بصعوبة بالغة استعدت الحدث …
اذن ذلك الذي رأيت لم يكن إلا حادثة المت بي وها انا استعيد لحظات تلك الحادثة فاذكر أني في ذلك الصباح كنت أودي بعض اعمال التنظيف المعتادة في فناء البيت فاذا بي ارى قطة تحمل قط صغير بفهما ودخلت الى السرداب عبر الباب الذي كان مفتوحا فتبعتها وكان في نيتي ان اخلص ذلك الصغير من فمها فما كان منها الا ان هجمت علي وهي تموء بشدة وتصدر صوتا وحشيا مما ادى الى اختلال توازني وسقطت متدحرجة من اعلى دركات السرداب الى اسفله ولم اعد اعي شيئا …
اذن كنت في غياب عن الوعي وايضا كنت اخوض حلما طويلا تتخلله قصص وذكريات …ولكن …عشرة ايام …هل مضى هذا الزمن وانا في هذه الحالة…؟
وهتفت بألم وفي روحي قلق كبير قائلة…؟
امي هل مضت عشرة ايام …؟
اجل …عشرة ايام كنت خلالها في المستشفى واجريت لك الكثير من الفحوصات واخذت الكثير من العلاجات ولم يقصر الكادر الطبي في الاخذ بيدك للشفاء بما بذلوا من جهود كبيرة ولولا ذلك لكنت لم تزالي غير قادرة على استعادة عافيتك ..
ولكن يا امي كيف بالدوام المدرسي خاصة والامتحانات على الابواب ….ان ايام الغياب هذه ستؤثر على معدلي السنوي وكذلك غيابي عن الدروس سيجعلني غير قادرة على استيعاب كل تلك المواد الدراسية التي غبت عن الحضور الصفي لتعلمها ….
نظرت الي نظرة حنو وعطف ومدت اليَّ يدها وامسكت بيدي وهي تبتسم لي قائلة …؟
لقد منحت اجازة مرضية واخبرتنا ادارة المدرسة بانك ستؤدين الامتحانات منفردة بعد انتهاء اجازتك المرضية التي بقي لك منه خمسة ايام …
شعرت براحة كبيرة وان كان القلق يساورني حول امكانية استيعاب تلك المواد التي تغيبت عن الحضور الصفي لشرحها.
هنا سمعنا طرقا على الباب فتوجهت والدتي لمعرفة من الطارق وما لبثت ان عادت ترافقها صديقتي الحميمة (ورود) واسرعت نحوي تعانقني وتقبلني قائلة:
الحمد لله على السلامة …لقد زاد قلقنا وخوفنا عليك …لست وحدي بل جميع صديقاتك ومدرساتك خاصة مدرسة اللغة العربية فانك تعرفين مدى اعتزازها بك ..
الله يسلمكم ويحميكم من كل سوء ….انا اسفة لأنني سببت لكم هذا الخوف وهذا الضيق .
لم تدعني استرسل في حديثي بل قاطعتني قائلة:
لقد افتقدناك وفي اول يومين سألت عنك مدرسة اللغة العربية ولما لم تجد عندنا جوابا عن سبب الغياب طلبت اليَّ الاتصال بك ومعرفة سبب الغياب وقد حاولت الاتصال بك عن طريق الهاتف لكن لم اتلقى رد لذا قررت ان ازورك في البيت ولم اجد والدتك ولكني والحمد لله قابلت شقيقتك الصغيرة واخبرتني انك في المستشفى لذلك قمت بإحضار ورقة الفحص الطبي الخاصة بالمدرسة وتم ختمها من ادرة المدرسة والتي منحت بموجبها الاجازة المرضية المصدقة من قبل مديرية التربية وما كان لنا ان نعرف هذه الإجراءات لولا مدرستك المميزة التي تؤثرك دائما …
هنا انبرت والدتي قائلة:
ايضا اخوك سامح الذي قام بمراجعة المستشفى والمدرسة ومديرية التربية.
ساكون صريحة واخبركم بدهشتي وعجبي من هذه المعلومة التي تقول ان سامح بذل هذا الجهد من اجل ان احصل على الاجازة المرضية …!!!
هتفت صديقتي :
ها …اشوفج صافنه …شكو …بيش اتفكرين …؟
لا…لا…ماكو شي…ماكو غير الخير.
احسست بامتناني الشديد لمدرستي وتمنيت ان تمضي الايام سريعة لأقابلها واشكرها وكذلك جميع مدرساتي وصديقاتي .وايضا شعرت بالامتنان لشقيقي سامح .
هنا اخرجت صديقتي ظرف ورقي وضعت فيه ورقة مطوية تضم عدة سطور مكتوبة تعبر عن التمنيات بالشفاء التام والعودة السريعة الى مقاعد الدراسة وفي ختام تلك السطور اسماء وتواقيع صديقاتي الغاليات ثم ما لبثت صديقتي ان سلمتني صندوقا يضم ورودا واكسسوارات كهدايا مقدمة من الصديقات المخلصات واخيرا انتهت الزيارة بقبل وعناق طويل وهمست في اذني قائلة:
شدي حيلج …كافي دلال …ترة الصف من غيرج كئيب خاصة بدرس العربي…
……………….
لم يبق على انتهاء اجازتي المرضية الا يومين وكنت استعيد عافيتي شيئا فشيئا ورحت اطالع كتبي المدرسية رغم اعتراض والدتي التي تجد في دراستي جهدا ربما يؤثر على صحتي ويؤخر شفائي ولكني كنت اطمئنها بانني اصبحت متعافية وانني في احسن حال .
………………
(في دفتري المدرسي قرأت عبارة كتبها ابي ذات يوم استعدت صورته ناجيته قائلة يا ابي قد طال السفر واشتد الاشتياق فمتى تعود .
يا ابي هل علمت ما اصابني …بالطبع لم تعلم والا ما كنت ستصبر على البعد لابد انك ستعود…يا اغلى الناس …تشتاق اليك ارواحنا وقلوبنا بل ويشتاق اليك كل الذين عرفوك ,طيبا ,صادقا مخلصا في زمن قل فيه المخلصون )…
هذه هي الكلمات التي سجلتها في الورقة الاخيرة من دفتري المدرسي
لم اكتف بهذا بل توجهت الى امي بالسؤال قائلة:
هم خبرتو بابا بالحادث..؟
اجابت :
-لا …لا… خفنه عليه يقلق ويتكدر وهو بالسفر …خطية هسه يجي ويشوفج متعافية احسن ما يظل يتأذة .
– صحيح .
لم ازد على هذه الكلمة واذا بشقيقتي تهتف فرحة :
بابا …بابا…بابا اجة من السفر…!!!
رايته واقفا امامي وقد اكفهر وجهه وتمتم بنبرة قلقة متسائلا:
ها …ها…خير …شنو انتي مريضة… اشصاير…ليش ماخبرتوني؟
ابتسمت لأجعله يشعر بالاطمئنان وقلت:
ماكوشي بابا…حادثة بسيطة …
شنو حادثة بسيطة وانتي بالفراش …شنو اشصاير…؟
نظرت الى امي لتحدثه عما حدث لكن شقيقتي الصغيرة سبقتها وراحت تسهب له بالتفصيل الممل تفاصيل الحدث.
اقترب مني وراح يتأملني يساوره قلق وخوف وسألني:
اكو شي يوجعج …؟
لا …لا…بابا اني بخير الحمد لله .
قال:
الحمد لله.
شعرت انه في قرارة نفسه ليس مطمئنا واكد ذلك الشعور نظراته المتأملة الطويلة اليَّ وكانه يتفحصني مليا ليشعر انني بخير ثم ما لبث ان خرج من الغرفة طالبا الى والدتي مرافقته ومضت فترة من الوقت عادا بعدها الى وكانت امي تبتسم قائلة:
ابوك لم يكن مطمئنا على حالتك الصحية وكان يريد عرضك على الطبيب مجددا لكني اقنعته بانك بخير ولن تحتاجي الى مراجعة الطبيب وهنا قاطعها والدي قائلا:
فكرت ان ذلك افضل وما زلت افكر في هذا فماذا تقولين …؟
انه يوجه السؤال اليَّ ويترك لي الاختيار ولذا وجدتني اجيب سؤاله سريعا قائلة :
لا …لا…بابا اني بخير وبأحسن حال وبعد يومين ارجع لمدرستي …
لم يجب بغير ابتسامة حنون ونظرة رضا وعطف شعرت من خلالهما ان اكبر منَّة َّمنَّ بها الله تعالى علينا هو (أبي) .
في سري رحت ادعو الله تعالى ان يحفظه ويبعد عنه الضر والاذى,بابا سندي في الحياة وبعد الله تعالى ملاذي وحصني.