18 ديسمبر، 2024 11:28 م

مع جريدة المستقبل حول خلافة السيستاني ٢/٣

مع جريدة المستقبل حول خلافة السيستاني ٢/٣

وعن الاهتمام الأمريكي بالموضوع، تحدثت المقالة عن دراسة وتقرير للمخابرات الأمريكية، ناقشت موضوع خليفة المرجع في العراق، من يكون، كما تناولت الدراسة حسب المستقبل، وتناولت «مكانة المرجع وتأثيره الروحي في المجتمع الشيعي»، ثم تساءلت ما إذا «سيكون [المرجع الذي يخلف السيستاني] بنفس الرؤى والقدرة في إدارة الأزمات»، وفي الواقع نحن كعلمانيين لسنا مهتمين بوجود مرجع قادر على إدارة الأزمات، لاسيما ذات الطابع السياسي، بل نتمنى أن يكون المرجع القادم أو المراجع القادمون في حال التعدد وهو الأفضل من حيث المبدأ، أن تكون المرجعية معنية بالإفتاء الديني حصرا للشيعة المتدينين الذين يقلدونها، وتبعد نفسها كليا عن الشأن السياسي. وعن موقف الولايات التي المتحدة كونها «تنظر من زاوية مختلفة» عن رؤية النجف، فالولايات المتحدة كما جاء في المقالة وبحق «لا تهمها الآليات [في اختيار المرجع القادم] بقدر ما ينتابها القلق [محقة] من أن تأتي مرجعية مقبلة في النجف تتطابق مواقفها تماما مع الرؤية الإيرانية للأحداث والخارطة السياسية في العراق والمنطقة»، وهذا القلق هو الذي ينتابنا كعلمانيين داعين إلى إنهاء النفوذ الإيراني، ولو ربما من منطلقات غير منطلقات الولايات المتحدة، والتي أعتبرها أغبى من تعامل مع هذا الملف للأسف. وسبب قلق الولايات المتحدة حسبما جاء في المقالة هو «باعتبار إن مرجعية السيستاني كانت رمزا للاعتدال والنصح وعدم الخوض المباشر في مستنقع السياسة العراقية الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه». وهنا لدي وقفة أمام هذه النقطة، فصحيح إن مرجعية السياستاني تمثل نسبة إلى غيرها حالة من الاعتدال، لكننا عرفنا مرجعيات أكثر مدنية وانفتاحا واعتدالا من الناحية السياسية، مثل محمد مهدي شمس الدين ومحسن الأمين وكمال الحيدري، ثم صحيح إن مرجعية السيستاني تمثل المرجعية النجفية التقليدية غير المعتمدة للإسلام السياسي، إلا أن السيستاني مارس دورا سياسيا، بل مارس في البداية ما يشبه ولاية الفقيه المخففة، وهي حسب تقديري كانت تلتقي مع ولاية الفقيه التي طرحها محمد باقر الصدر، والتي كانت أخف كثيرا من نظرية الخميني القائلة بالولاية المطلقة للفقيه، لكن تبقى ولاية الفقيه ولاية الفقيه، سواء كانت مخففة، أو متشددة، وقد دفع العراق ثمن ولاية المرجعية، عندما تحالف المرجع في ٢٠٠٥ مع قوى الإسلام السياسي الشيعية رغم عدم اعتماده للإسلام السياسي، ذلك حسب ظنه باعتقادي إن في ذلك حفظا لمصالح الدين ومصالح المذهب؛ مصالح الدين الإسلامي من خلال أن الإسلاميين متدينون أو هكذا ينبغي أن يكونوا، ومصالح المذهب الشيعي لكونهم شيعة، وإن كانت توجيهاته – مشكورا – تتجه بعدم اتخاذ موقف طائفي من السنة، لكنه من حيث لا يقصد ساهم في التأسيس الطائفية السياسية بتأسيس (الائتلاف العراقي الموحد) الشيعي الإسلامي. واحتاج المرجع سنوات طويلة امتدت إلى ربما إلى ٢٠١٠ أو ٢٠١٤، حتى شخص عدم نزاهة وعدم كفاءة الشيعسلامويين، الذين دعم وبارك قائمتهم (الائتلاف العراقي الموحد) رقم ١٦٩ بشكل مباشر، ثم ٥٥٥ بشكل غير مباشر. وهذه السنوات التي احتاجتها المرجعية حتى اكتشافها عدم أهلية الشيعسلامويين لإدارة العراق، كلفت العراق والعراقيين الكثير، فلو كان تشخيصه مبكرا، ولم يحتج إلى كل هذه السنوات حتى يكتشف حقيقتهم، لوفر علينا الكثير مما وصلنا إليه.

ثم تقول المقالة المذكورة إن «مرجعية النجف تمثل رمزية روحية بحتة، لها تقاليدها وعاداتها، وليس لها أي صفة رسمية سياسية أو غيرها، وإن كان لها دور فرضته ظروف المشهد السياسي العراقي مؤخرا للبلد»، وهنا أقول إنها شخصت حدود دورها السياسي هذا متأخرا جدا، ففي ٢٩/١١/٢٠١٩، أي بعد ستة عشر سنة وسبعة اشهر وثلاثة أسابيع من يوم سقوط صدام، فأعلنت نفي ولايتها ووصايتها السياسية، وهذا جاء متأخرا كثيرا، وهي تتحمل مسؤوليته، لكنها تشكر مع ذلك إذ أعلنت موقفها هذا الذي جاء صفعة موجعة لمبدأ ولاية الفقيه، حيث جاء في خطبة الجمعة إن ليس للمرجعية إلا تقديم النصح، وهي ليس لها وصاية أو ولاية على الشعب، بل الشعب هو الذي يختار ما هو أصلح لحاضره ومستقبله، وهذا ما كان عليه محمد مهدي شمس الدين قد سبقها بهذا الرأي قبل عقدين أو أكثر، إذ كان يقول لا ولاية على الأمة إلا ولايتها هي على نفسها، وهو الذي نشر لي مقالتي الأولى عام ١٩٩٣ عن الديمقراطية برؤية إسلامية، ولكن غير المشروطة حتى بشرط الإسلام، ذلك في مجلته (الغدير)، عندما أسلت إليه مقالتي للاطلاع.

وعندما يشرح كاتب المقالة اختلاف مرجعية النجف عن ولاية الفقيه في إيران، يقول إن «القاعدة العامة في اختيار المرجع في النجف تعتمد على قاعدة ”الأعلمية“ بالإضافة إلى الورع والتقوى.»، وقد ناقشت موضوع الأعلمية الذي هو من أبرز ما تنتقد به المرجعية الشيعية، فهو مبدأ مخالف للأسس العقلائية، ولا أساس له لا شرعا ولا منطقا. وأصابت المقالة بقولها إن «هذه القاعدة فيها شيء من الهلامية، وربما مساحة للاختلاف في التقييم»، فحتى موضوع التقوى والورع فهذه قضية نسبية يصعب البت بها، فعرفنا مراجع تركوا عشرات الملايين من الدولارات كحقوق شرعية لأولادهم وأصهارهم دون أن يضعوا ضمانات لتصرف في مجالها التي دفعت من أجله، وهذا ما لا يختلف أحد فيه من المتدينين والمتشرعين أنه خلاف التقوى ومخافة الله. ثم رأينا بعض المراجع مثل كاظم الحائري وجواد التبريزي شاركوا في حملة التكفير ضد مرجع آخر هو محمد حسين فضل الله بسبب أنه خالف المشهور، رغم علمهم أن الشهرة لا تمثل دليلا شرعيا لصحة الموقف الفقهي، وهذا خلاف العقلانية وخلاف التقوى والورع.

ثم تناول المحرر السياسي لـ (المستقبل) أهم عاملين مؤثرين في تحديد المرجعية الوريثة، هما إيران ومقتدى الصدر. أما عن العامل الأول فذكرت المقالة إن «التنافس الذي لا يخفى بين مرجعيتي النجف وقم حيث منحت الأحـداث السياسية والأمنية في العراق والمنطقة زخما لتفسير الاختلاف على الأقل في الموقف من الأحداث ودعم جهات سياسية متعددة لا سيما في دعم فصائل عراقية تعلن ولاءها صراحة للخامنئي باعتباره وليا لأمر المسلمين ونائبا للإمام الغائب». طبعا التنافس بين حوزة النجف وحوزة قم كان دائما حاضرا، حتى قبل الخميني وثورته ونظريته البائسة في ولاية الفقيه، لكن بقيت النجف محافظة على مكانتها عند شيعة العالم، وبعد ثورة الخميني اتخذ التنافس بين الحوزتين صورة الصراع السياسي الحاد غير المعلن. أما الآن مع النهج الخمينوي الخامنوي، فكما ذكرت المقالة كون إيران «تتطلع بالتأكيد لأن يكون بديل السيد السيستاني أكثر انسجاما مع مرجعية السيد الخامنئي، بعد أن انقسم الموالون للمرجعيتين بوضوح». وكانت هناك قبل سنوات محاولة لتسويق المرجع الراحل محمود الهاشمي الشاهرودي لقربه الشديد من خامنئي، وحسبما تسرب كان حزب الدعوة يريد دعم هذه المرجعية، كون الشاهرودي أحد أبرز تلامذة مؤسس حزب الدعوة محمد باقر الصدر. وأصاب كاتب المقالة بقوله «وعليه لم تكن عملية اختيار المرجع الأعلى تنطوي على أبعاد سياسية كما هي اليوم». وهذا بحد ذاته إقرار بأن مرجعية السيستاني قد تسيست شاء السيستاني ذلك أو لم يشأ.