على خطى أجداهم السومريون والبابليون والآشوريون مشوا، وولجوا دروب التعليم والمدارس رغم وعورتها، لأنهم ايقنوا بأن طريق الأنسان للتقدم والتطور يحتاج الى اللبنة الأولى، الا وهي التعليم، فتحملوا ظروفا صعبة، وأضطروا لمسايرة عددا من (الأميين) الذين فرضتهم الأنظمة عليهم، فآثروا ان يضحوا بالكثير من اجل ان لا يفقدوا الفرصة في زرع القيم الطيبة والمحبة والأمل عند اجيالا كثيرة، مازال بعضها يتذكرهم ويجللهم كلما تتصادف اللحظات ويكون هناك اللقاء المباشر، لكن يبقى هؤلاء النوارس، والقناديل بتجاربهم وقصصهم وحياتهم مثار اعجاب وأحترام وتقدير، ولن يمنعنا حتى وأن عشنا بعيدا عن المدن والقرى والقصبات التي زرعوا فيها الآمال والبسمات والمعرفة، لن يمنعنا من شكرهم، وتقديرهم وأظهار محبتنا لهم، طالما كانت الأنظمة مشغولة ، سنقول لهم ، ولعوائلهم وأهاليهم، شكرا لهم ولكم، كانوا جيلا رائعا ، سنرفعه عاليا اينما كنا وأينما حل بنا الزمان.
********* *********** ********** ***************
المدرسـة أميرة داود بطرس سـامونا – ميري
ولدت في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى عام 1943 بمحلة (سامونا)، متزوجة من الأستاذ مالك يوسـف ميري، ولهم 3 بنات وولد واحد مع 6 أحفاد. كانت أولى خطواتها في عالم العلم والمعرفة في،
1- (مدرسة الراهبات الأبتدائية) في مدينة تلكيف والتي كانت تديرها (ماسير ماري آنج) ومعاونتها (ماسير أغنيس السمعاني)، ثم انتقلت عائلتها الى بغداد، فنقلت مدرستها الى،
2- (متوسطة المنصور للبنات) في منطقة السنك الشعبية، وكانت بأدارة (المدرّسة زاهدة الدبوني) ومعاونتها (السيدة ماجدة) ثم انتقلت الى،
3- (اعدادية المنصور للبنات) والتي كانت تابعة الى ذات المتوسطة. وبعد ان انهت امتحان البكلوريا، صادف ان انتقلت ماسير (اغنيسيا السمعاني) الى بغداد وأعطيت لها مسؤلية ادارة (مدرسة السريان الكاثوليك الأبتدائية) في منطقة العلوية، وعاونها في المهمة الأستاذ (سعيد روفائيل جاني)، فعملت معهم لمدة سنتان في هذه المدرسة. بعد فترة وجيزة تزوجت من الأستاذ مالك ميري، ولم تمض فترة طويلة (تقول الست أميرة): قبل ان نتوصل الى اتفاق يلبي طموحاتنا نحن الأثنان، في عدم الأكتفاء بالشهادة الثانوية، بل بالأستفادة من قابلياتي في التقدم نحو الدراسة الجامعية، وفعلا تم ذلك حينما انتسبت عام 1965 الى،
– كلية البنات التابعة لجامعة بغداد، وأخترت حينها قســم (الأقتصاد المنزلي) وكانت بنايتها على ما اذكر تقع في منطقة الباب المعظم، ولا اعرف اين تقع الآن، او ان كانت موجودة ام لا! وتخرجت من هذا القسم في العام 1969، ولكن للأسف فأن فرحتي بالتخرج والنجاح لم تدم طويلا حينما اكتشفت بأن التعينات كانت متوقفة تماما لمدة عامان بسبب التقشف، وحتى عندما صدر تعيني الأول عام 1971 فقد بلغ راتبي الشهري آنذاك (3.750) اي ثلاثة دنانير وسبعمائة وخمسون فلسا، وهو ذات الراتب الذي كان يتقاضاه الجندي المكلف، ويا لعدالة القوانين!
صدر تعيني الأول في،
1- ( ثانوية مندلي للبنات) – محافظة ديالى، ولمدة سنة واحدة، بعدها إنتقلت وحسب القاعدة الزوجية الى،
2- (متوسطة النهضة للبنات) في منطقة الدورة – الكرخ، وكانت فتح جديد ، اما مديرتها فكانت (الست بلقيس) ومعاونتها (الست حسيبة)، وبقيت فيها 3 سنوات، انتقلت بعدها الى منطقة الرصافة حيث سكني وتعينت في،
3- ( ثانوية المروج للبنات) في مدينة الزعفرانية وبقيت فيها 10 سنوات مدرّسة لمادة (الأقتصاد المنزلي) بعدها وبسبب النقص في الكادر التدريسي نظرا لشمول الكثير من (المدرسين) بالخدمة الألزامية أوالجيش الشعبي فقد تم تنسـيبي الى،
4- (المتوسـطة النظامية للبنين) حيث درّسـت مواد (التربية الفنية، التربية الوطنية ومادة الديانة المسيحية) اذ ان نســبة الطلبة المسيحين فيها كان يتجاوز ال 50% وهنا كان يحق (حسب قوانين ذالك الزمن) ان تدرس مادة الدين الخاصة بهم، وبعد 3 سنوات من الخدمة فيها، ونظرا لأستمرار ذات الظروف الأستثنائية فنقلت الى،
5- (المتوسطة الشرقية للبنين) وخدمت فيها 3 سنوات حتى استحقاقي لسن التقاعد وأكمالي للخدمة عام 1990.
تظل لذكريات تلك السنين عبيرها الخاص، بكل ناسها وتجاربها، وجميع المربين والمربيات الذين أخذوا بيدنا وهيئونا للحياة القادمة، وتحضر في ذاكرتي بعض تلك الشخصيات ، إذ اترحم على الراحلين منهم ، وأبعث بأمنياتي لمن ما يزال يقاسمنا نور الشمس وأذكر منهم و منهن:
في مرحلة الأبتدائية (مدرسة الراهبات) بمدينة تلكيف، (ماسير ماري آنج) و (ماسير مباركة) و (ماسير وردية) اللواتي كنّ نموذجا للوداعة والطيبة مع التلميذات، وفي (متوسطة المنصور – بغداد) كانت (الست فيرجين) مدرسة الرياضيات المتميزة بأسلوبها، اما في (ثانوية المنصور – بغداد) فكانت (الست خالدة مرزا) مدرسة مادة الفنية، اما في الحياة الجامعية فكانت (الست نادية الصايغ) والمعيدة في الجامعة الأخت (شمس) التي كانت تساعدنا كثيرا.
بعد دخولي سلك التدريس نشأت الفة حميمية مع الأسر التعليمية تقاسمنا فيها همومنا وأحلامنا وصرنا مثل العائلة الواحدة، وعلاقاتنا كانت تسودها مبادئ المحبة والأحترام وأذكر بعضا منهم: السيد (منصور) مديرنا في المتوسطة الشرقية، اما في المتوسطة النظامية فكانت مدرسة مادة اللغة العربية الست (نزهت سعيد شابو)، والست (أمل فاضل) مدرسة مادة الكيمياء، وفي ثانوية المروج (نجلة كَمشـو) والست (رسمية) مديرة الثانوية.
غادرنا العراق بعد تقاعدي بفترة قصيرة وألتحقنا ببقية العائلة بمدينة ديترويت في الولايات المتحدة، ومنذ العام 1992 عملت لمدة 4 سنوات في (دار لرعاية الأطفال)، وكنت اقارن بين هذه البيئة والظروف المهيئة للطفل وأجواء تنمية مواهبهم وأبداعاتهم ، وبين ظروف اطفال العراق والحال البائس لهم، رغم امتلاك البلد لثروات هائلة ….ولكن! انتقلت بعدها للعمل في احدى محلات بيع الملابس المشهورة عندنا (تي جي ماكس) وعملت لمدة 16 سنة، حتى سن التقاعد القانوني اذ انصرفت بعدها للراحة والمنزل والمساعدة في تربية الأحفاد اثناء ذهاب بناتي للعمل، وأنا سعيدة جدا بما اقوم به، هذا اضافة الى التمتع بممارسة بعض هواياتي الخاصة في القرأة ، حيث اقرأ الشعر والأدب والقصص الأجتماعية، كتب التراتيل الدينية والكتاب المقدس، الأنجيل.
لقد كان للجيل الذي قام بتنشئتنا وتربيتنا في البيت مع الذين تتلمذنا على ايديهم، أثرا بالغا في نفسي وجد طريقه لاحقا في حياتي وأنا اقوم بالتدريس، اذ كانت المادة الرئيسية (اختصاصي) هي – الأقتصاد المنزلي – وهذه كانت توفر لي فرصة الحديث للبنات، وتقديم الأرشادات لهن، خاصة وأنهم في اعمار ستؤهلهم لاحقا لكي يصبحن ربات بيوت، فكنت لهن مثل الأم او الأخت الكبيرة، وكنت فرحة جدا بهذا الدور، اما انجازي الثاني فكان حصولي على رخصة ادخال حصة تدريس مادة (الديانة المسيحية) الى المنهج في المتوسطة النظامية لأول مرة، وقيامي بالتدريس بمساعدة من (الأب يوسف شليطا) اضافة لكل التزاماتي التدريسية الأخرى، لابل اني فخورة بأن آخذ بيد هؤلاء الأولاد لتقبل احد الأسرار المسيحية المهمة (سر التناول المقدس) رغم ان اعمارهم كانت قد تجاوزت، لكني كنت افهم الأسباب من ذلك والتي كانت بسبب الحرب، او فقدانهم لآبائهم في الحرب او انفراط عقد عوائلهم لكثير من الأسباب، كنت حقا سعيدة بأن ادخل الى حياتهم الأمان وراحة النفس وعسى ان اكون قد وفقت بذلك. اعود لأتذكر الشخصيات الذين أثروا طفولتي ومنهن والدتي (جميلة ناظر)، وخالتي ووالدة زوجي السيدة (حياة ناظر) وجدتي الغالية (لوسـيّا عربو)، هذه القناديل لم تضئ بيتنا فحسب، بل انارة حياتي بكل ما هو طيب، وفي هذا المقام يأتي ذكر (ماسير سان بول – كساب) معلمتنا في مدرسة الراهبات بمدينة تلكيف، حيث كانت تجمعنا (نحن البنات) وتلقي الموعظات الطيبة علينا، اما لغير المتعلمات، فقد كانت تجمعهن كل يوم أحد، وتقدم لهن النصائح وتزرع فيهن المحبة والطيبة.
لوطني الغالي العراق، اتمنى ان يعود البلد كما كان، معمراً وأبنائه فرحين، وأصلي ان يعود اليه السلام ، وأن تسود بين ابنائه روح المحبة والألفة والأخوة والتعاون، وأن لاتكون هناك اية تفرقة على اساس الدين، وأن تحترم منزلة آبائنا الكهنة ولا يتعرضوا للمضايقات او القتل، وأن يقود البلد اناسا مخلصين، وأن يبعدوا الأشرار وغير المخلصين من مسيرته. لا يوجد كنز في العالم اكبر من كنز المحبة، وهذه بالحقيقة كانت آخر وصايا سيدنا المسيح (احبوا بعضكم بعضا، كما احببتكم) وبهذا نبرهن اننا ابناء المسيح، وأمنياتي هذه ابعثها لكل العالم الذي اتمنى ان يسوده السلام وتحكم المحبة علاقات بعضهم البعض.
********* *********** ********** ***************
المدرس سـامي داود أسـمر (سـالم أسمر)
من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1947 وفي (محلة أسمر)، متزوج من السيدة سـميرة حنا يونو، ولهم 4 بنين، وعندهم الآن 6 أحفاد.
كعادة معظم عوائل بلدته، كان الأهل يشجعون ابنائهم للدراسة، وهكذا كانت معه حيث بدء طريقه في،
1- (ابتدائية العرفان) وبعد ان اكملها انتقل الى،
2- (ثانوية تلكيف) حيث تخرج منها في العام 1967، وهو ذات العام الذي قبل في،
3- كلية التربية/ جامعة بغداد – قسـم الرياضيات، وقد تخرج منها بنجاح عام 1971.
أثر التخرج، جاء موعد التقديم للعمل والتدريس، فكان أول تعيين له،
1- (متوسطة 17 تموز) في مدينة عين زالة لمدة سنة ثم،
2- (ثانوية عين سفني) – منطقة الشيخان التابعة لمحافظة نينوى، ولمدة سنة ايضا بعدها الى،
3- (متوسطة 17 تموز المختلطة) في مدينة تلسقف، مع التوظيف كمدير لمدة عام، وبعد 5 سنوات الى،
4- (ثانوية تلكيف للبنين) ما بين الأعوام 1978- 1995 اي (15عاما)، وبضمنها عاما كاملا كمعاون للمدير،
**(ثانوية الميثاق المسائية) في الموصل درسّت فيها 3 سنوات
**(ثانوية عبد الرحمن الغافقي) في الموصل لمدة سنة واحدة، وهذه كانت اضافة لألتزاماتي التدريسية الأخرى ، ورغم ان تخصصي كان في مادة (الرياضيات) الا اني كنت حاضرا عند الحاجة لملء اي فراغ يحصل في الفصل الدراسي، وقد قمت بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء حينما املت الحاجة لذلك ، ناهيك عن تدريس مادة (الديانة المسيحية) حينما كان هناك نقص في الكادر التدريسي بالثانوية.
استحققت بعد كل هذه الخدمات والسنين التقاعد. ولكون الراتب التقاعدي لم يكن ليكفي مصاريف العائلة فأضطررت للعمل في مجال الأعمال الحرة بغية ضمان وارد جيد للعائلة التي كانت تكبر وتكبر معها احتياجاتها، اذ عملت في الموصل، هذا اضافة الى قيامي بتقديم بعض الدروس الخصوصية في مادة الرياضيات، اما في الفترة 2001-2003 فقد عملت في حقول الدواجن، لكن بعد العام 2003 و ما صاحب التغيير من فوضى وأوضاع غير مستقرة، دفعتني للرحيل انا وعائلتي عام 2004، وقدمنا الى ديترويت حيث اغلبية الأهل وقد استقروا في هذه المدينة، عملت هنا ايضا لعدة سنين في الأعمال الحرة، حتى وصلت الى مرحلة التقاعد بحق وحقيقة!
قد أكون من الناس المحضوظين وأنا اسكن مدينة ديترويت، اولا بسبب النسبة العالية من العراقيين وخاصة من سكنة مدينتي العزيزة (تلكيف) اذ أصادف بأستمرار تلاميذي وأصدقائي من زملائي المدرسين، لابل اني أكثر سعادة حينما التقي بالعديد من المعلمين والمدرسين الذين أخذوا بأيادينا حينما كنا اطفالا أو احداثا ، والرحمة على من غادرونا بسلام، ومزيدا من الصحة للذين مازالوا يقاسموننا هذه الحياة و منهم: (المربي داود قوزا – الأنكليزية) و (المربي كوركيس شمامي- الأنكليزية) والمدرس المرحوم (جورج أسمر – الأنكليزية) والأساتذة (حازم قاسم و أحمد أمين – الرياضيات)، اما في الجامعة فكانوا: (عريبي الزوبعي – الأحصاء) و (عادل غسان) و (نورية انطوان شكوري – الهندسة التحليلية) و (سـهى الصدر – الرياضيات الحديثة). ومن أجل ان تكتمل صورة علاقاتي بالمدرسين والمدرسات حيث تقاسمنا الدروس والصفوف وسني التدريس بحلوها ومرها، تعلو عاليا بعض الأسماء (وعذرا ان لم اتذكر بعضها فكلهم كانوا احبة وجزء من عائلتي الكبيرة) المرحومان (موما إسحق) و (طاهر يوسف حميد الحيدري) وكلاهما كانا بمركز المدير في ثانوية تلكيف، (محمد رشيد عارف حسن) مدرس التأريخ، (طلال عبد العزيز زكريا) و (بدرية صليوا يونو) وكلاهما مدرسي اللغة الأنكليزية، (ثائرة يلدا باجوا) الرياضيات، (مسعود بريخو) الفيزياء. لقد ارتقت علاقاتنا الى مستوى عائلي طيب، وكنا غالبا ما نلتقي في (نادي الموظفين)، اما في الحديث عن علاقاتي مع الطلبة، فبالحقيقة كنت اعاملهم مثل أخوتي ، مراعاة لأعمارهم وأفق مستقبلهم اللاحق، ومن درجة حرصي على بعضهم، فقد كنت اقوم بتدريسهم دروسا اضافية في بيتي ايضا أيام الأحاد والجمعة، ويمكن لي القول بأن ما تعلمته في الجامعة حاولت تسخيره في اسلوب تدريسي الذي كان متميزا، خاصة والحديث يجري عن (مادة الرياضيات) التي كان الكثير من الطلبة ينظر اليها بعين الخوف والريبة، اذ استخدمت اساليب تدريس كان لها نتائج طيبة، ولا ادل من ذلك نتائج امتحانات البكلوريا التي تجاوزت 80%، وأضافة لكل ذلك فقد عملت على اعداد ملازم خاصة بالأمتحانات الوزارية احتوت على مجموعة الأسئلة والأجوبة لتسهيل فهم المادة. لم يمر عملي هذا دون التفات الأدارة والمسؤلين في وزارة التربية حيث حصلت على الكثير من كتب التقدير والشكر، لابل ان وزارة التربية قد اختارتني لكي اكون (النموذج) في تطبيق ثلاثة طرق لتدريس الصف الثاني متوسط، اذ كان اساس اطروحة وبحث شهادة الماجستير للأستاذ (حربي رمضان هلال) من جامعة الموصل. ومن الطريف ان اذكر بأني تلقيت مكالمة هاتفية في أحد الأيام من( د. حميد صالح) استاذ مادة التأريخ في جامعة الموصل اذ قال لي: (انت أول من اريد ان ابشره بحصولي على شهادة الدكتوراه) وهذا تقدير كبير لي يجعلني أشعر بالفخر لما قدمته لتلاميذي.
مع ان طموحات الأنسان لاحدود لها وتبقى عائمة في الفضاء حتى يقرر الأنسان ويختار الطريق الفاصل لمستقبله المهني، فبالحقيقية وحينما يتعلق الأمر بي شخصيا، فان الفضل في اختياري سـلك التعليم يعود اصلا الى تأثري الكبير
بشخصية شـقيقتي الأكبر مني (الست لبيبة) التي سبقتني لهذا السك الرائع، ووجدت حينها الطريق اكثر سهولة نتيجة لنصائحا وأرشاداتها لي كأخ، هذا اولا، والشئ الثاني هو شعوري بالمسؤلية تجاه ابناء بلدي وضرورة ان اكون عنصر ايجابي في تطوير مجتمعنا العراقي.
ورغم ان الأيام اخذتنا بعيدا، لكني لن انسى ولعي وتشجيعي الكبيرين ل (فريق تلكيف لكرة القدم)، والأنسان الرائع الذي غرس فينا حب الرياضة المرحوم (الأستاذ ضياء يونس) كلها ذكريات لا تنسى ابدا، على اني ما زلت احتفظ ببعضا من هواياتي وخاصة في حقل القرأة، اذ ما زلت اهوى الأدب بصورة عامة، والشعر خاصة، اضافة الى قرأة الكتب المهتمة بالتأريخ.
ومع اقتراب هذا اللقاء من نهايته، فأني اتمنى لوطني الغالي الكثير الكثير، وربما تأتي في مقدمتها امنية الأمن والأمان والعيش بأخاء بين كل مكونات البلد، اما لأبناء شعبي المسيحي، فأني اتضرع وأصلي ان يعيشوا بأمان في بلدهم، وأن يكونوا متكافئين مع غيرهم من المكونات، وأن يحق لهم ما يحق لغيرهم، فهم اصلا ابناء هذا الوطن وملحـه الذي يحفظه من الخراب والتسوس.أحبك يا وطني الغالي.
********* *********** ********** ***************
المدرس أنور جورج يوسف بوغوص
من مواليد قضاء حديثة التابع لمحافظة الأنبار في العام 1956، متزوج من السيدة منى صبيح حنا ولهم ولد وبنت .
لم تمض فترة طويلة حتى انتقلت العائلة الى بغداد، وهناك اخذوني لدراسة الأبتدائية الى،
1- (مدرسة الطفل الأهلية) في منطقة الدورة وبعدها الى،
2- متوسطة (ثانوية الفادي الأهلية) في منطقة الدورة ايضا ، وبعد ان اكملتها انتقلت الى،
3- (اعدادية النهضة) في مدينة بغداد، وعندما اتممت امتحانات ابكالوريا قبلت في،
4- الجامعة التكنلوجية/ قسـم المدرسين الصناعيين – فرع الكهرباء – حيث انهيتها في العام 1982، وبعدها جرى تسويقنا للخدمة الألزامية حتى العام 1986، ونظرا لخضوعنا للتعين المركزي فقد وضعت في قسم (التعليم المهني) اذ جرى تنسيبي أول الأمر الى،
1- (اعدادية بغداد المهنية) والتي كانت تقع في منطقة (بزازيز الفضيلية – طريق بعقوبة القديم) بين الأعوام 86 – 1990 بعدها نقلت الى،
2- (اعدادية 17 تموز الصناعية) والتي كانت تقع في نفس المنطقة حتى العام 1996، ثم جرى اعادتي مجددا الى،
3- (اعدادية بغداد المهنية) للأعوام 96-2005، جرى بعدها منحي مسؤلية اضافية ونقلي الى،
4- مديرا في (اعدادية المثنى الصناعية) في منطقة زيونة للأعوام 2005- 2010 ، اذ غادرت بعدها العراق نظرا لتردي الأوضاع الأمنية والأقتصادية ولحرصي على سلامة عائلتي.
مازلت ذاكرتي طرية وتحمل العديد من اسماء التربوين والمدرسين الذين اخذوا بيدي وتعلمت منهم الكثير من الذي صرت اطبقه لاحقا وأنا اقوم بالدور الذي قاموا به معي، التدريس. ويحضرني في (مدرسة الطفل الأهلية الأبتدائية) المربي (سالم ميخائيل) الذي درسنا مادة العلوم، والمربي (سامي يوسف )الذي درسنا مادة الأجتماعيات. اما في المتوسطة فكان الأستاذ (سليم كثير الصكَر) مدرس مادة اللغة الأنكليزية، وفي الأعدادية كان طريقة تدريس الأستاذ (حسين رزق – مصري الجنسية) رائعة جدا وتأثرت بها كثيرا.
على اني اقمت علاقات طيبة مع العديد من الأساتذة الذين تشرفت بمزاملتهم في الهيئات التدريسية التي مررت بها وأذكر منهم الأستاذ (احمد عبد الحسين) مدرس الرياضيات الذي كان من سكنة مدينة بعقوبة، و مدرس مادة الرياضيات السيد (سمير بطرس كجو)، وأخيرا تحضرني بألم ذكرى الأستاذ (رياض يونس علي) مدرس مادة الكهرباء الذي استشهد بأنفجار . وبالعودة الى فكرة سلك التدريس، فبالحقيقة لم تكن تلك رغبتي، لكن ظروف البلد هي التي دفعتني لذلك، لكن بعد مرور قليلا من الوقت صرت أحب هذه المهنة وتعلقت بها وبالطلاب والهيئات التدريسية ايضا، وقد تكون لنصائح (خالتي) وتأثري بها دورا كبيرا ، اضافة الى تأثري وتشجيع خالي (المهندس آكوب يوسف مالو)، مما سـهّل مهمتي لاحقا.
لاشك بأن غصّة كبيرة تخنقني كلما اتابع اخبار البلد والأنفجارات والخراب الذي حل بالبنى التحية والناس، الا اني انظر لنفسي ايضا وأشعر براحة الضمير للطريقة التي اديت بها مهمتي كمدرس او كمدير لاحقا، اذ مازلت اتذكر جيدا بأني استمريت بالدوام في السنوات السبع الأولى بلا (اجازة مرضية) وكنت مواضبا، كما اني عملت بكل جهدي لأفهام تلاميذي مادة (العلوم الصناعية) الصعبة، وتقريبها الى ذهنهم للدرجة التي وصل الحد الأدنى من نسبة النجاح بين طلابي 75%، ويسعدني كثيرا حينما كنت اصادف بعضا منهم وقد اصبحوا عمالاً فنيين أو قد اكملوا المعاهد الصناعية او حتى انتسـبوا للكليات او حصلوا على الدراسات العليا. ووقد كان من نتائج حرصي في عملي أن تم
ترشيحي لدورة (استخدام وسائل الأيضاح الألكتروني) في جمهورية مصر العربية لمدة 15 يوما ، اذ اعتبرتها تثمينا لأخلاصي في العمل، كما انها فتحت امامي ابوابا جديدة في استخدام وسائل الأيضاح الحديثة، وهذه اتصورها واحدة من اساليب تطوير طرقنا التدريسية اضافة الى تطوير المناهج وأدخال المختبرات والتطبيقات العملية بشكل اكبر في المناهج.
لم يكن قرار مغادرة العراق سهلا عليّ ابدا، انا الذي لم اعرف بلدا غيره، ولا ناسا غير ناسه، وكان الأصعب هو فترة انتظاري لمدة عامان في الأردن بلا عمل انا وعائلتي ، بأنتظار مصير غير واضح المعالم، وحتى بعد وصولي للولايات المتحدة، وشعوري بالأمان النسبي انا والعائلة، لكن مازالت مهمة التجانس وتعلم اللغة الجديدة وأيجاد فرصة للعمل من المهام غير اليسيرة، آمل ان اتجاوزها لأنطلق وبروحية متفائلة للأيام القادمة. وبالحقيقة، ان الأنسان يفقد الكثير حينما يبدل الأوطان، ان كان في الناس او الأماكن او العادات، لكني خسرت ايضا احلى هواياتي الا وهي متابعة كرة القدم وفريقي المفضل (نادي الطلبة) ومدربهم يحى علوان، وذكرى المشاهير دوكلص عزيز وباسل مهدي، كما افتقد هوايتي المحببة ايضا في الرسم، حتى ولو كان بسيطا. وهناك حقيقة لاحظتها في هذا البلد وهي المستوى الراقي لمدارسهم وبنايتها ومناهجهم وأسلوب التدريس الذي يعتمد على المختبرات والتطبيقات العملية لدرجة تقرّب المادة من ذهن التلميذ وتجعله يتعلق بها أكثر ، وبالحقيقة كانت بالنسبة لي صدمة كبيرة وأنا اصحب ابنتي الى مدرستها المتوسطة!
لوطني الغالي أتمنى ان يعود كما كان، موحدا ، بلا فوارق بين الناس والأديان والقوميات، بل ان يكون العراق هو خيمة الجميع التي يتفيأ بها .