قيل : حدّث العاقل بما لا يعقل، فان صدق فلا عقل له.
إعتادت حكومة بغداد أن تتحفنا بين الفينة والاخرى بمهرج لها هنا أو هناك، وهو يصب جام غضبه على الاقليم.
وكأن الإقليم هو السبب الاول والاخير وراء كل كوارث العراق منذ سقوط جرذ العوجة صدام المقبور والى هذه اللحظة.
وأغلب الظن أن هذا المهرج وامثاله، إنما يعيد ببغائيا ما قد يسمعه من تاج راس هنا، أو خط أحمر وربما قائد ضرورة هناك.
والا، فالعاقل لا يركز على الجزء، أي الاقليم.
تاركا الكل، أي عموم العراق بطوله وعرضه وخيراته، لقمة سائغة بيد حيتان الفساد في الخضراء.
ومن هنا، أود الاشارة الى بعض المفارقات المتعلقة بهذا الموضوع.
# المفارقة الأولى :
هل تعلم أن الرقم ( ١٧ ) هو أكبر من الرقم ( ٨٣ ).
فإن لم تصدق.
فتأمل في حركة الإعمار والبناء في الإقليم بحصته البالغة ١٧% فقط.
هذا، في الوقت الذي يخيم فيه الخراب والدمار على باقي أجزاء العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وكأنه مدينة أشباح أو من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وذلك بالرغم من ميزانية بغداد الانفجارية والبالغة ٨٣%.
## المفارقة الثانية :
هل تعلم أن المسافة بين محافظة البصرة وبين الاقليم هي أكثر من الف كيلومتر.
وان النفط الذي يصدره الإقليم، إنما يتم استخراجه من أراضي الإقليم.
ومع ذلك، يصر البعض من مراهقي ساسة بغداد على خداع الشعب العراقي، لاقناعه بالربط بين :
ازدهار الاقليم وخراب البصرة، وأن الأول إنما يتطور على حساب خيرات الثاني.
### المفارقة الثالثة :
بالنسبة لحجم النفط الذي يصدره الإقليم.
لو سلمنا جدلا صحة تلك الأرقام المبالغ فيها، والتي تتراوح على رواية ما بين = ٣٠٠ – ٤٠٠ ألف برميل يوميا.
فإننا نجد بالمقابل، ان تصدير بغداد للنفط يتراوح على أقل تقدير ما بين = ٣ مليون – ٤ مليون برميل يوميا.
أي بالضبط عشرة أضعاف ما يصدره الإقليم.
هذا المعلن رسميا.
أما ما يذهب سرا ومجانا إلى ايران على أيدي الميليشيات الوقحة المتحكمة في آبار النفط الحدودية الفاصلة بين البلدين، فحدث ولا حرج.
فأين تذهب اموال النفط بارقامها الفلكية هذه يا ترى؟!…
وهل من الإنصاف جعل الإقليم السبب وراء تردي الأوضاع في وسط العراق وجنوبه يا ترى؟!…
#### المفارقة الرابعة :
بالنسبة للمفارقة الثالثة أعلاه.
لو سلمنا ان بغداد لها الحق في نفط الإقليم.
فأين هي إذن بلسانها الطويل من تجاوزات تركيا وإيران اليومية، وقصفهما الظالم واللامبرر بالطائرات والمدفعية للقرى والقصبات العراقية الحدودية الواقعة ضمن حدود الإقليم ؟!…
##### المفارقة الخامسة :
الضجة المفتعلة بالنسبة لمحافظ كركوك السابق نجم الدين كريم.
فلقد غدى الحديث عن هذا الشخص واتهامه بمختلف الاتهامات حديث الساعة، والشغل الشاغل لفضائيات السلطة لفترة من الزمن، وكأنه الفاسد الوحيد في كل منظومة الحكم في العراق.
وأن سيرة ساسة بغداد لا تشوبها شائبة.
مع ان القاصي والداني يعلم ان الفساد ينخر في كل مفاصل حكومة بغداد برئاساتها الثلاث حتى النخاع، من قمة رأسها وحتى إخمص قدميها.
وأنها إنما تتلقى تعليماتها وبانتظام من خلف الحدود جملة وتفصيلا.
وهنا أتذكر القول المنسوب الى غاندي :
الإنسان يفقد شرفه عندما يأكل من خيرات بلده، وينتمي لدول اخرى.
وكأني بلسان حاله يقصد كل حكومات بغداد التي ورثت صدام المقبور.
###### المفارقة السادسة والاخيرة :
لكل من يتكلم عن السيادة الوطنية ووحدة الأراضي العراقية و … متهماً الإقليم بالانفصال و …
اقول :
هل تعلم يا سيادة الناقد أن مساحة دول الجوار تتمدد باستمرار، بالضبط كما يتمدد الحديد بالحرارة.
وذلك طبعا على حساب الأراضي العراقية، بل والاكثر من هذا، وهو ان هذا الكرم الحاتمي إنما يتم بمباركة وعلم كل أحزاب السلطة الحالية والتي سبقتها في بغداد.
وذلك، بدءا بخور عبدالله الذي ذهب مؤخرا إلى الكويت جنوبا، مرورا بما تبتلعه إيران من الأراضي العراقية وباستمرار شرقا، وصولا إلى تركيا التي تصول وتجول قواتها ليل نهار على الأراضي العراقية شمالا و …
من هنا، وباختصار شديد، أقول :
ليعلم الشعب العراقي علم اليقين، ان حكومة بغداد قد اتخذت من الإقليم شماعة تعلق عليها كل ارهاصاتها، سرقاتها، فسادها المالي والاداري، بيع وشراء المناصب والضمائر والذمم و …
بل وحتى عجزها عن القيام ولو بالحد الأدنى من التزاماتها كحكومة تحترم نفسها، فهي تحاول جاهدة إقناع الشعب العراقي بأن الإقليم هو السبب وراء رداءة، بل غياب الخدمات جملة وتفصيلا.
وبمعادلة بسيطة، فإن حصة بغداد من عائدات النفط تعادل وعلى اقل تقدير خمسة أضعاف ما يستلمه الإقليم.
وحيث أن الإقليم يمتلك ثلاث محافظات تتمتع نوعا ما بالعمران والبنى التحتية.
اذن، فمن المنطقي أن تمتلك بغداد خمسة عشر محافظة تنافس محافظات الإقليم في الإعمار والبنى التحتية.
فهل يوجد شئ من هذا القبيل؟!…
كلامي هذا ليس دفاعا عن الاقليم، فهو ايضا يمتلك حصته من الفساد المالي والإداري وحيتان الفساد، وإن لم يكن بحجم فساد حكومة بغداد بكل تأكيد.
لكني أتطلع إلى ان يستيقظ الشعب العراقي من سباته العميق قبل فوات الأوان، وقبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة، لنقول فيها :
كان هنالك يوم ما شعب يطلقون عليه الشعب العراقي، وكان هنالك بلد يسمى العراق.
فنذهب حينئذ معاً أرضا وشعبا في خبر كان.
==================================