23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

مفاوضات تشكيل الحكومة والثوابت غير القابلة للمساومات

مفاوضات تشكيل الحكومة والثوابت غير القابلة للمساومات

بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان، وبعد ترشيح السيد مسرور بارزاني من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الفائز الأول في الإنتخابات، لتشكيل الحكومة الجديدة، توقع المراقبون للشأن السياسي الكوردستاني تشكيل الحكومة الجديدة المتجانسة والقادرة على اتخاذ القرارات، في وقت قصير، ووفق معايير التشكيل الطبيعية، وذلك لأسباب كثيرة :

أولها، ثقة الأطراف الفائزة، التي تريد المشاركة في الحكومة، بقوة شخصية مسرور بارزاني وإمكاناته السياسية والإدارية والأمنية، تلك الثقة النابعة من نجاحه بشكل كبير في جعل كوردستان واحة للأمان والإستقرار، رغم الحرب مع داعش، وقطع الموازنة السنوية من قبل الحكومة الاتحادية والمشكلات الداخلية، ورغم قسوة البعض وتحاملهم غير المبرر، ومساهمته المميزة والفعالة في جعل الإقليم مثلا رائعاً في مجالات العدالة الاجتماعية والحماية الحقيقية لحقوق الانسان، حماية تستند إلى أرفع القيم الإنسانية، وتحقيق التطور الافت في مجال حماية وإيواء مئات الالاف من النازحين، وتبني نهج عقلاني حكيم في التعامل مع جميع الملفات المهمة.

وثانيها، بسبب التصريحات والرغبات المعلنة قبل وبعد الإنتخابات، من قبل غالبية السياسيين، التي أشارت الى تقارب وجهات النظر بينهم، وتأكيد حرصهم على الإستمرار في الحفاظ على الأوضاع القائمة والتعايش والنظام الديمقراطي وصيغتها النموذجية وتصحيح العلاقات البينية، وإزاحة العقبات غير الجوهرية عبر مغادرة الأفكار غير الواقعية وعدم المطالبة بأكثر من المستحقات الإنتخابية في عملية التشكيل، لتكون الوليدة، حكومة إنطلاقة جديدة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وثالثها، بسبب تفاؤل البعض وتوقعهم تنازل البعض عن قسم من حصصهم ومستحقاتهم من أجل التوافق ومن أجل مواجهة تحديات الأوضاع المعقدة وتهديدات الإرهاب التي مازالت قائمة في المنطقة.

ولكن، ما جرى حتى اليوم من مشاورات لتشكيل الحكومة، مسار لا يناقض التوقعات تماماً، ولايتطابق معها ولا مع التمنيات القائمة، خاصة أن البعض يتمسك بشدة بشروطه العالية السقف، وهو يعلم أنها مرفوضة جملة وتفصيلا، ويلجأ الى تعقيد الأوضاع وعرقلة المساعي التي تستند على معايير معروفة لدى القاصي والداني. والبعض الآخر يمارس إستعراضات علنية معتادة لتوتير الأجواء عبر إساءات لفظية بحق الآخرين ويخوِّنهم ولا يطمئن لهم، ويخشى من إسناد هذه الحقيبة الوزارية لذاك الحزب أو هذا، ويبدي شكوكه إزاء كل كلمة أو تعقيب أو تلميح لا يعجبه ولا يتوافق مع رغباته. علماً أن الفائز الأول مازال متمسكاً بالدبلوماسية الهادئة في التعاطي مع جميع الملفات، وأن غالبية الأحزاب تسعى للمشاركة في الحكومة وتعزيز دورها فيها. والسجالات الدائرة بينها، رغم تسميمها للأجواء، تؤكد عدم تقاطع الأوضاع الداخلية للأحزاب السياسية مع عقبات تتعلق بالنقاط الخلافية أو الصراعات السابقة التي حصلت على الساحة السياسية، وعدم وجود عقد دينية أو قومية أو مناطقية تؤثر سلباً على التوافقات أو تؤخر عملية إنضاج جهود تشكيل الحكومة.

بين هذا وذاك، يمكن القول أن الإتفاق الآخير بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني، قد سلط الضوء على الإتفاقات السابقة بينهما والتي إكتسبت شهرة كبيرة في الداخل والخارج. كما أكد أن المفاوضات بين القوى الكوردستانية لا تفشل لو تم مراعاة القضايا المتعلقة بالمصير المشترك، وتثمر لو إبتعد الجميع عن المناكفات والاتهامات المتبادلة، ولو تمسكوا بمواقف لا تعارض التوافق السياسي في بناء العملية السياسية، وفي دفع الجهود إلى مربع النجاح التام ومكانها الصحيح، وفي تشكيل حكومة الاقليم وتوزيع المناصب، طبعاً، دون التفريط بالثوابت الوطنية غير القابلة لأي مساومات.