18 ديسمبر، 2024 10:48 م

مع د. سعد ناجي جواد في «دستور العراق وثيقة مزورة» 1/4

مع د. سعد ناجي جواد في «دستور العراق وثيقة مزورة» 1/4

بعد أن نشرت الحلقة الحادية عشرة والأخيرة من سلسلة «التعديلات الدستورية الملحة»، والمأخوذة من مشروعي الموسوم بـ «دستور دولة المواطنة»، سأناقش في أربع حلقات مقالة «دستور العراق وثيقة مزورة مررت بالتزوير وملئت بالألغام والمطبات» لأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. سعد ناجي جواد، والتي نشرت في 22/11/2019 على موقع (العراق العربي) تحت الرقم (261 0).

ربما يقرأ هذا الرد من لم يتابعني ولا يعرفني، لذا اسمحوا لي أن أعرف بنفسي بأني كنت عضو اللجنة الأولى لكتابة الدستور المعنية بالمبادئ العامة، والتي كان رئيسها ممثل المرجعية أحمد الصافي، وكنت مقرر اللجنة، لكني بعد خمس اجتماعات اعتذرت عن مواصلة دوري كمقرر، بعدما أخذ يطلب مني رئيس اللجنة كتابة التقارير خلاف ما يحصل في الاجتماعات، بحذف بعض ما أقر، وإدراج بعض ما لم يناقش في الاجتماع. وكنت معارضا شديدا لكل المواد والنصوص التي بولغ من خلالها إضفاء الصبغتين الإسلامية والشيعية بالتنسيق بين المرجعية والمجلس الأعلى على وجه الخصوص، قبل أن تغير المرجعية موقفها من الأحزاب الشيعسلاموية الفاسدة. وسردت تجربتي مع لجنة كتابة الدستور في الجزء الثاني من كتابي «ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي» الذي صدر لي عام 2013. ومنذ 2007 طرحت مبادرة لدستور علماني للعراق، اتخذ في 2018 و2019 صيغته الأخيرة بعنوان «دستور دولة المواطنة»، ونشر بطبعته الأولى في أيار 2019 وقريبا تصدر الطبعة الثانية المعدلة منه.

Facebook

بلا شك هناك الكثير مما طرحه الكاتب المحترم مما أتفق معه كليا، أو بنسبة تقل أو تزيد، وهناك بلا شك ما أختلف معه فيه، لاسيما في الاتجاه السياسي، فهو كما يبدو قريب من الفكر القومي العربي سياسيا، بينما أتبنى أنا من الناحية السياسية فكرا ديمقراطيا علمانيا يؤمن بالمواطنة والحداثة. وهذا لا يعني أنه بعيد عن ثقافة الحداثة ومبدأ المواطنة، لكني أزعم أنهما يمثلان قضيتين مركزيتين في فكري السياسي، أكثر مما لمسته عند الكاتب، علاوة على اعتمادي بشكل واضح للعلمانية الديمقراطية، والليبرالية في بعدها الثقافي واعتمادها للحريات الخاصة، وأتبنى إن الفكر القومي قد أكل عليه الدهر وشرب وتتريع في دول العالم الحر، بينما بقي يعشعش وببيض أحيانا في مجتمعاتنا.

أبدأ بالعنوان فأقول إني أتفق معه بأن الدستور ملئ بالألغام والمطبات، وأضيف إلى ذلك ما أسميه بالمتشابهات القابلة للتأويلات المتعددة والمتعارضة، كما جيء بدلو بالصبغ الإسلامي، ودلو ثان بالصبغ الشيعي، ودلو ثالث مزيج من الصبغتين، ليلون بهما الدستور، خلافا لذوق الحداثة، ولمبادئ دولة المواطنة. وكذلك لا أشك بأن دستور 2005 وثيقة لا تخلو من قدر من التزوير، كما أشار العنوان إليه.

وسأمر على أهم المقاطع التي أرى وجوب الوقوف عندها ومناقشتها بالتأييد والتعضيد تارة، وبالاختلاف والنقد تارة أخرى، أما ما يتعلق بالمعلومات، فمنها ما يحتمل الصحة، ومنها ما هو ليس بصحيح حسب علمي ومعايشتي لعملية كتابة الدستور، ومنها وإن كانت غريبة مما يحتمل الصحة، لكنه يحتاج إلى تبين وتحرٍّ ومطالبة بالأدلة والوثائق إن وجدت، وهنا أعترف إن بعض الأسرار مما كان يمارس في الدوائر المغلقة مما ليس لي علم به، لأني كنت مستبعدا من (رفاقي) الشيعة الإسلاميين من هذه الدوائر، بسبب معارضتي الشديدة لأكثر طروحاتهم، ولأنهم شخصوا أني كنت أحث السير في الانحراف الفكري والسياسي والديني والمذهبي، نحو العلمانية والحداثة.

والآن مع أهم ما أراه من مقالة الدكتور سعد ناجي جواد. وسأسبق نصوصه بالحروف الأولى لاسمه (س.ن.ج)، وأسبق تعليقاتي بالحرفين الأولين لاسمي (ض.ش).

(س.ن.ج): الدستور العراقي لم يكتبه العراقيون بأنفسهم. وإن من كتبه هو مدرس قانون أمريكي يهودي صغير، سنا ومرتبة علمية وأكاديمية، ولا يمتلك معلومات كافية عن العراق، ولا عن الدساتير العراقية، وإنه كلف من قبل سيئ الصيت بريمر بكتابة دستور وفقا لقانون إدارة الدولة الانتقالي (الذي أقره بريمر أيضا بدون استشارة أي عراقي).

ض.ش: رغم كل إشكالاتي على الدستور، فكونه لم يكتب من العراقيين، فهذا غير صحيح. أنا أتكلم على الأقل عن تجربتي في اللجنة التي عملت فيها عضوا فيها ومقررا لها، وهي اللجنة الأولى المعنية بالمبادئ الأساسية التي كان رئيسها ممثل المرجعية أحمد الصافي، إذ كانت المواد تطرح للمناقشة وتقر وفق المقترح المطروح، وهذا نادرا ما حصل، أو تعدل، بل بعض المواد التي طرحها تارة أحمد الصافي وتارة عبد الهادي الحكيم الذي كان يلازمه كظله، قد رفضت أصلا، واستعيض عنها ببعض الصياغات في الديباجة، لاسيما تلك المواد التي طالبوا بها، التي من شأنها أن تصوغ دستورا أقرب إلى أن يكون إسلاميا منه ديمقراطيا، وأقرب إلى أن يكون شيعيا من أن يعتمد مبدأ المواطنة باستثناء بعض الصياغات لترضية السنة، ناهيك عن المطالب الكردية. أما إذا قيل إن الصافي والحكيم كانا يأتيان بصياغات أمليت عليهما من بريمر، فهذا ممكن، ولكني لا أتصور إن بريمر كان مهتما بإضافة مادة خاصة عن المرجعية وأخرى عن العتبات المقدسة في المبادئ الأساسية، ولا كان مهتما بأن يكون الإسلام المصدر الأساس (بلام التعريف) للتشريع، كما أرادها الإسلاميون. وأكثر من مرة بينت إن قانون إدارة الدولة، الذي يفترض إن سلطة الاحتلال كانت أكثر تأثيرا في صياغته كان في بعض مواده أفضل بكثير مما قابله في دستور 2005، ومثال ذلك، ولو إني كررت هذا في أكثر من مقالة، ما قابل المادة الثانية –
أولا – أ: «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، بينما النص الذي كان يقابله في قانون إدارة الدولة كان «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها». وبينت عدة مرات خطورة إضافة «أحكام» وحذف «المجمع عليها». وبينما نص قانون إدارة الدولة على أن «الإسلام هو مصدر من مصادر التشريع» نص دستور 2005 على أن «الإسلام هو مصدر أساس للتشريع»، وكانوا يصرون على جعله «المصدر الأساس» بلام التشريع، لكنهم لحسن الحظ لم يفلحوا لما كان من معارضة من نواب (الوطنية) والنواب الكرد.