23 ديسمبر، 2024 12:21 ص

مـربّون في الذاكرة الحلقة (16)

مـربّون في الذاكرة الحلقة (16)

رحلة مع بناة الأنسان العراقي

لأنهم جبلوا بالمحبة، فأن قلوبهم اتسـعت لأحلام تلاميذهم، صغيرة كانت ام كبيرة. وإذ تسير السنين، ويكبر الطلاب، ويمضوا في مشوار العلم والمعرفة، فأن نبضات تلك اللبنة الأولى تبقى حاضرة عند الكثيرين. لقد تقلد معظم من مّر علينا من تربويين منزلة لا تقل عن منزلة الأب او الأخ الكبير، فظّل ذاك (الحبل السـري) حاضرا كلما التقينا بأحدهم يطمئن احدنا على الآخر. ولأنهم قاموا بواجبهم على احسن وجه، فقد جاء يومنا ان نرد لهم قليلا من مما قدموه لنا ممزوجا بالمحبة والتقدير والأعتزاز، وأمنيات بالصحة ورحمات لمن غادرونا. ان لم يكن موقفنا منهم واجبا، فأنه يبقى تعبيرا عن ثقافتنا وأنسانيتا، خاصة مع الذين منحونا الكثير، وفي مثل هذه الأيام التعسة التي تمر على الوطن الغالي، يبقى تكريمنا وذكرنا لهم وساما نفتخر نحن فيه قبلهم.

هذه رحلة جديدة مع قناديل اخرى، آمل ان تروق لكم.

*************** *************** ************* ***********

المدرس جورج انطون حنا يلدو

من مواليد مدينة ( دهوك) في العام 1938، وتحديدا في (محلة النصارى)، متزوج من السيدة سـلوى يوسف منصور كتولا، ولهم ثلاثة بنين و ثلاثة احفاد.

درس الأبتدائية والمتوسـطة والثانوية في (دهوك) وتخرج عام 1956، ثم تقدم بالطلب لكلية الزراعة، بمدينة (ابو غريب) في العاصمة بغداد، وتخصص في فرع (علوم نباتية) وتخرج منها عام 1961. أدى خدمته العسكرية برتبة ظابط احتياط (آلي) وخدم في الدورة 16 ونال تسـريحه عام 1964. حصل على توظيفه الأول في،

1- (ثانوية دهوك) ولمدة 3 سنوات مدرسـا لكلتا المرحلتين، المتوسطة والأعدادية ثم انتقل الى،

2- (ثانوية تلكيف) لمدة سـنة واحدة مدرسـا لمادتي الكيمياء والبايولوجي، بعدها نقل الى

3- (متوسطة المأمون) في محافظة البصرة، ومنطقة 5 ميل، ثم نقل الى

4- (اعدادية المعقل) بمحافظة البصرة / منطقة المعقل حيث خدم لمدة 3 سنوات ثم انتقل الى العاصمة في،

5- (اعدادية الجمهورية) الكائنة في بغداد الجديدة / حي المعلمين حيث خدم ما بين 1979 – 1993 اي لمدة (14) عاما متواصلة حتى استحق التقاعد. بعدها انغمر في الأعمال الحرة حتى مغادرته العراق مهاجرا نهاية 1994 ووصوله مدينة ديترويت، ملتحقا بباقي اعضاء عائلته وجمع كبير من المعارف والأصدقاء. ومنذ وصوله الولايات المتحدة انصب معظم اهتمامه على دعم الأسرة وخدمتها، وأيصال ابنائه الى المستويات اللائقة في المجتمع من اجل خدمة الجالية، لابل وخدمة كل الناس في هذه المدينة.

تعود السنين وذكرياتهاها الحلوة (التي ربما لن تتكرر) بالأستاذ جورج يلدو الى ايام الجامعة والأستاذ د. سليم جابرو في (كلية الزراعة) والذي كان يضطلع بمسؤلية الأشراف على مهرجانات الكلية ، اضافة الى تقلده منصب (رئيس قسم المحاصيل الزراعية) ويصفه بأنه كان استاذا طيبا ومحترما وذو حضور بهي ومؤثر عند الطلبة، اما بعد توظيفه وأستلامه مسؤلية التدريس يقول (المدرس جورج) بأنه مازال يحمل ذكريات حلوة لصحبته مع بقية المدرسين في ثانوية تلكيف ومنهم، المدرس كَوركَيس كَسـّو، المرحوم جرجيس زورا – مدرس الرياضيات – حنا كُمـّةَ، حبيب نجار، صليوا حمـّو، اما في البصرة فأتذكر الأخوة والمدرسين صباح يلدو، و جرجيس (ابو عمار) مدرس مادة الأجتماعيات، وغانم بجي. وتبقى (اعدادية الجمهورية – في بغداد) اكثر تلك المحطات تأثيرا بي وبصداقاتي مع الهيئات التدريسية، والتي حرصت على ان تكون طيبة وعابرة للأنانية والمصالح، وهكذا نشأت فيما بيننا العلاقات الطيبة، ولعلي أذكر بعضها: (أكرم عزيزة – الكيمياء/ صباح كساب/ جرجيس شـيخو/ حميد كجو/ منذر بطرس) كلهم وغيرهم أخوة وأحبة اعزاء على قلبي، وأتمنى دائما ان يرفلوا بالصحة والعافية لمن هم أحياء، وأن ينعموا بالرحمات لمن غادرونا بسـلام.

ان تعلقي بمادة (الكيمياء – اضافة للدروس العلمية الأخرى) يقول الأستاذ جورج كان شيئا متميزا وترك بصماته منذ ان كنت طالبا في الثانوية، ووجد انعكاساته في الكلية وأثناء تأديتي مهنتي كمدرس. فحبي لها جعلني متميزا في الثانوية، وفي كلية الزراعة يشرفني ان اكون من ضمن العشرة الأوائل الذي تخرجوا ونلت مرتبة (شرف) اذ جاء ترتيبي 8/78 في عدد طلاب دورتنا المتخرجين. وبالحقيقة (يكمل المدرس جورج) ان مادة الكيمياء يمكن ان تكون

(أسهل مادة أو أصعب مادة ايضا) وبالعموم تعتمد على اساس تدريسها في المتوسطة، فأن كان سليما، فأن ذلك يسهّل مهمة الأستاذ والطالب لاحقا. ورغم تنقلاتي الكثيرة وعدم توفر الفرصة الكاملة لي لكي اضع اساسا صلبا عند كل الطلبة الذين درستهم، لكني عملت بجد وأخلاص في كل المدارس، ومع كل التلاميذ، ووضعت منهاجا منحني الفرصة لكي آخذهم الى (المختبر) على الأقل مرة في الأسبوع، لأن ذلك يقربهم من الواقع العملي لدراسة مادة الكيمياء، وقد عملت (ملازم توضيحية) لتسهيل الشروحات لهم، ولم اترك فرصة او مجالا الا وكنت مع الطلبة اشرح لهم وأقدم النصح والتوجيهات ولعلني اذكر بأن نسبة النجاح في صفوفي لأمتحانات البكلوريا قد كانت 84% – 94% اما بالنسبة للصفوف الأخرى فمعدلها لم يقل عن 80%، ونتيجة لجهدي المتميز فقد حصلت على كتب شكر كثيرة من وزارة التربية، تثمينا وتقديرا للنتائج التي حصل عليها تلاميذي، وخدماتي ونشاطاتي في المدرسة، وخاصة في مجال المعارض العلمية التي كنا نشارك بها على مستوى المحافظة.

اقضي معظم اوقاتي الآن مع زوجتي والأحفاد، وبين متابعة الأخبار ومطالعة الكتب السياسية والعلمية، كما وأني امنح وقتا جيدا لتقديم الخدمات في كنيستنا الكلدانية، هذا اضافة للتواصل الأجتماعي مع زملائي الأساتذة والكثير من الذين درسوني ايضا حيث احضى بمشاهدتهم والسلام عليهم كلما حانت الفرصة لذلك.

اما للوطن الغالي، فأني اتمنى ان يعود اهله كما كانوا على عهدهم بالمحبة والأخاء والتعاون، وأن تمحى الى الأبد هذه العقلية الأقصائية السوداء التي جاء ت لتفرق بين ابناء البلد بأديانهم وطوائفهم وقومايتهم، وأن يحكم البلد حاكم نزيه ومخلص وكفوء ووطني، اذ ان مانراه الآن يدمي القلب، فكيف بالناس التي تعيش هناك؟

*************** *************** ************* ***********

المدرســة ســعاد نعمـو بطـي

ولدت في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1940 وفي محلة (مار تشموني).

كانت اولى خطواتها في عالم المعرفة بالدخول الى،

1- (مدرسة الراهبات الأبتدائية) في مدينة تلكيف، وقد قامت العائلة لاحقا بالأنتقال الى بغداد فسجلت في ،

2- (متوسطة البتاوين) ولمدة سنة واحدة، وكانت معفية في كل الدروس، ثم عادت العائلة الى مدينة تلكيف، فأكملت الثاني والثالث متوسط في،

3- (متوسطة تلكيف للبنات) بعدها دخلت الثانوية في،

4- (ثانوية تلكيف المختلطة) اذ كنّ 7 بنات في الفرع العلمي، و 7 بنات في الفرع الأدبي، وتتذكر جيدا كيف كانت المدرسة تجلســهم في الكراسي الخلفية في الصف ، فيما الأولاد يحتلون الكراسي الأمامية، وكيف ان بعضهم كان كبير الجسم مما يحجب حتى الرؤيا السليمة للتلميذات، لكن الأصرار على العلم والدراسة كان سيد الموقف آنذاك!

انهت الثانوية عام 1965، والتحقت في ذات العام ب

5- (كلية التربية/ جامعة بغداد – قســـم الكيمياء) حيث تخرجت عام 1969.

لأن ظروف البلد والتعينات لم تكن طبيعية آنذاك – تقول الست سعاد – اضطررت للبقاء سنتين دون عمل عن ان اتقاضى مبلغ (3 دنانير و 750 فلسا في الشهر) المرتب الشهري للمعلمين والمدرسين والجنود آنذاك، وهذا لعمري لم يكن يكفي حتى للمواصلات! وبعد ان تبدلت الأوضاع قليلا، تقدمت للتوظيف وظهر اسمي عام 1971 في،

1- (متوسطة 11 آذار ) في مدينة خانقين ولمدة 3 سنوات، مدرسة لمادة الكيمياء للصفوف الأول والثاني والثالث متوسط، وأضافة لهذه المدرسة فقد نسبت ايضا الى،

2- (ثانوية خانقين) ولمدة 6 أشهر لحين ملء الشاغر بمدرس جديد، بعدها نقلت الى

3- (متوسطة الهويدر للبنات) في منطقة الهويدر بمحافظة ديالى ولمدة 3 سنوات ايضا.

في ذلك العام قررت عائلتي الهجرة الى الولايات المتحدة والألتحاق بباقي الأسرة والأهل (مع حزني الكبير لهذا القرار وشعوري بالألم لبعض تلميذاتي اللواتي كن مكملات وينتظرن الدور الثاني! لكن للضرورات احكام كما يقول المثل. بعد وصولي ولاية مشيكان، ذهبت مباشرة الى مؤسسة معادلة الشهادات وحصلت على ما اردت، ورافقها ايضا التحاقي بجامعة (وين ستيت يونيفيرستي) وحصولي على شهادتي ماجستير (ماستر ديكري) الأولى في (دراسة اللغة لغرض التربية والتعليم) والثانية في (التعليم لذوي الأحتياجات الخاصة والصعوبات) وهاتان الشهادتان كانتا عامل مساعد لأكمال مهنتي التعليمية في هذا البلد. تقدمت بعد ذلك للتدريس وكانت اولى خطواتي في،

1- (متوسطة نولين – نولين ميدل سكول) في مدينة ديترويت ابتداءا منذ العام 2198 ولمدة 11 عاما وفي مادة الكيمياء ايضا، ثم اصبحت مدرسة (عائمة) لمدة عامان،

2- ( 1993-1995) مدرسة في 7 مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية حتى طلبت تثبيت ملاكي فكان في

3- (متوسطة كليفلاند – كليفلاند ميدل سكول) في مدينة ديترويت بين الأعوام 1995 – 2001 وأستحققت التقاعد بعد ان امضيت (6 سنوات خدمة في مدارس العراق و 24 سنة خدمة في مدارس ديترويت).

بعد التقاعد، قمت بتخصيص جزء من وقتي للعمل الطوعي في تعليم (اللغة السريانية – الآرامية) للمبتدئين في الصفوف التي هيئتها الكنيسة الكلدانية هنا (لمدة عامان)، كما توجهت للدراسات الدينية اشباعا لرغبتي في المعرفة ، قمت بدراسة اللاهوت المسيحي لمدة عامان عبر مؤسسة (اي سي آر سي) وسنة واحدة في دراسة تأريخ العهد القديم من الكتاب المقدس، هذا اضافة بالطبع الى هواياتي في القرأة والمتابعة والسفر (خاصة للمواقع المقدسة). وفي باب الهوايات فأني اهوى كتابة (الشعر) والخواطر وكلمات الرثاء بحق الأعزاء الذين يرحلون، وقد مر ت علّي تجربة جميلة تركت آثاراها ، اذ كنت في زيارة للعراق في العام 1988، وكنت قد شاهدت (رؤيا) بأن الحرب ستتوقف في اليوم والشهر المحددين، وفعلا شهدت ذلك وأنا في العراق مساء الثامن من آب 1988، حينما اعلن عن وقف الحرب، فاشتعلت سماء العراق بالعيارات النارية والألعاب الضوئية ابتهاجا بذلك الحدث، وأتذكر بأني كتبت حينها (مئات الأبيات الشعرية) عن الحرب وتلك اللحظات الجميلة أسميتها (ملحمة الحرب العراقية الأيرانية).

قد يمر الأنسان احيانا بحوادث من الممكن ان تغير كل نهج حياته، وما جرى لي لم يكن اقل من ذلك، ففي البدء كانت هناك رغبة جامحة تمتلكني للذهاب الى سلك التعليم، رغم ان معدلي العام في امتحانات البكلوريا كان يؤهلني للجامعات الأعلى الأخرى، لكني آثرت سلك التدريس، وقد تكون لمدرساتي دورا في ذلك، اضافة لطموحاتنا (نحن الفتيات) بأن نظهر بملابس جميلة وأنيقة، وأن تكون لنا منزلة متميزة في المجتمع (استاذة!)، وما جرى بعد الصف الأول في كلية التربية والذي كان (عاماً) بكل الفروع، فاني اخترت (قسم الرياضيات) مع بداية الصف الثاني، ولم تمض سوى ايام قلائل حتى امطرت صفي مجموعة من صديقاتي اللواتي كن قد سجلن في (قسم الكيمياء) وقالو لي بالحرف الواحد: ماذا تفعلين هنا في قسم الرياضيات، انت مكانك معنا في قسم الكيمياء! وهكذا اصبحت الكيمياء وتدريسها جزء من حياتي للسنين التي تلت، ولو صدقت بعض الأحلام، فأني اتمنى ان يصل سلامي هذا للبعض الذي مازلت اتذكر اسمائهن ( عطية العباسي، هيفاء العاني و لمى البياتي).

ولأننا بشر، نعيش متأثرين ومؤثرين بناسنا ومحيطنا، فأن مجموعة من الأسماء بقت عالقة ومحط محبة وأعجاب دائم، اتذكرهم بأستمرار، وأترحم على الذين غادرونا بسلام وأتمنى للذين مازالوا على قيد الحياة كل الصحة والسلامة والسعادة، ففي مدرسة الراهبات الأبتدائية في تلكيف : (ماسـير بيّا – الأنكليزية/ ماسير أغنيسي – العلوم والأحياء/ ماسـير هيا سنت – العربية/ ومديرتنا الغالية ماسير ماري انج)، اما في المتوسطة فكانت (ست أميرة مطلوب – الرياضيات/ ست عالية مطلوب – العلوم والأحياء والكيمياء/ ومديرتنا طيبة الذكر ست منتهى محمود شكر) وفي كلية التربية كانت الصورة تكرر نفسها في المدرسات والمدرسين الرائعين ومنهم: ( ست نورية – الكيمياء التحليلية/ سـت حسيبة – الكيمياء العضوية/ و استاذ فوزي – الكيمياء الفيزياوية).

وقد تكون فترة التدريس واحدة من المحطات الجميلة جدا والتي تركت اثرا ونكهة مازال طعمها الحلو لليوم. ففي (مدينة خانقين) كان عندنا بيت المدرسات، وكنّا 7، وقامت بيننا علاقات جميلة (لم نسأل عن الديانة او القومية او المذهب او الطائفة!) كنّا مدرسات عراقيات، وهذا اكبر شئ! وقد أجمعن كلهن على الموقف التالي : (( كلشـي انسـوي بالبيت الج، بس انتي اطبخي النه!)) لأنهم كانوا معجبات بطبخي، وأتذكر بعضهن ( ست ســهاد عبد الحسين/ سـت رسـمية الجلبي/ ست وسن عبدالرزاق أسود/ ست ربيعة الهنداوي/ وست مريم فخر الدين – البصراوية) وتتكرر الصداقات في (مدرسة الهويدر) ايضا وأضم الى قائمتي اسماء صديقات جدد اتذكر منهن: (ست وديعة بهنام/ ست فائقة الجبوري/ وسـت مكارم).

لم يكن عجيبا ان يكون (طبخي) لذيذا على مذاق زميلاتي المدرسات، فقد نشأت في بيت كنا 11 أخا وأختا وكنت اساعد والدتي كثيرا في تمشية امور البيت، والمحافظة في نفس الوقت على الدرجات العالية في المدرسة، ويشرفني القول بأني عملت جاهدة على بناء شخصيتي وتدعيمها بالثقافة والمعرفة والعلم، وأنا فخورة بمسيرتي، وتكبر فرحتي كلما اصادف تلميذاتي، في المناسبات او الأماكن العامة، وهن يلقين التحية الحارة الممزوجة بالمحبة (هاي مسسز بطي!) فقد عملت جاهدة على مساعدة التلاميذ والتلميذات، وكنت لهم مثل الأخت الكبير أو الأم احيانا، ولأني كنت اسعى بكل امكانياتي الى تقريب (مادة الكيمياء) وتطبيقاتها من حياتهم، ويبدو اني كنت موفقة بذلك، فقد بلغت نسبة النجاح عندي بحدود 80 – 85% وهذه نسبة مشرفة. اما بالمقارنة بين مدارس العراق ومدارس ديترويت، فأن المستوى التطبيقي والمناهج والمختبرات هنا افضل بكثير، لكن ما ينقصهم في هذا البلد هو انضباط الطلبة وأحترامهم للهيئات التدريسية ولمجمل العملية، التي تبدو احيانا سائبة وغير منضبطة، لا كما كانت في عهدنا بالعراق، ولا اعلم كيف هي الآن ايضا!

للوطن الغالي اتمنى: ان يعود كما كان، وأحلم ان يأتي يوم وأزوره، وألتقي بصديقاتي ومدرساتي اللواتي تقاسمنا ايام الكلية والتدريس سوية. اتمنى ان يسود السلم وتزدهر ايامهم من جديد، وبالحقيقة اني (وكل جاليتنا) متأثرين بما يجري، ونرفع يدنا بالدعاء ونصلي ان تمضي هذه الأيام ويعيش اهلنا بالخير والسلام، وحتما ستفرج عليهم، ويعيشوا حياة كريمة وبحرية كاملة، حياة مزدهرة تليق بهم.

*************** *************** ************* **********

المدرس مســعود عبو يوسف القس بريخو

من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1950 وفي محلة (يلدا)، متزوج من السيدة إنعام انطون أسـمر ولهم ثلاثة بنين .

لم يختلف كثيرا عن اقرانه حينما اخذه والداه عبو بريخو و مريم نعمو عطار وأدخلاه الى دار العلم في،

1- (مدرسة العرفان الأبتدائية) في تلكيف وكان من التلاميذ المتفوقين دخل بعدها الى،

2- (ثانوية تلكيف) والتي تخرج منها في العام 1966 حاصلا على الترتيب الثاني في النتائج النهائية، ورغم ان معدله العام كان يسمح له ان يدخل كلية الطب او الهندسة، الا انه آثر ان يدرس علم الفيزياء من منابعه الأصيلة، فتقدم الى

3- (كلية التربية – قسم الفيزياء/ جامعة بغداد)، ومن المفارقات ان يكون تسلسله بالقبول الثالث من أصل 0100 طالب. تخرج من كلية التربية في العام 1971، وفي دورته كان ترتيبه السابع على الدورة، والفضل يعود الى اجتهاده وحبه الكبير للفيزياء، اضافة لما يتصف به الأنسان من ذكاء وجدية. كان أول تنسيب له في،

1- (متوسطة تلسقف) مدرسا لمادتي الفيزياء والرياضيات، ولم تمض سنة على ذلك، حتى استدعي لخدمة العالم، اذ نسب مدرسا للفيزياء في الكلية العسكرية /قسم الكهرباء، للدورات 55، 56 و 57 وبعدما سرح من الخدمة الألزامية عاد الى وظيفته مجددا وفي

2- (متوسطة تلسقف) ايضا، وفي العام 1977 طلب نقله، فتم ذلك الى

3- (ثانوية تلكيف) اذ كلف بتدريس مادة الفيزياء لكل المراحل، وفي العام 1979 طلب نقله الى بغداد فنسب الى

4- (متوسطة العرفان) بمنطقة الكرادة، ولم تمض 6 شهور حتى قرر المشرف التربوي (السيد سليم زويلف) نقله الى

5- (اعدادية ابن حيان)، تثمينا لكفائته وأمكانياته العالية في التدريس، وفي عام 1985 طلب نقله الى

6- (اعدادية النضال للبنين) والتي تعتبر ثاني افضل اعدادية بعد المركزية وخدم فيها حتى العام 1993 حيث استحق التقاعد. ولم يكن ليجلس في البيت، او يقضي اوقاته بالراحة بعد التقاعد، بل انغمر في الأعمال الحرة من اجل اعالة أسرته وأفراد عائلته ايضا.

لم تمض الأحوال كما كان يتمناها ويحلم بها مثله مثل باقي العراقيين، لكن حدث العكس تماما، اذ تعرض (عمله) الى تفجير ارهابي اتى على كل محتوياته، وسقط فيه قتلى وجرحى، بعد تلك الحادثة، كان عليه ان يفكر مليا بسلامته وسلامة أسرته، فأضطر الى مغادرة الوطن وركوب الغربة عام 2004، حتى أستقر به الحال في الولايات المتحدة، وبالذات مدينة ديترويت، التي تضم نخبة طيبة من أهله وأقربائه وأصدقائه ايضا.

عن ولعه بالفيزياء وبالعملية التدريسية يقول الأستاذ “مسعود بريخو”: لم يكن لي ان أعرف حجم فهمي للمادة وتعلقي بها قبل ان ادخل المعترك الحقيقي في المنافسة، ايام الدراسة الجامعية، وما حصولي على المركز السابع من بين الخريجين الا وساما وتقديرا لذلك، على ان هذا الشغف اردت ان اترجمه في حياتي القادمة للتلاميذ، وأن اجعل من (الفيزياء) مادة حلوة ومقبولة يقدم عليها الطلبة دون تردد، ولعلي اقول اني كنت موفقا بذلك، وأنا (فرحان) ايما فرح، ويمكن الأستدلال من رأي المشرفين التربوين بي وبأسلوبي وأختياري “افضل مدرس فيزياء في العاصمة بغداد عام 1985” ومنحي جائزة لذلك وجوائز تقديرية أخرى في مناسبات مختلفة، أو من خلال النتائج التي كنت احصل عليها في الأمتحانات النهائية والتي لم تنخفض عن 90%، هذا اضافة الى تشجيعي التلاميذ في مسابقة (معرض الأجهزة العلمية) وحصولنا على المرتبة الأولى ببغداد اثناء تدريسي في اعدادية النضال بالسنك! ومنحنا جوائز عديدة من قبل دائرة الأشراف التربوي ومديرية تربية بغداد، ومن المهم ان اذكر، بأنه واثناء دوامي مدرسا في ثانوية تلكيف ولمدة سنة واحدة، أشعر بالفخر بأني تمكنت من ( بناء وتأثيث) أول مختبر للفيزياء في ثانوية المدينة عام 1979، لكن يعتريني الألم حينما اتذكر، بأني عدت وزرته عام 2012 اثناء رحلتي للعراق، فوجدته كما كان قبل أكثر من 30 عاما، لكن بفارق وحيد، حيث ان التراب قد اعتلى وغطى كل الأجهزة (اي ان احدا لم يقم بأستخدامه اصلا)، ولا ادري اليوم ان كان قد سلم هذا المختبر ام لا بعد سقوط مدينتنا الجميلة (تلكيف) بيد الأرهابيين الداعشيين وأعوانهم من خونة الجيرة والعيش المشترك، من بعض (العرب) الذين قاسمونا المعيشة لعشرات السنين، وأنقلبوا الى ذئاب، حالما هاجم مدينتنا ذئاب داعش الأصليين!

لا يخفي المدرس مسعود بريخو عن(الم) عاش معه وعايشه لعشرات السنين يتجلى في حرمانه من فرصة (او فرص) للتقدم العلمي والصعود في سلم الأبداع من خلال الأيفادات او التأهيل للدراسات العليا، فيما كان شاهدا عن مجموعة من الفاشلين، الذين حصلوا على الترقيات او الأيفادات او الدراسات العليا، ليس لمعرفتهم او شغفهم بالفيزياء، بل فقط لأنهم انتهازيين بأمتياز وكونهم كانوا (بعثيين)، وهذه للأسف كانت سمة سائدة لمرحلة، اتتنا أسوء منها الآن ايضا، لكنه (يؤكد القول) ان للحياة قوانينها ومكافئاتها لكل مخلص ومبدع وغيور على ناسه وشعبه، فما حرمتني منه الأنظمة السابقة، عاد لي بالفرح اطنانا وأطنان من خلال المسيرة الدراسية المظفرة لأبنائي، الذين ارتقوا سلما عاليا في الحقل العلمي لخدمة عامة الناس، ومن يدري مستقبلا، ربما لخدمة البشرية!

للسيد (مسعود بريخو) اهتمامات متنوعة، سياسية وثقافية وقومية وحتى خدمية، تجلت منذ ان كان شابا في الجامعة، حيث كان عضوا نشطا في جمعية الفيزياء والرياضيات، وجمعية الفضاء العراقية التي كان يرأسها د. عبدالعظيم السبتي، وفي اثناء سني خدمته التدريسية وخاصة حينما خدم في مدينته (تلكيف) ، فأنه نشط في تأسيس (جمعية اسكان تلكيف) وبالتعاون مع الأخوة من القوش، أسسوا (جمعية اسكان القوش) وذلك لتشجيع ابناء تلك المدن وخاصة من (الموظفين) على شراء الأراضي التي توفرها الجمعية، بغية تشجيع الناس للتعلق أكثر بمدنها، ولسد الطريق امام مشاريع (السلطة) التي كانت تخطط للتغيرات الديموغرافية في مدن سهل نينوى تحديدا، لكن للأسف، فأن المشروع لم ينجح! اما على الصعيد السياسي والقومي، فانه نشط في هذا الحقل ومنذ العام 2004، وبعد وصوله ديترويت، فقد سخر الكثير من وقته وخبرته لخدمة الحقوق العادلة للشعب (الكلداني السرياني الآشوري) في موطن وأرض آبائه وأجداده، ومنذ العام 2013 فأنه يشغل مركز نائب رئيس (اتحاد سورايا القومي) الذي انبثق من رحم المجلس الكلدوآشوري السرياني، هذا اضافة الى شغله منصب سكرتير تحرير (مجلة حمورابي – تصدر منذ عام 2006 في ديترويت) وتعني بشؤون الثقافة والتراث وتأريخ الشعب (الكلداني السرياني الآشوري – سورايا).

رغم مضي وقت طويل، وحوادث كثيرة حالت وتحول دون تواصل الناس، ونهجها طريقا تصاعديا ، لكن لبعض الأسماء بريقا لم تتمكن كل تلك الظروف من تغييبها او محوها من سجل الناس العراقية الطيبة، ذات المعادن الثمينة، وأتذكر (القليل) منهم، وأبعث بسلامي لهم ان كانوا احياءا يرزقون، وبصلواتي وأبتهالاتي لمن رحل عنّا مشفوعة بالتعازي لعوائلهم الكريمة. الأساتذة الكرام: ((جورج أسمر، مدرس الأنكليزية في ثانوية تلكيف، بديع الدباغ، مدرس الفيزياء في ثانوية تلكيف/ د. رحيم عبد الكتل، استاذ الذرة في كلية التربية، ورئيس لجنة الطاقة الذرية العراقية/ د, خضر عبد العباس، استاذ الذرة في كلية التربية، وأصبح رئيسا ل (لجنة الطاقة الذرية العراقية) بعد إحالة د.رحيم على التقاعد)).

امنياتي للوطن الغالي الخصها بدءاً بأن يحل السلم والأمان على العراقيين، وفيما بينهم، وأن يعود التآخي كما كان ، صادقا ، ومن القلب، وطاردا لكل المنافقين و أعداء العراق المتآخي الموحد، اما لأبناء شعبي، فأتمنى ان تتظافر الجهود (على الأقل في ديترويت) وأن يجري تأسيس مدرسة خاصة لأولادنا، يُدرس فيها نفس المنهج الأمريكي، مضافا اليه دروساٌ باللغة (الكلدانية – السورث – السريانية و الآرامية الحديثة) من اجل الحفاظ عليها وتوارثها بين اجيالنا القادمة .