23 ديسمبر، 2024 7:43 م

مفهوم العنف ” Violence” مرجعياته وأشكاله

مفهوم العنف ” Violence” مرجعياته وأشكاله

لغة: العُنْفُ بالضم ضد الرفق (مختار الصحاح).
اصطلاحا:
– العنف هو عدم الرفق، والرفق هو حسن الانقياد لما يؤدي إلى الجميل. فالعنف هو سوء الانقياد الذي يؤدي إلى القبيح.
-أنه صورة من الشدة التي تجانب الرفق واللطف، وهو طريق قد يدفع صاحبه إلى الأعمال الإجرامية الكبيرة كالقتل وغيره.
-العنف نمط من أنماط السلوك الإنساني يتسم بإلحاق الضرر المادي أو المعنوي من جانب طرف ما على طرف أخر (التير، 1997م)
-هو الاستخدام الفعلي للقوة لإحداث الضرر والأذى بالأشخاص وتدمير الممتلكات العامة أو الخاصة (جيمس، 1977م).
مما تقدم يمكننا تعريف العنف بأنه (سلوك عمدي موجه نحو هدف، سواء لفظي أو غير لفظي ويتضمن مواجهة الآخرين مادياً أو معنوياً ومصحوباً بتعبيرات تهديدية، وله أساس غريزي). ويقسم العنف الى شكلين وهما:

1-العنف الجسدي (إيف ميشو): وأمثلته المجاعة والإعدام، الحرب العالمية الأولى والثانية التي انتهت الثانية بالكارثة النووية (هيروشيما)، والعديد من الإبادات الجماعية وأشكال من العنصرية والاضطهاد، ومن الحروب الاستعمارية وحروب المقاومة والتحرير، والأنظمة العسكرية، ومعسكرات الاعتقال والإجرام.
2-العنف الرمزي (بيير بورديو): يقصد به كل أشكال العنف غير الفيزيائي، وهي فاعلة ومؤثرة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي كل أشكال السلوك الإنساني. إنه العنف الناعم الذي يجعل ضحاياه يتقبلونه بل ينخرطون في الخضوع لإكراهاته دون مقاومة، فالإنسان في إطار الحياة الاجتماعية يتقبل عددا من القيم والمعتقدات كبديهيات ومسلمات تفرض نفسه بسهولة وتلقائية، عبر اللغة والكلام وكل أشكال التواصل، أو التربية والعنف الدهني، وكل أشكال الإقناع الصامتة والسرية التي تتم بفعل النظام العادي للأشياء.

إن مظاهر العنف (المشرعن) تاريخيا عدة: منها عنف أساسه السلطة التقليدية ويمارسه الشيخ أو الإقطاعي، وعنف يقوم على السلطة (الكاريزما) التي يمارسها شخص يتوفر على خصائص مميزة تجعل منه بطلا وزعيما، وعنف يرتكز على السلطة الشرعية المبنية على أساس امتثال للقوانين، وتمارسها الدولة بطريقة عقلانية.
وللعنف في العصر الحديث عوامل محركة منها:
– التقدم التكنولوجي المعاصر في تطوير وسائل التسلح والتخريب والقتل والإبادة الجماعية حيث ساهمت التكنولوجيا المعاصرة في انتشار العنف واستعمال الوسائل الأكثر فتكا.
– الإعلام والميديا: لقد أسهم الإعلام في التحريض والترويج للعنف حيث يستخدم الإعلام بشكل منظم، مقنن ودقيق الإرهاب العالمي والتعذيب والإعدامات وأشكال التخريب بشكل أصبح فيه العنف قابلا للحساب والتحكم، ووسيلة لتحقيق المردودية وفرض السيطرة والقمع والتهديد به.

مرجعيات العنف في نظر الفلاسفة والمفكرين

1-أطروحة ماركس (العنف في التاريخ)
يرى ماركس أن تاريخ المجتمعات، هو تاريخ صراع بين الطبقات، الصراع بين من يملك وسائل الإنتاج والخبرات وبين من لا يملك، وقد أخذ الصراع أشكالا مختلفة بين طبقات الأحرار والعبيد (في المجتمعات العبودية) بين الإقطاعيين والأقنان في ظل النظام الإقطاعي، وفي المجتمع البورجوازي الحديث الذي قام على أنقاض المجتمع الإقطاعي الذي عرف بدوره صراعا بين البورجوازية والبروليتاريا.

2-أطروحة هوبز (الطبيعة الإنسانية)
يعتبر أن مصادر العنف توجد في الطبيعة الإنسانية وهي ثلاثة: التنافس والحذر والكبرياء غير أن (هوبز) يؤكد أن ما نسميه حالة السلم والهدوء ما هو إلا استعداد لحرب جديدة.

3-أطروحة ماكس فيبر (العنف والمشروعية)
يعتبر ماكس فيبر أن أساس سلطة الدولة هو ممارسة العنف بصورة مشرعنة، لأن الدولة وحدها لها الحق والمشروعية في استعمال العنف المادي من أجل السيطرة على الأفراد، أو بتعبير (تروتسكي):” إن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف”.
4-أطروحة غاندي: (منظور إنساني أخلاقي)
يرى أن السمة الأساسية للعنف سواء في الفكر أو الكلام أو الفعل وجود نية عنيفة تضمر حقدا ورغبة في إلحاق الأذى بالآخر (الخصم أو العدو). لذلك (اللاعنف) الذي يدعو إليه غاندي، فهو نضال ضد الشر، وضد الحقد وكل المظاهر السلبية للعلاقة بين الأفراد والجماعات والشعوب.

المنظور الفكري للعنف

الاتجاه الأول: المنظور قانونياً:
– ” الاستعمال غير القانوني لوسائل القسر المادي والبدني ابتغاء تحقيق غايات شخصية أو جماعية ” (رضا، 1986م)
-استخدام الضغط أو القوة استخداماً غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما (بدوي، 1986م)
الاتجاه الثاني: المنظور الاجتماعي:
– ” هو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية، يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة. بهدف استغلال أو إخضاع طرف آخر في أطار علاقة قوة غير متكافئة، مما يتسبب في أحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى ” (منصور، 2000م)
-” أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج من وجود علاقات غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين الأفراد وما يترتب على ذلك من تحديد للأدوار ومكانة كل فرد وفقاً لما يمليه النظام الاجتماعي والاقتصادي السائد في المجتمع ” (البصري، 2001م).
فالعنف من المنظور الاجتماعي يعني: خلاً وظيفياً في توازن العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ينتج من اعتبارات ثقافية واجتماعية سائدة في المجتمع فيؤدي إلى عدوان فرد على آخر.
الاتجاه الثالث: من وجهة نظر علماء النفس:
– العنف نمط من أنماط السلوك ينبع عن حالة من الإحباط نتيجة لصراعات نفسية لا شعورية تنتاب الفرد وتعوقه عن تحقيق أهدافه، ولذلك هو يلجأ إلى العنف للتنفيس عن قوى الإحباط الكامنة (السمري، 2001م)
-الإنسان كائن عنيف وعدواني بطبعه، على اعتبار أنه يتوفر على أهواء وغرائز فطرية تحتم عليه القيام بسلوكيات ذات نزعة تدميرية قصد إشباع تلك الغرائز، ورغم أن الإنسان عقل فإنه لا يقوى على كبح جماع تلك النزعة التدميرية، الأمر الذي يستوجب استخدام كل الوسائل للتخفيف أو الحد من خطورة التهديد الذي يتوعد المجتمع والحضارة الإنسانية (فرويد).