هذه القراءة البشرية النسبية، وذلك أن قدرات وطاقات الإنسان محدودة مهما بلغت، وكل ما ينتجه من علم ومعرفة هو محدود كذلك بالنسبة لعلم الله عز وجل المطلق {وفوق كل ذي علم عليم} ليبقى الإنسان ينشد الكمال ويبحث عن الحقيقة. “وليس كما يزعم دعاة الحضارة الغربية الذين يقوم فكرهم على أساس طغيان معرفة الإنسان، وهو ما عرف بالفاوستيه، وتعني عبقرية الإنسان وقدرته على اكتشاف المجهول مهما بلغ هذا المجهول من خفاء، ولكون الإنسان قد أدهش بإنجازاته الضئيلة، فإنه غير قادر على تفهم معنى العناية الإلهية به، رغم أنه لا يزال في حضيض المعرفة فيما لو علم أن ما تم اكتشافه حتى اليوم، ليس شيئا بإزاء غوامض وأسرار عالم الشهادة. فكيف بعالم الغيب؟
وعلى بينات وشواهد القران الكريم يتبين لنا ان من اهم القواعد الإلهية التي ثبتها الله سبحانه وتعالى هي قاعدة القراءة لانها الركيزة الأساسية للعلم والمعرفة والتفسير والتبيين فمن دون القراءة يكون كل شيئا مجهولا مبهما بلا تفسير او تأويل ويبقى الإنسان عاجزا عن التقدم والتواصل والمعرفة والتطور
ومن هذا الأمر تشكلت العقيدة الاسلامية وتطورت وتشكل الفكر وتطورومن ثم المجتمع ثم الأمة وبعدها تاسست الحضارة الإسلامية العريقة بكل علومها ومعارفها في شتى المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية في كل صفات الاستمرار والتجدد والعبقرية ومن ايجابيات القراءة في هذا المجال تكمن في اعماق الإنسان وحدود ادراكه النسبي وقدرته على اكتشاف المجهول والاسرار وقراءة كل ما يحيط به من ظواهر ومن دلالات الوعي الثقافي أن ترى بعقلك وتبصر الحقائق بالتنور المعرفي وتشكك في جميع الأفكار التي آمنت بها سابقآ أو حديثآ فمن رحم الشك تولد الحقيقة وكذلك كثرة الأطلاع على أمهات الكتب وإزدياد ساعات القراءة وأن تجد ذاتك بين المثقفين ذوو البصيرة الثاقبة والرؤية الشاملة وعدم الاحجام أو الصدود عما يخالفك في الرأي أو الفكر والمنهج بل يجب الوقوف كثيرآ والتمعن فيما يقوله مخالفيك لتقف على حقيقة ما يذهبون إليه وكيف تصوغ الرد المناسب الذي يدحض أفكارهم التي جاءت بطريقة منمقة ومحبوكة يتيه فيها من لم يجعل المنطق السليم زاده والعقل المتفتح رصيدآ لصد ما يعترضه من فكر يهاجم سلسلة أفكاره… .فالثقافة والوعي المعرفي في مجالات الحياة لا تتمثل بـربطة العنق والبزة الفاخرة ولا تكون بالشهادة الجامعية المفتقرة للتنوع الفكري خارج أطار التخصص الأكاديمي بل تكون بالشمولية وسعة المعارف التي تناولها الباحث طيلة فترة البحث فضلآ عن مسيرته العلمية على مدارها العام وبذلك يكون قد احرز مفهوم الثقافة واصبح مصداقآ حقيقيآ للمثقف الواعي الذي يخدم المجتمع ورسالة الإنسان العربي المثقف المسلم .