يُعَدُّ العَمَلَ التَطَوَّعي أحد أبرز الأنشطة الإنسانيّة الإيجابيّة، بوصفِه سّلوكاً حضاريّاً يُساهم فِي تعزيزِ قيم التّعاون، فضلاً عَنْ نشرِ الرّفاهية ما بين أفراد المُجتمع؛ إذ إنَّ النَشَاطَ البَشَريّ المتجاوز للربحِ المادي، وَالَّذِي يسعى إليه الإِنْسَان برغبةٍ ومِن دونِ إكراه، يندرج فِي واقعِه الْمَوْضُوعي تحت مظلة العَمَل التَطَوَّعي، والَّذِي يُعَرَف بوصفِه أي نَشَاط اِجْتِمَاعِيٍّ يقوم عَلَى بذلِ جهدٍ أو وقتٍ أو مالٍ بشكلٍ اختياري مِن فرد أو جماعة تعبيراً عَن الاهتمامِ بِشُؤُونِ النَّاسِ وَقضَاياهم وَمشاغِلِهم، ما يعني أنَّ العَمَلَ التَطَوَّعي يُعَد تجسيداً لسلوكٍ اِجْتِمَاعِيٍّ يمارسه الفرد بإرادةٍ وَطواعية بقصدِ خدمة الْمُجْتَمَع والمساهمة بتطويرِه.
مِنْ المعلومِ أنَّ الركونَ لاعتمادِ العَمَل التَطَوَّعي يفضي إلى تحقيقِ الكثيرِ مِن المخرجاتِ الَّتِي ساهمت فِي تَميّزِه عَنْ بقيةِ الأعمال الأُخرى وجعله مِنْ أهمِ المظاهرِ الاجتماعيّة السّليمة؛ إذ يُشكل العَمَلَ التَطَوَّعي خياراً جيّداً للحصولِ عَلَى الكثيرِ مِن الخبراتِ المُهمّة الَّتِي تقود إلى نتائجٍ إيجابيّة للمُتطوّعِ، فضلاً عَنْ المُؤسّسةِ الَّتِي يعمل لصالحها أيضاً، وَلاسيَّما ما يتعلق مِنها بإكسابِ المُتطوّع مهاراتٍ جديدة أو تحسين المهارات الَّتِي يمتلكها، والمساهمة فِي زيادةِ قدرة المُتطوّعين عَلَى التّواصل الفعّال مع الأفرادِ الآخرين، بالإضافةِ إلى مُساعدة المتطوّعين عَلَى الاستفادةِ مِنْ وقتِ فراغهم، وتوظيفه إلى نشاطٍ تطوعيّ مُفيد. كذلك تُعَدّ الفعاليات التطوعيّة مِنْ أهمِ الأنشطة العامّة الَّتِي بوسعِها المساهمة فِي المُحافظةِ عَلَى تطوّرِ المُجتمع، والتخفيف مِن المُشكلاتِ المُؤثرة في المجتمع وأفراده. ويقصدُ بالمتطوع الفرد الَّذِي يعطي مِنْ وقتِه – أو بعضاً مِنْ وقتِه – أو خبراته، مهاراته؛ لأجلِ القيام بعملٍ يفضي إلى المساهمةِ فِي تطويرِ المجتمع المحلي أو العالمي، مع العرض أنَّ المتطوعَ يشار إليه بوصفه فرداً يعطي أكثر مما يأخذ، وَالَّذِي يمكن الاستفادة مِنْ خبراته ومهاراته عَلَى الصعيدينِ الشخصي والإنساني؛ إذ العَمَلَ التَطَوَّعي يساعد فِي زيادةِ القدرات التنظيمية والإدارية، إلى جانبِ تطوير مهارات التواصل مع الآخرين.
أَمْرٌ شَدِيدُ الأَهَمِّيَّةِ أَنَّ فعاليةَ العَمَلَ التَطَوَّعي، لم تُعَد أهدافها – الإنسانيَّة النبيلة – مقتصرة عَلَى تقديمِ المساعدات المالية والمادية لِمَن يحتاجها، مثلما هو متبع فِي نهجِ وممارسات الكثيرِ مِنْ منظماتِ الْمُجْتَمَع المدني؛ إذ توسعت آفاق عملها وأصبحت فعالياتها تشمل جملة مِن القضايا الاجْتِمَاعِيَّة الَّتِي تُعَد محل اهتمام الإِنْسَان، مثل مُهِمّة مكافحة التلوث، الحفاظ عَلَى بيْئَةِ الحياة والعمل باتجاه تحسينها، الاهتمام بالثَّقَافَةِ والآداب وَالعُلُوم، دعم الإجراءات المتعلقة بتَّنْمِيَةِ مؤسسة التَّرْبِيَة والتعليم، تعزيز المنظومة الصِحِّيَّة لرفعِ مستوى الصِحة العامة، إقامة حملات الإرشاد والتوعية ورعاية ذوي الحاجات الخاصة. وَضمن هذا الإطار يمكن القول إنَّ قيمةَ العَمَل الَّذِي يؤديه الإِنْسَان لا يمكن اقتصاره كما هو شائع لدى بعض الناس عَلَى الجانبِ المادي المتمثل بما يفترض أَنْ يكسبه مِن أجرٍ مادي لقاء جهده الفكري أو العضلي المبذول مِنْ أجلِ تأمين متطلبات حياته اليومية وَتلبية حاجاته وطموحه ومستقبل عائلته؛ إذ أنَّ للعَمَلَ التَطَوَّعي الكثير مِن الأبعادِ المعنوية الأخرى، وَالَّتِي مِنْ أبرزها ما يستمد مقومات ارتكازه عَلَى تَّمَسكِ الفرد بِقَواعِدٍ ذات جنبة اجْتِمَاعِيَّة أو دينيّة أو أَدَبِيَّةِ أو أَخْلاقيَّة أو غيرها.
فِي أمَانِ الله.