هذا كتاب غير اعتيادي بكل معنى الكلمة, ابتداء من عنوانه وغلافه , فعنوانه هو – ( كتاب نصف قرن ) , وغلافه خال من اسم المؤلف , و توجد هناك اشارة مختصرة لاسم جامعة موسكو الحكومية بالروسية , وصورة بنايتها القديمة في مركز موسكو, و فوقها صورة اخرى لخريجي كلية الصحافة , الذين التحقوا فيها عام 1963 وتخرجوا منها عام 1968 , وهذه الصورة مؤطرة باطار كلاسيكي اعتيادي جدا, وهي صورة تذكارية كنا ولا زلنا نراها معلقة في بيوت كل الخريجين الروس من المدارس او الكليات , عندما كنا نزورهم في بيوتهم , وهو تقليد جميل جدا يؤرخ مرحلة الدراسة بطلبتها واساتذتها, وهي فترة سعيدة دائما في حياة كل انسان , لانها ترتبط بمرحلة الشباب الرومانتيكية الجميلة بحد ذاتها رغم كل مصاعبها ومشاكلها ومطبّاتها. يقع الكتاب في (254) صفحة من القطع المتوسط , ونجد على الصفحة الداخلية الاولى توضيحات لطبيعة هذا الكتاب , والتي تشير , الى ان هذا الكتاب (يوبيلي) , اي يرتبط باليوبيل الذهبي ( نصف قرن ) والخاص بخريجي عام 1968 , وانه صادر من كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية عام 2018 , ومن هنا جاءت تسميته – ( كتاب نصف قرن ) , وهو يضم( 69) مقالة متنوعة موزعة على خمسة محاور, شارك بكتابتها اكثر من( 60 ) صحافيا من خريجي تلك الدورة بالذات , وكم فرحت , لاني وجدت بين هؤلاء الخريجين عراقيا درس عندئذ في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وساهم مع زملائه الآخرين بتحرير هذا الكتاب , وكتب ثلاث مقالات فيه , وهو الزميل الدكتور خليل عبد العزيز , وقد بحثت عن صورته على غلاف الكتاب بين الخريجيين ووجدته فعلا , وكان بالطبع شابا وسيما وجميلا , مثل كل الطلبة الآخرين آنذاك من البنين والبنات ( وخاصة البنات طبعا! ) , اما صورته المنشورة داخل الكتاب جنب مقالاته هناك , فانها كانت ( بعد اليوبيل الذهبي !) تحمل بصمات السنين الطوال وسماتها, وقد توقفت اولا وقبل كل شئ عند مقالات د. خليل عبد العزيز طبعا ( انطلاقا من عراقيتي وتحيّزا لهذه الروح العراقية , وتحيّزا له ايضا , وهل يمكن لي في هذه المواقف ان اكون محايدا !!! ) , حيث تحدث في مقالته الاولى عن مسيرة حياته الصعبة في العراق , وكيف وصل الى موسكو , ثم الى كلية الصحافة , ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان اسمه كان عندها ( يوسف الياس يوسف ) ( او يوزف كما كتبوه الروس ! ) , وقد ذكروه بين قوسين بعد اسمه الحقيقي , اذ انهم جميعا كانوا يعرفونه عندها بذلك الاسم ( انظر مقالتنا بعنوان – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز ) , اما المقالة الثانية له في هذا الكتاب فكانت بعنوان – (ايرينا فولودينا . هي دائما في ذاكرتي ) , وهي مقالة في غاية الرشاقة والجمال , وتتحدث عن زميلة له في الكلية كانت تساعده في الدراسة لان لغته الروسية اول الامر لم تكن بالمستوى المطلوب , وكيف التقى بها صدفة في القاهرة بعد سنين , ويختتم د. خليل تلك المقالة بالاشارة الى انها ( لم تعد الان بيننا ) , وانها ستبقى دائما في ذاكرته . لقد توقفت طويلا – ومتأمّلا – عند جملة ( لم تعد الان بيننا ) , واستنتجت ان اعتزاز د. خليل بها وتقديره ومحبته لها قد منعه حتى من استخدام فعل ( توفيت او رحلت), وأكبرت فيه هذا التصرّف الانساني الرائع و الرفيع , اما المقالة الثالثة فكانت بعنوان – ( الموصل – دماء ودموع ) , وتتحدث – كما هو واضح من عنوانها – عن مأساة الموصل المعروفة , وما حل بها من دمار, ود. خليل هو ابن الموصل البار .
مقالات هذا الكتاب متنوعة جدا وممتعة جدا في نفس الوقت , ولا يمكن اختصارها ابدا , لانها مليئة بالافكار والحوادث , اذ يتحدث فيها الخريجون بحب كبير عن كليتهم , وكيف ان الابناء والاحفاد قد درسوا فيها بعدهم لانهم زرعوا فيهم حب العمل الصحفي الخلاّق , ويذكرون اساتذتهم باحترام كبير , ويتحدثون عن عملهم بعد التخرّج , والصعوبات التي تغلبوا عليها , والنجاحات التي حققوها , والمداليات والاوسمة التي حصلوا عليها , ويمكن لقارئ هذا الكتاب ان يكتب تاريخ وسائل الاعلام السوفيتية منذ اواسط ستينيات القرن العشرين وعبر انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 , وصولا الى يومنا الحاضر , وطبيعة المشاكل والقضايا المتشابكة في الصحافة والتلفزيون ووسائل الاعلام الروسية الاخرى في تلك الفترة الطويلة والعصيبة في تاريخ روسيا ومسيرتها. لقد وجدت انا شخصيا في هذا الكتاب عدة مقالات مهمة جدا , وقررت ان اترجمها الى العربية عندما تسمح ظروفي بذلك, لاني ارى , انها يمكن ان تساعد القارئ العربي على تفهّم طبيعة الاعلام الروسي ومشاكله اولا , و لان هذه المقالات الصادقة ترسم , ثانيا , تجارب انسانية عميقة في مجال العمل الاعلامي , وهو مجال مشترك في كل بلدان العالم , بما فيها طبعا بلداننا العربية.