ان استغراق هذا الوقت الطويل من اجل اعلان النتائج النهائية لانتخابات العراق 2018 على غير ما صرحت به المفوضية في وقت سابق بان الاعلان سيتم في غضون ساعات بعد اغلاق صناديق الاقتراع ، كل هذا التسويف ينذر بوجود تلاعب و تزوير من اجل اعادة تدوير بعض الوجوه التي فشلت و ارجاعها للمشهد السياسي العراقي رغم انف الجميع و هذا لعله فعل حزبي داخلي ، كذلك التاخير يعني ان هناك عمل مضني يجري خلف الكواليس من اجل تزوير النتائج و بما يتلائم مع رفد بعض الكتل الكبيرة بعدد لا باس به من المقاعد من اجل تدعيم موقفها عند الحديث عن تشكيل الحكومة المقبلة و هذا يجري بفعل خارجي اقليمي و دولي لا يخفى .
من كل هذا و على الرغم من التزييف و المماطلة تبقى الكتل الكبيرة بعدد المقاعد التي حصلت عليها متقاربة و خاصة على مستوى الكتل الشيعية الثلاث سائرون و الفتح و النصر على التوالي ، و من خلالهم بالتحديد ستنطلق المفاوضات نحو الظفر بالحكومة القادمة و هنا يبدا التعقيد في المشهد .
فبحسب ما يظهر لنا ان سائرون قد عد العدة و حزم الامر و حسم موقفه و اخذ يدعو الجميع من كل المكونات ما عدا كتلتين ، الى فتح باب الحوار و التشاور من اجل وضع النقاط على الحروف و البدء بالاتفاق حول النقاط الرئيسية التي يتوجب العمل وفقها و تطبيقها كتطبيق لمشروع وطني قادم .
هذا الحراك العلني الذي دعا اليه السيد الصدر ، لا شك ان بقبالته هناك تحرك غير معلن بالصريح على الجنبة الشيعية الاخرى برعاية الفتح و القانون و لكن بصبغة ايديولوجية و برعاية اقليمية من الجارة ايران . ان التحرك من هذا الطرف او ذاك و قدرته على لم شمل المكونات الاخرى هو من سيحسم ايهما سيكون قادرا على تكوين عدد مقاعد النصف زائدا واحد و المضي بتشكيل ملامح حكومة الاربع سنوات القادمة .
كان المتوقع ان تكون الحكمة بيضة القبان في المشهد التحالفي الشيعي كونها خبيرة التوازنات ، حيث النصر اقرب الى سائرون و القانون اقرب الى الفتح و بذلك كان من الممكن ان تلعب الحكمة دورا بارزا في جعل اي التحالفين اقرب للحصول على الاغلبية ، لكن ما قام به السيد الحكيم من زيارة للسيد الصدر في مقره حيث الحنانة و خروجهما بعد اللقاء بمؤتمر صحفي ، انما يدلل على حدوث التوافق بينهما و تقارب في وجهات النظر و بذلك انضم الحكمة بصورة رسمية ضمنية الى تحالف سائرون ، ان هذه الخطوة من جانب الحكمة التي قد توصف بالمتسرعة كونها قد حددت مسارها و لن تصبح قادرة على المناورة في امكانية انضمامها الى التحالف الذي من الممكن قيامه برعاية الفتح و القانون ، فإما وجودها مع السائرون بالحكومة و اما ان يكونا بالمعارضة سويا ، ان هذه الخطوة من جانب الحكمة قد جعلت النصر هو من يكون له الريادة في صنع التوازنات القادمة ، فالنصر سيكون بيضة القبان التي تعطي الامكانية لاي تحالف ينضم اليه بتشكيل حكومة 2018 .
و بوجهة نظر عقلانية نرى ان النصر اقرب في تحالفه الى سائرون و الحكمة من القانون و الفتح بحكم عدة اعتبارات منها ان امريكا تدعمه في هذا التوجه كونه سيبتعد بذلك عن المحور الايراني الممثل داخليا بالفتح و القانون ، كذلك ان هذا التحالف سيضمن له بنسبة كبيرة بقاءه كرئيس للوزراء لفترة ثانية و هذا لن يناله بسهولة فيما لو قرر الانضمام للتحالف الاخر خاصة ان هذا سيجعله يخسر معظم المتحالفين معه في النصر و تصبح كتلته واهية ضعيفة بقبالة الفتح التي ستطالب بحصة رئاسة الوزراء .
لكن ما يجعل الموقف متأزما و ينذر بسوء ، هو ان ولادة هكذا تحالف شيعي بأضلاعه الثلاث سائرون و نصر و حكمة و الذي منه ستنطلق المشاورات مع المكونات السنية و الكردية الاخرى من اجل الحصول على اغلبية مقاعد البرلمان ، يجعل ايران خارج المشهد السياسي العراقي بالمطلق ذلك ان لا ممثل لها سيكون في الحكومة كي يرعى مصالحها و بذلك سيشتد الحصار عليها و يضيق بها الحال تزامنا مع العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي .
هذا يعني ان ايران ستزداد عزلتها و سيكون اثر العقوبات الامريكية اكبر من ذي قبل عليها كونها ستخسر متنفسها الاقتصادي المتمثل بالعراق و متنفسها الاستراتيجي الذي يربطها بمحور المقاومة و هذا ما سيؤثر و بصورة كبيرة حتى على المشهد السوري . ان هذا الانعكاس السلبي على ايران جراء امكانية قيام حكومة غير تابعة لها في العراق ، يجعلنا امام عدة سيناريوهات قد تقوم بها ايران من اجل ايجاد ممثل لها في تلك الحكومة ، منها هو امكانية تفكك تحالف الفتح المكون من عدة احزاب ، و انضمام تيار العامري المتمثل ببدر الى التحالف الشيعي الثلاثي بعيدا عن مكونات الفتح الاخرى و القانون ، و بذلك ستضمن لها بقاء الوجود و التاثير في الحكومة العراقية . كذلك قد تقوم ايران بالضغط على الاطراف السياسية الفاعلة و التي بدورها ستشكل رأي عام قوي يضغط على المفوضية و يوجه الناس نحو وجوب الغاء نتائج الانتخابات بإدعاء وجود التزوير بصورة كبيرة جدا بسبب استخدام العد و الفرز الالكتروني و تحديد موعد جديد لاجراء انتخابات نيابية بديلة و بعد و فرز يدوي ، و ما يتوجب الانتباه له ان حصول اي من السيناريوهات اعلاه قد يتوجب ايذاء الشعب من اجل الضغط على صانعي المشهد السياسي القادم ، لذلك قد نشهد مفخخات و تفجيرات و انعدام الاستقرار الى حين الرضوخ للمطالب .