23 ديسمبر، 2024 5:11 ص

مـــن دمـر العـــراق؟ مَـــنْ؟ 2/3

مـــن دمـر العـــراق؟ مَـــنْ؟ 2/3

أحب أن أبيّن لماذا أصرّ على استخدام مصطلح (الشيعسلاموية)، الذي طالما طرحته في مقالات عديدة لي، وكذلك في ظهوري الإعلامي المكثف قبل اتخاذ قرار العودة إلى ألمانيا صيف 2012. فالتقسيم الثلاثي سيئ الصيت وذو النتائج المدمرة، للشعب العراقي والمشهد السياسي، إلى شيعة-إسلاميين، وعرب-سنة، وكرد [قوميين]، شكلت فيه القوى الإسلامية الشيعية النسبة الأكبر، والأكثر تأثيرا على مسار العملية السياسية. فبينما نجد السنة العرب متوزعين ما بين إسلاميين متمثلين بالدرجة الأساسية بالحزب الإسلامي العراقي [حركة الإخوان المسلمين سابقا]، وعروبيين، وذوي نزعة قبلية، وطائفيين، وذوي حنين لعهد صدام، نجد السياسيين الكرد قوميين بامتياز، تمثل القوى العلمانية [أو الأصح غير الدينية] لكن غير الديمقراطية العامل المؤثر عندهم، لكن يشتملون أيضا على قوى إسلامية متمثلة بالاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية، والذين عموما – بما فيهم الإسلاميون – أصبحوا قوميين فوق ما تتطلبه مصالح الشعب الكردي، وبما أضرّ كثيرا بها، نرى إن الشيعة كلهم إسلاميون، وبذلك هم يحملون هوية مزدوجة، أحد طرفيها يتمثل بإيديولوجية إسلامية مُؤسَّسة على مفاهيم الإسلام السياسي، القائمة على فكرة أسلمة المجتمع، وطرفها الثاني يتمثل بهوية شيعية طائفية، بمعنى منغلقة على الطائفة، ومدعية تمثيل مصالح المكون الشيعي. فالطائفية عندي لا يجب أن تكون بمستواها الأعلى، أي بكره الطائفة الأخرى، ومزاولة الفعل العدواني تجاهها، أو تهميشها وإقصائها، بل مجرد التخندق سياسيا في هوية طائفية معينة هو لون من ألوان الطائفية السياسية، التي لم يكن عنصر أضرّ بالعراق، كما أضرّت هي، لأنها هدم لأهم ركن للدولة الديمقراطية الحديثة، ألا هو ركن المواطنة، التي غدوا [في السنوات الأخيرة] يلوكونها مؤخرا بألسنتهم كشعار مفرغ من محتواه، ويدوسونها في ممارستهم السياسية بأقدامهم.

ولكن لماذا يا ترى أرى الشيعسلامويين أنهم هم بالدرجة الأولى والأساس الذين دمروا العراق وأحلام العراق وديمقراطية العراق واقتصاد العراق وأمن العراق ومستقبل أجيال العراق القادمة، إلى أمد غير منظورة حتى الآن نهايته؟ فبحكم أن الشيعة يمثلون الأكثرية من نفوس العراق، وبما أن الدولة والسياسة والتعددية والحياة الحزبية، قائمة على أساس المكونات، لاسيما الثلاثة الكبرى (الشيعية-الكردية-السنية)، وبما أنهم حتى الآن هم الذين شكّلوا الأكثرية البرلمانية (الائتلاف العراقي الموحد 169)، ثم (الائتلاف العراقي الموحد 555)، ثم لدورتين (التحالف الوطني) متشكلا من (ائتلاف دولة القانون + الائتلاف الوطني)، وهم الذين ترأسوا الحكومات الأربع المتعاقبة، حيث كان رئيس مجلس الوزراء دائما من حزب الدعوة الإسلامية (الجعفري، المالكي، المالكي ثانية، العبادي درءً لكارثة التثليث للمالكي)، فهم المسؤولون بشكل أساسي وبإصرار عن:

دولة المكونات بدلا من دولة المواطنة.
الطائفية السياسية (الشيعية-السنية).
المحاصصة الطائفية (شيعة سنة) والعرقية (عرب كرد).
التحاصص بناءً على ذلك في الفساد المالي وسرقة المال العام بين سراق شيعة، وسراق سنة، وسراق كرد، لكل حسب حصته في السلطة، مما أدى إلى التستر المتبادل، والسكوت عن تهريب أكثر من سارق بما سرقه من ثروة خيالية إلى خارج العراق، ليتنعم ويترفه ويَتَمَلْيَرْد أو على الأقل يَتَمَلْيَن من قوت فقراء العراق.
السياسيون السنة لم يكونوا أقل سوءً، بل طائفيتهم كانت هي الطائفية الأشد والأعنف، لكنهم كانوا أبعد عن الإسلام السياسي، ثم هم لم يروا خيارا آخر غير التخندق سنيا، بعدما رأوا الشيعسلامويين قد تخندقوا شيعيا، دون تبرئة الطائفيين منهم، وهم ليسوا قليلين، بأن طائفيتهم كانت ستكون فاعلة وبادئة، وليست بالضرورة منفعلة ورادّة، لكن كان بالإمكان إحراج الطائفيين منهم بسحب بساط المبررات عبر الفعل الطائفي للطائفة ذات الحجم الأكبر. فالشيعة هم الذين يتمتعون بالناخبين الأكثر عددا في المجتمع العراقي، فما كان من السياسيين السنة وقواهم إلا أن يرفعوا راية تمثيل مصالح [واستحقاقات] المكون السني وحمايته من التهميش والإقصاء، ثم الاضطهاد الطائفي من قبل الطائفة الأكبر عددا، والأشد نفوذا، كدافع أو مبرر لخلق طائفية سنية سياسية مقابل الطائفية السياسية الشيعية. وبقينا نسمع العزف النشاز على وتر (تمثيل المكون) و(استحقاقات المكون)، وغير ذلك، فقضي بذلك على مبدأ المواطنة، وأصبح مجرد علكة تلوكها أفواه السياسيين، كما يلوكون بمصطلحات أفرزها هذا الواقع الشاذ والسيئ، من قبيل «حكومة وحدة وطنية»، «حكومة شراكة وطنية»، «توافقية»، «اتفاقات السلة الواحدة»، وأخيرا «التسوية السياسية التاريخية»، ألا [لبئس] هذه الطروحات الكاذبة وعديمة الحياء.