23 ديسمبر، 2024 12:51 ص

مع مجرى النهر…تمضي الذكريات4

مع مجرى النهر…تمضي الذكريات4

غدا سيسافر ابي …تتوهج المشاعر وتزدحم الافكار المختلفة في مخيلتي …ابي هو الملاذ …هو السند…هو الدفء والحنان.
هل تقوقون لي متسائلين :
واين امك من جميع ذلك ,الدفء والحنان ,الملاذ, السند…؟
نعم هي ام طيبة وتحمل لنا ارقى مراتب الحب والحنان لولا….
لولا … ماذا؟
لولا ضعف شخصيتها ازاء اخويَّ وعملها الدائم على ارضائهما رغم علمها المسبق بأخطائهما حتى انها تحتمل دونهما الاذى راضية وكأن ذلك امر طبيعي من وجهة نظرها فهم الاخوة الكبار قرة الاعين وعماد المستقبل .
أتساءل هل هي محقة في هذا …؟
وعن نفسي اجيب: كلا بل هي تشاركهما الاخطاء ونتائجها ولا ادري ان كنت على صواب او على خطأ لأنها دائما تخبرني بأنني لم ازل صغيرة ولا ادرك حقيقة حب الام .
………………
اعد والدي حقائب السفر واعد لكل شيء عدته وترك لوالدتي مبلغا من المال تتصرف به خلال مدة غيابه فأخذت المال وكانت مطرقة الى الارض وحين رفعت اليه بصرها ادرك انها تريد ان تفضي اليه بما يعتلج في نفسها فهتف بها قائلا:
ها اشتريدن كولي …؟
مرت لحظات التزمت خلالها الصمت ولم تجب لذا وجد ان عليه ان يبين لها علمه بما تريد فقال:
ادري شتردين …تردين اسامح سامح وراجح …؟
اجابت بصوت هادئ وعيناها شاخصتان اليه:
اي هذا هو طلبي 000انته راح اتسافر بالسلامة وميصير ايظلون بيت خالتهم زعلانين.
هو منو زعلهم …من طلعهم من البيت موهمه زعلوا وطلعوا 000شيردون يردون ايفرضون ارادتهم عليه وتردين اسامحهم ….؟
كانت كلماته تحمل غضبا واستنكارا لكنه لم يغلق باب التسامح حين قرر قائلا
اسمعي اذا يردون ايرجعون فهذا البيت بيت ابوهم ومحد طاردهم ..خل يرجعون .
همه ميرجعون وحدهم الا اذا….
لم يتركها تتم عبارتها اذ ارتفع صوته بنبرة غاضبة وقد احمرت عيناه وهو يهز رأسه كمن يبدى علامة رفض قاطع وهو يقول:
اشتردين …؟تردين اروحلهم واراضيهم …نسيتي …نسيتي اشسووا والله لو جنت مربيلي حيوان ماكان ينالني منه اللي شفته منهم..
التزمت جانب الصمت لكنها بدت غير راضية عن موقفه ورفضه ومع ذلك كان لابد لها من ان تجد لمحنتها مخرجا ان لم توفق الان ففي الغد او بعده فربما اشتد امر ما وكان له في يوم آخر يسرا ومخرجا فعللت نفسها بالصبر للخروج من هذه الضائقة فراحت تردد قائلة:
ان بعد اليسر عسرا
لم تجد في نفسها ان تقول غير هذا القول ولذا لم يجد والدي بدا من التزام الصمت هو الاخر وباتا تللك الليلة كل متمسك بموقفه وعند الصباح غادرنا والدي بعد ان طبع على جباهنا قبلته الحنون .
اجل سافر ابي وكان يتلوا دعاء السفر بالإضافة الى الاحتفاظ به كتابة فهو يقول ان ذلك من الله تعالى ومن السنة النبوية فسمعته يردد:
(الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين, وإنا الى ربنا لمنقلبون ,اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى, اللهم انت الصاحب في السفر, والخليفة في الاهل ,اللهم اني أعوذ بك من وعثاء السفر ,وكآبة المنظر ,وسوء المنقلب في المال والاهل)).
ونظرت الى اخي الصغير فرأيته حزينا وهو يردد مع المذياع اغنية ((قولوا لعين الشمس ماتحماشي لاحسن حبيب الالب صابح ماشي).
لاادري في تلك اللحظات كيف ابتسمت وانا اردد مع ابي دعاءه واؤمن عليه ثم سرعان ماركضت نحو اخي واحتضنته وقبلته ومسحت من عيني وعينه دموع ساخنة.
…………….
((الناس الكبار دائما هكذا …لانعرف قيمتهم الا عندما ينطفئون…مخلفين وراءهم ظلمة كبيرة واسئلة تجرح الحلق والذاكرة))
هذه الكلمات قرأتها في كتاب ما وسجلتها في الصفحة الاخيرة من دفتري المدرسي وايضا كانت دمعتان ساخنتان قد سقطتا على كلمات(تجرح الحلق والذاكرة )لذا تداخلت حروفها واصبحت كأنها كلمة واحدة .
نعم لم يكن هذا السفر هو الاول فكثيرا ما سافر والدي لكن سفره ذاك كان محدد الايام وعودته سريعة اما الان فالأمر مختلف لان ايام غيابه تضاعف ايام حضوره بأضعاف كثيرة لذا طال اليه اشتياقنا وبدت الايام صعبة ومريرة خاصة في ظل الجفوة التي كانت قائمة بين اخويَّ وابي فهما لم يعودا الى البيت رغم علمهما بسفره لكنهما كانا يحظران في اوقات كثيرة وليس لهما من شغل الا ان يطلبا المال من والدتي ويثقلا كاهلي بأوامرهما المختلفة وكأنهما الامران الناهيان في اسرة غاب عنها الاب وتولى شأنها شخص آخر غر احمق .
كنت في سري اعتب على والدتي التي تمادت في تدليليهما ويغضبني استسلامها لهما مبررة ذلك بقولها انهما الاخوة الكبار .
هل يكفي ان يكون الاخوة الكبار …؟ وماتعني الاخوَّة كبرت ام صغرت وهل الاخوة الا مشاعر حب وحنان وملاذ واطمئنان اما اذا كانت اوامر واستعباد فهل تكون اخوة وهل كان يحق لوالدتي ان تقدم ما ترك لنا والدنا من مصروف المعيشة اليومية ينالان به مالذ وطاب بينما ينالنا نحن العوز وربما الجوع في بعض الاحيان.