كان قرارها وأمرها ان من الأفضل الموافقة على هذا الزواج.
لم تفلح توسلاتي اليها ان تغير رأيها ولا استعطافي مشاعرها, مشاعر الام ازاء ابنتها لجعلها تتفهم موقفي الرافض لهذا الزواج .
ازاء هذا الاصرار وجدتني انكفأ في غرفتي وامتنع عن اداء المهام المنزلية التي تعودت امي مني القيام بها, كأن ذلك اعلان للإضراب العام قبل ان ابدأ الثورة التي كنت افكر في اشعالها بوجه أمي التي اعتبرتها طاغية .
من الغريب ان امي في هذه الفترة لم تقاوم تصرفي ولم تفرض علي اداء اي عمل وفي الحقيقة هي كانت قادرة على ذلك ولهذا عرفت ان تلك الوسيلة لم تؤتي اكلها وان الاضراب والامتناع عن اداء الاعمال لا يضير والدتي وان كانت تنظر اليَّ نظرات شزراء حينا ومعاتبة احيانا لكنها ابدا لم تكلمني اية كلمة .
اذن هي ايضا تواجهني بإضراب عام وتعلن عليَّ ثورة عارمة من خلال التجاهل وكأنني لست فردا من افراد هذه العائلة .
ماذا افعل هل استجيب لها واقبل رأيها …؟
في الحقيقة كنت اتألم كثيرا حين اراها منهمكة في اداء الاعمال وقد تستعين بشقيقتي الصغيرة وهي ليست مؤهلة للقيام بتلك الاعمال ولهذا السبب انهيت اضرابي وقمعت ثورتي دون ان ينال امي اي اذى بل انا التي اصبت بالإحباط .
مرت اياما وايام واوشك ابي على العودة من سفره وكنت اعد نفسي وامنيها بعودة ابي لأني كتبت اليه رسالة اخبره بحقيقة موقفي واطلب اليه ان يقف الى جانبي ويرفض هذا الزواج وكتبت في يومياتي في دفتري المدرسي…
ابي ارجوك اريد ان احقق احلامي وهي احلام مشروعة لفتاة لم تبلغ بعد سن الرشد…
مدرستي ودراستي هما طريق المستقبل وتحقيق الذات وليس الزواج في هذا السن المبكر.
اعلم ان امي ترحب بهذا لكني انا صاحبة الشأن وانا من ستعيش حياة لا تريدها وليس من العدل ان تفرض عليها .
ابي …لا تسأل أمي رأيها بل قل كلمة قاطعة برفض هذا الزواج.
دمت لي ابا حنونا سندا وذخرا وملاذ
….هل قرأ ابي رسالتي …هل قال كلمة …
لا…لم يقرأ أبي حرفا واحدا وما قرأ السطور …
إذ حال دون ذلك امر جلل حال دون ذلك ,حادث خطير كانت نتيجته ان ادخل ابي السجن شهرين متتابعين وكان لهذا الحادث قصة …ياه …ما اكثر القصص في حياتنا وليتها كانت سعيدة مفرحة …ليتها كانت جميلة وطيبة …ليتها …لكن مما يؤسف اليه انها قصص مؤلمة ولها تبعات قاسية ونتائج مريرة تطالنا في قادم الايام ونسأل عنها وليس لنا فيها من يد.
…………….
طرقت الباب صباحا وركض شقيقي الصغير وفتح الباب وهنا سمعت صوت جارتنا ام حميد وهي تقول
حبيبي اوليدي امك هنا …؟
اي امي هنا
صيحها خلي تجي
ركض شقيقي الى فناء البيت وهو ينادي بصوته الطفولي الذي تعود ان يجعله ذا نبرة خشنة متشبها بصوت ابي .
امي …امي …ام حميد بالباب اتصيحلج .
كانت امي في فناء البيت تؤدي عملها فمضت الى باب الدار حيث كانت أم حميد تنتظر وهتفت قائلة:
أم حميد…اهلا وسهلا …ادخلي شنو انتي غريبة وكعادتها في الترحيب اضافت عباراتها المعروفة
تره هاي مومقبولة منج توكفين بالباب ..حبيبتي البيت بيتج ..تفضلي
وخطت امامها خطوات وتبعتها أم حميد وهي ترد على عبارات امي المرحبة بما يناسبها .
ام حميد هذه امرأة فاضلة معروفة بطيبها وانسانيتها واخلاقها العالية وهي أم لولد وحيد هو(حميد) وخمس من البنات واما زوجها فيعمل موظفا في أحد الدوائر الحكومية وهو ايضا رجل فاضل على درجة عالية من الاخلاق .
جلست أم حميد وبدى لنا انها تريد ان تقول كلمة ما لكنها تحس بالحرج وادركت أمي ذلك فقالت لها مشجعة:
آمري أم حميد اشوفج متحيرة وما تحجين ..كولي اسمعج.
والله يا ام سامح صعب علي اللي اريد اكوله ..هو خبر بس…
ثم صمتت وكأنها احست بثقل ما تريد ان تقول ولهذا اعادت امي عليها كلماتها السابقة وأضافت :
ام حميد علة بختج احنة أهل كولي …احجي شنو صاير…
مع مزيد من الحرج ترقرقت دموع من عينها وهي تقول :
ابو حميد خبرني ان ابو سامح بالسجن …………………………….
ها…………………….