نواصل التطواف حول المفردات الأساسية في نشأة النظريّة السياسية في الفكر الإسلامي. ولعل مفردة “الإمام” من العناصر التي لا يمكن إغفالها. ويلاحظ في هذا الصدد أنّ أغلب الفقهاء والمتكلمين يُهمِلون تَعريف الإمام خلافا للإمامة، وذلك لأن لفظ الإمام فيما يبدو ليس بحاجة الى تعريف وذلك حيث:
أولاً: إنّ اللفظة “مصطلح الإمام” واضحة بذاتها غير مُبهَمة. ولا يشوبها الغموض، لإنصراف الذهن فور سماعها الى صيغة وهيئة معينة، تتفق وتتشابه في ذهن اغلب السامعين.
ثانيًا: إكتفاء الفقهاء والمتكلمين بتعريف الإمامة عن تعريف الإمام بإعتباره القائم بها، المؤدي لواجباتها، المسنودة اليه مهامها، وتعريف ألإمامة يوضّح المقصود بالإمام.
وسنحاول إيراد بعض التعاريف التي ذكرها فقهاء ومتكلمو التيار السُنّي فيما يتعلق بالإمام، مع بيان بعض جوانب الضعف فيها، مما لا ينسجم مع قصد الدقة والسداد. وليس غرضنا هنا الرد على الأئمة ألأعلام، أو تخطئتهم، ولا نحن لهذا بأهل، ولكن إختيار أنسب التعاريف من خلال مطابقتها مع بعضها، وملاحظة صِيَغ العموم والخصوص فيها. والترجيح مع المرجّح. مع العلم بأنّي لَستُ سياسيًا، ولا أعمل بالسياسة، ولَستُ منتميًا لأي جهة سياسية، ولكنها محاولة أكاديمية لقراءة تأريخية في تاريخ نشأة الفكر السياسي الإسلامي، في عصوره الأولى.
1- القَرافي:
وهو عَلَم من أعلام المذهب المالكي، بارع بالفقه، والإصول، واللغة، والأدب، والتفسير، والمنطق، والطبيعيات من قبيل عمل التماثيل المتحركة في الآلات الفلكية والساعات وغيرها، مما يُعرف اليوم بالروبوت. توفي سنة (684هـ – 1285م).
ذكر القَرافيّ في تعريف الإمام أنّه: (هو الذي فُوّضَت اليه السياسة العامّة في الخَلائق)(1) أي أنّه القائم برعاية وتنفيذ شؤون الدولة ومصالح العباد. وأورده بقيد العموم، تمييزا له ممن تُفَوّض اليه السياسات الخاصّة كالتعليم، والإمارة، والجيش، مما لا ينطبق عليه وصف السياسة العامّة. والواقع أنّ التعريف لا يحدد شخصية الحاكم الفعلية، فهو منقوض، أولاً: بالنبوة، لأنها داخلة فيه، والأصل في الإمام ان يكون خليفة للنبي، لا ان تكون النبوة داخلة فيه. وقوله: (فُوِّضت) مُشعِر بالتولية على الطريقة المعهودة او المتعارف عليها لا بالقوة والإغتصاب. وثانيًا: انّ استعمال تعبير: (السياسة العامّة في الخلائق) على عمومه وبدون ضوابط، يؤدي معنى الإطلاق، والسياسة المطلقة غير المحددة معلومة النتائج، وهي ما يثعَبّر عنها بالوقت الراهن (الفردية والدكتاتورية)، وهي منافية لتعاليم ومبادئ نظام الحكم في الاسلام القائم على الشورى، وعلى الالتزام بالنصوص الشرعية، والضوابط الاُخرى.
2- إبن نُجَيم:
العلّامة الحنفي المصري، الفقيه، المفتي، الشاعر، ألأديب، العالم بإصول الدين واللغة، الرحّالة الجغرافي، ورسام خرائط حيث إعتُمِدَت خرائطه كمراجع في العديد من المجالات. توفي سنة (970هـ -1563م).
عَرّف ابن نُجَيم الخليفة بأنه: (الإمام الذي ليس فوقه إمام)(2) وقَيّدَ به إحترازًا عن أمير البلدة. وقد وقع ابن نجيم في المحظور الذي وقع فيه القَرافيّ، حيث ان تعريفه يُدخِل النبوه فيه. فهي مشمولة باعتبار عموم اللفظ الوارد بدون قيد يمنع دخولها. وثمّة ملاحظة اخرى ظاهرة على التعريف، وهو أنّه فسر الخليفة بالإمام، والواقع ان لفظتي خليفة وامام، هما المقصودتان من التعريف. فهوكأنما فسر الشيء بنفسه، وذلك ما يُعَدّ نقصًا او عَيباً في التعريف(3)، وعلى هذا نعتقد ان التعبير غير كاف في دلالته.
المصادر والمراجع:
(1) الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام/ للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي صفحة 93 بتحقيق عبد الفتاح أبو غُدّه/ الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية حلب 1387هـ – 1967م.
(2) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين إبراهيم بن محمد، المكنى بإبن نُجَيم، 5/21 (من ثمانية مجلدات)/ دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت طبعة 2.
(3) تولية الإمام بين النظرية والتطبيق لعلي بن فهد الدغيمان/ صفحة 10/ رسالة دكتوراه مقدمة للمعهد العالي للقضاء – الرياض/ بإشراف د. عبد العال أحمد عطية/ 1401هـ – 1981م.
خالد احمد عبد المجيد
الرابط والصفحة https://kitabat.com/author/khaladabdelmagid-com/
البريد الالكتروني [email protected]