18 ديسمبر، 2024 8:38 م

مفهوم الإمام في النّظريّة السياسية: 2-3 عند إبن رجب والقلقشندي

مفهوم الإمام في النّظريّة السياسية: 2-3 عند إبن رجب والقلقشندي

اوردنا في الجزء الأول رؤية العَلّامة شهاب الدين القرافيّ، وألعَلّامة زين الدين المكنى بإبن نُجَيم لمفهوم الأمام، (اُنظر التعريفين أدناه)(1). وبيَّنّا ما في تعريفيهما من خَلل أو دقّة في التعبير. أو مدى القرب والبُعد، عن مفهوم مسمى الإمام. ونضيف في تحليلنا هنا، تعريفين آخرين لعلّامتين لهما ثقلهما التاريخي في التراث الإسلامي ، وهما العَلّامة إبن رجب الحنبلي، والعَلّامة القلقشندي الشافعي.
ثالثًا- ابن رجب:
وهو ألإمام الحافظ المحدّث الفقيه البغدادي الدمشقي الحنبلي الحُجَّة في العلم (ت795هـ).
في معرض طرحه لسؤال عن تَصرّف الإمام: هل هو بطريق الوكالة للناس، او بطريق الولاية؟. ذكر ابن رجب ان الإمام هو: (المتصرف تصرفًا عامًا على الناس كلهم من غيرِ ولاية أحد مُعَيَّن)(2) ويبدو أنه متوافق مع التعريفين السابقين في مسالة النبوة، غير أنه زاد في بيان إحترازه بقيد العموم عن اُمراء البلدان، عبارة لا مبرر لها، فقال: (من غير ولاية أحد معيَّن)… ونرى أنّها مما لا حاجه اليها، فقَيد العموم في صدر التعريف، يُفضي الى إيضاح ولايته على الناس جميعا، وذلك يقتضي عدم إختصاصه بجزء مُعَيّن منهم.
رابعًا- القلقشندي:
وهو المؤرخ الأديب اللغوي الفقيه المصري الشافعي صاحب كتاب صبح الاعشى في صناعة الإنشا (ت821هـ).
يعتمد القلقشندي على ما تعارف عليه الناس وشاع بينهم منذ صدر الاسلام من استخدام لفظ الخليفة واطلاقها على كل من ولي أمر الدولة مُعَمِّمًا ذلك بقوله: (إطلاق إسم الخليفة على كل من قام بأمر المسلمين القيام العام)(3)، والتعريف في اطاره الخارجي يعبّر عن معنى صحيح من تعارف الناس على هذه التسميه، وشيوعها بينهم. على إنّ هذا لا يصح إطلاقًا، فبعض من قام بأمر المسلمين، أخَلَّ بشروط ومؤهلات الإمامة، مما يُوجب إقصائه عنها. ومنهم من نَكّل بالمسلمين واذلهم، بدلاً من أن يقوم بأمرهم، ويحرص على رعايتهم. ثمَّ ان هنالك إشكالية اُخرى، تتمثل في أنّ العموم ينسحب على من يتولى أمر المسلمين، ممن قد يَنظُر اليه المجتمع على أنه من الكفار والمشركين، كما هو حاصل في زماننا هذا. حيث ان التعريف يمنحه صفة الشرعية خلافًا لما اجمع عليه علماء الامّة السلف من عدم جواز إمامة الكافر او المشرك.

المصادر والمراجع:
(1) تعريف القَرافيّ للإمام: (هو الذي فُوّضَت اليه السياسة العامّة في الخَلائق).
تعريف ابن نُجَيم بأنه: (الإمام الذي ليس فوقه إمام).
(2) القواعد الفقهية: لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد أبي الفرج الشهير بإبن رجب /القاعدة رقم 61 من القواعد/ 1/ 113. مطبعة الصدق الخيرية/ مصر /ط1/ 1352هـ – 1932م.
(3) مآثر الأنافة في معالم الخلافة لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن علي القلقشندي 1/ 13. تحقيق عبد الستار فرّاج/ سلسلة رقم 11 صادرة عن وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت/ 1964م.