23 ديسمبر، 2024 12:02 ص

مفارقة السلطة: الفصائل المسلحة العراقية تنقلب على اليد التي أطعمتها

مفارقة السلطة: الفصائل المسلحة العراقية تنقلب على اليد التي أطعمتها

في متاهة الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، هناك احداث تتسم بالتناقض ، مثل اعمال الميليشيات الولائية في العراق .
فقد برزت من الوضع المضطرب في هذا البلد سلسلة من الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية من قبل الميليشيات الولائية ، التي تعمل تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الأجنبي . ومن المفارقات أن العديد من هذه الفصائل تدين بوصولها إلى السلطة إلى وجود الولايات المتحدة في العراق، مما يخلق مشهدًا معقدًا ومتناقضًا يثير تساؤلات حول الطبيعة الحقيقية لدوافعها.

ومما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا ان هذه الفصائل المسلحة تأتمر باوامر ولي الفقيه في إيران – الدولة التي ينظر الكثيرون إلى نفوذها في العراق على أنه شكل آخر من أشكال الاحتلال .

ان الديناميكيات المحيرة لهذه الفصائل، ودوافعها، والتداعيات الأوسع على العراق والمنطقة يخل
بالتوازن الدقيق الذي تواجهه حكومة بغداد في التوفيق بين مطالب الولايات المتحدة من جهة والفصائل المدعومة من إيران من جهة أخرى .

واذا عدنا الى جذور المشكلة نرى ان الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 قد غير المشهد السياسي في البلاد بشكل جذري ، وخلق فراغاً في السلطة سرعان ما ملأته جماعات مسلحة مختلفة، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصد او بغير قصد بتمكين هذه الفصائل، ودمجها في الإطار السياسي الجديد .

وفي هذا الواقع تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية إنسانية وأخلاقية حيال العراق، فهي المتسبب الرئيس في الإخفاق الأمني والفشل السياسي والاقتصادي لهذا البلد .

ان الميليشيات الولائية التي تشكلت على اسس طائفية قد اكتسبت نفوذًا كبيرًا بعد احتلال داعش لمناطق عديدة في العراق .
وكثير من الفصائل المسلحة تتلقى الدعم المالي من حكومة بغداد ، الا ان التوجيه اللوجستي والعسكري من طهران.
ان علاقاتها مع إيران تنطوي على تناقض واضح ، فبينما تشجب هذه الفصائل الاحتلال الأميركي، يبدو أنها تغض الطرف عن الوجود الإيراني الكبير في بلادها. وقد أدى ذلك إلى اتهامات بأن ما يسمى بالمقاومة لا تتعلق بالسيادة العراقية بقدر ما تتعلق بخدمة المصالح الاستراتيجية لإيران .

وبالرغم من ان هذه الفصائل تنتمي الى الحشد الشعبي الذي ارتبط برئيس الوزراء ، الا انها لاتلتزم بالتوجيهات والقرارات الصادرة منه .
وكثيرا ماتحدث صدامات بين هذه الفصائل وجهات أمنية أخرى، حتى داخل المنطقة الخضراء .
وقد ذهب العديد منها الى سوريا للمشاركة في القتال الدائر هناك دفاعا عن النظام ، مما يهئ الاجواء لمزيد من التصعيد وزج العراق في حروب لاطائل تحتها تزيد من معاناة الشعب .

أظهر سلوك هذه الفصائل آثارا” عميقة على امن واستقرار العراق والدول المحيطة ، كما أخل بالسيادة الوطنية وقوض السلطة المركزية.

إن وجود جماعات مسلحة متعددة
يشكل تهديداً لوحدة القرار السياسي والأمني للحكومة ، فعندما تمتلك جهات فاعلة غير حكومية السلطة العسكرية، فإن ذلك يقوض احتكار الدولة للعنف، وهو أمر ضروري للحفاظ على القانون والنظام .
كما يخلق بيئة من الصراع الدائم، مما يجعل من الصعب على الحكومة التركيز على بناء الدولة وتوفير المتطلبات الأساسية لمواطنيها.

لقد بات من الضروري حصر السلاح بيد الدولة فقط ، والضرب على يد الميليشيات والفصائل المسلحة مهما كانت تبعيتها او اهدافها المعلنة . وفرض عقوبات قاسية على استخدام السلاح من اي جهة كانت ولاي غرض كان .

ان ترسيخ السيطرة على الأسلحة وحل الفصائل المسلحة يتطلب وجود قيادة سياسية جريئة قادرة على فرض سلطتها وهيمنتها على القرار واحتكار استخدام القوة . وهذا من شأنه تعزيز سيادة العراق واستقلاله ويحد من نفوذ القوى الأجنبية التي تدعم هذه الجماعات في كثير من الأحيان لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة. ومن شأنه أيضا تعزيز الهوية الوطنية وجعلها أكثر تماسكا” حيث لن يعود المواطنون منقسمين بسبب الولاءات لمختلف الميليشيات.

في جوهر الأمر، لا يقتصر نزع سلاح هذه الفصائل على إنهاء العنف فحسب؛ بل يتعلق الأمر باستعادة سيادة القانون، وتمكين الحكم الفعال، وتمهيد الطريق لعراق مستقل ومزدهر .
ادهم ابراهيم