19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

مع د. ابراهيم الخزعلي في موسكو

مع د. ابراهيم الخزعلي في موسكو

الفرق بين عمري وعمره ربع قرن باكمله , فعندما كان د. ابراهيم الخزعلي في المدرسة الابتدائية كنت انا تدريسّيا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , ولم نكن طبعا نعرف بعضنا , ولكننا التقينا في موسكو عام 2018 , وكان اللقاء بالصدفة المحضة , و وجدنا اللغة المشتركة رأسا , فكلانا زملاء مهنة واحدة وهي الكتابة , وهكذا اكتشفنا اننا نعرف بعضنا البعض ( عن بعد !) . وها أنا ذا في شقته بموسكو , واتأمل باندهاش واعجاب وحب اللوحات الجميلة المعلقة على جدرانها . لم افهم رأسا لمن هذه اللوحات اول الامر , ولكني توقفت عند لوحة الفنان العظيم شارلي شابلن وهو يقف عند ذلك الجدار الاصم , الذي يعزله عن معالم المدينة الكبيرة والشاهقة , وهي لوحة رمزية جميلة وعميقة و واضحة المعاني , وبعد ان تأملتها بامعان واعجاب قلت له , ان هذه اللوحة الجميلة ليست غريبة عني , وانني شاهدتها في مكان – ما , ولكني – في زحمة الحياة وخضّمها وأحزانها – لا أذكر اين ومتى شاهدتها, فابتسم د. ابراهيم بتواضع وقال – انك شاهدتها على صفحات جريدتنا المشتركة والقريبة الى قلبينا , وهي – (المثقف) , اذ اني نشرتها هناك , وفجاة اكتشفت ان الطبيب والاديب والشاعر ابراهيم الخزعلي هو فنان تشكيلي ايضا يشار اليه بالبنان كما يقول التعبير العربي المشهور , وأخذت اتفحص اللوحات الاخرى , التي كانت تملأ جدران الشقة , وتوقفت طويلا عند لوحة تجسّد الشاعر الكبير بدر شاكر السياب والنهر ونخلة عراقية تنحني امامه , و كذلك توقفت طويلا عند لوحة المسجد الذهبي وتخطيطها الهندسي الدقيق والتناسق الهارموني فيها بين القبّة والمئذنة , وبدأت طبعا امطره بالاسئلة حول هذه اللوحات , وعلمت منه انه استلم عروضا كثيرة من اناس كانوا يرغبون بشراء هذه اللوحات , ولكنه لا يريد ذلك لأنها عزيزة على قلبه . وحكى لي كيف يحافظ عليها وهو يتنقل من مكان الى آخر , بل من بلد الى آخر . وهكذا بدأنا ندردش عن هوايته هذه , فحكى لي د. ابراهيم كيف بدأت رحلته مع الفن التشكيلي , وتذكر كيف كان يخطط بالقلم الرصاص وهو في المدرسة الابتدائية , وكيف انتبه معلم الرسم في الصف الخامس الابتدائي الى رسومه , وكيف دعاه الى غرفة المعلمين لعرض رسوماته عليهم , وكيف اعطوه قلم جاف ليرسم به امامهم , وكيف طلب منه معلم الرسم هذا ان يرسم له صورته , وان تلميذ الصف الخامس الابتدائي حقق فعلا طلب معلم الرسم ورسم بالقلم الرصاص بورتريت لمعلمه بعد ان استلم صورة فوتوغرافية من معلمه هذا. انتقلنا بالحديث طبعا عن الشعر , وقرأ لي الشاعر ابراهيم مقاطع جميلة من قصائده المنشورة هنا وهناك , وقال لي انه يتابع قصائدي المترجمة عن الروسية , وتحدثنا عن اعجابنا المشترك بقصائد الشاعر المبدع يحيى السماوي , وقلت له اني استلمت منه ديوانا ارسله بالبريد من استراليا مع اهداء يعد قصيدة بحد ذاته , فقام د. ابراهيم الى مكتبته وجاء بديوانين من دواوين يحيى السماوي , والتي ارسلها له بالبريد ايضا مع اهداء جميل يكاد ان يكون شعرا , وهكذاخرجنا باستنتاج مشترك , وهو ان السماوي شاعر بالشعر وبالنثر معا , وقد قلت لابراهيم باني كتبت مرة للسماوي في احدى اجاباتي على تعليقه حول احدى قصائدي المترجمة باني لا استطيع ان اجيبه بنفس المستوى لاني لا املك موهبته الشعرية التي يكتب بها نثره , فوافقني ابراهيم على ذلك .
واستمرت حواراتنا ونحن نشرب الشاي ( ابو الهيل ) , الذي أعده ابراهيم مع الملاحق اللذيذة , والتي طبخها هو نفسه بمهارة يحسد عليها , وقد سألته طبعا كيف استطاع ان يوفق بين مهارته بالطبخ وعمله كطبيب وكتابة الشعر وممارسة الفن التشكيلي , فضحك د. ابراهيم وقال , انها مدرسة الحياة العراقية الصعبة التي عاشها هو والآلاف من العراقيين منذ الحرب العبثية بين العراق وايران , والتي جعلته يعيش متخفيا في جبال كردستان العراق , وفي معسكرات اللاجئين في ايران وسوريا والعمل في شتى المجالات والمهن من اجل لقمة العيش , وفي بيوت الطلبة في الاتحاد السوفيتي اثناء الدراسة والصعوبات عند انهيار الاتحاد السوفيتي واصطدامه بالبيروقراطية الادارية , وعبر صعاب الحصول على وثائق رسمية للسكن والسفر اللاحق وصولا الى كندا , وها هو يقف الان على مشارف انهاء الدراسات العليا والحصول على شهادة التخصص في العلوم الطبية . قلت له وانا اودعه , ان قصة د. ابراهيم الخزعلي ومسيرته تصلح ان تتحول الى فلم سينمائي يسجل معاناة شعب العراق في العصر الحديث , وتاريخ العراق , وصمود العراق , وانتصار العراق وخروجه من محنته, وتمنيت ان يكون العراق جميلا وعذبا مثل قصائد د. ابراهيم الخزعلي و رائعا ومدهشا مثل لوحاته الفنية المعلقة على جدران شقته…