س/ شباب تظاهرات تشرين، كيف تصف توجههم الفكري والسياسي، هل هو مازال تحت سقف إسلامي، أم لا؟ وهل هم اليوم بصدد طرح بديلهم العلماني؟
ج/ بحدود متابعتي من الأول من تشرين الأول عام 2019، لم أجد وحدة اتجاه سياسي لهم، ففيهم العلمانيون، وفيهم المدنيون (الذين يعتمدون العلمانية المخففة)، وفيهم أصحاب نزعة دينية، ولا أقول إسلامية بمعنى الإسلام السياسي، بل فيهم من يحمل نزعة مذهبية، بحمل شعارات وصور ذات بعد مذهبي، وفيهم من أصبحت لهم عقدة تجاه الدين نفسه، وليس تجاه الإسلام السياسي تحديدا. هناك بتصوري أقلية واعية واضحة في اتجاهها العلماني، وأتصور إن المستقبل لهذه الأقلية، لأنها أقلية نوعية واعية ومثقفة ومؤثرة، وحتمية التاريخ تنبئني أن المستقبل لهم، لكن هذا لا يأتي بالتمني، بل يحتاج إلى توحيد صفوفهم، وإلى تنظيم أنفسهم في كيان سياسي ديمقراطي علماني، وإلى بلورة قيادة ومتحدثين رسميين ومفاوضين لهم، ووحدة شعارات ومطالب، وبلا شك هناك منهم من يعمل من أجل ذلك.
س/ الأحزاب الإسلامية في العراق، هل تؤيد العلمانية والديمقراطية، أم هي معادية لها؟
ج/ بكل تأكيد هي معادية للعلمانية، بل حتى للديمقراطية، فالأحزاب الإسلامية العراقية كانت ترفض استخدام مفردة الديمقراطية، سواء في نشراتها الداخلية للحزبين، أو في إصداراتهم الإعلامية، وكانوا يحتجون على حرمة الديمقراطية بأنها تعني حاكمية الشعب، بينما هم مكلفون شرعا باعتماد آيديولوجية حاكمية الله، ثم قبلوا بالديمقراطية مضطرين، ذلك برخصة شرعية مفادها وجوب درء أكبر المفسدتين بأصغرهما، بمعنى أنهم عندما يكونون مخيرين بين الديمقراطية، التي هي عندهم مفسدة شرعية محرمة بالعنوان الأولي، وبين الديكتاتورية غير الإسلامية التي تمثل هي الأخرى مفسدة شرعية، لذا تدرأ هذه المفسدة بمفسدة الديمقراطية المتحول إلى حلال بالعنوان الثانوي، لأن الثانية تمثل المفسدة الصغرى، والديكتاتورية غير الإسلامية تمثل المفسدة الكبرى. لكن بعض الأحزاب الإسلامية وربما أكثرها سيركب موجة العلمانية، مثلما ركبت من قبل موجة الديمقراطية، وهم الآن بصدد تأسيس أحزاب علمانية من قبل وجوه غير معروفة، مستعملين الإمكانات المالية الهائلة التي في حوزتهم مما سرقوه من المال العام، ليغدقوا على شباب يغررون بهم لينتموا إلى تلك الأحزاب، فالإسلاميون مستعدون حتى أن يرتكبوا المحرمات الدينية بغطاء شرعي، ووفق ما يسمى بالعناوين الثانوية، التي يتحول الحرام بموجبه إلى حلال بل إلى واجب أحيانا، إذا توقفت مصالح كبرى بمعاييرهم على ارتكاب المحرم.
س/ الأحزاب الإسلامية إذا كان هدفهم تحقيق الآيديلوجية الإسلامية، فلماذا إذن قبلوا بالنظام الديمقراطي الذي جاء عام ٢٠٠٣؟
ج/ كانوا مضطرين. ففي الثمانينات وخاصة اثناء الحرب العراقية الإيرانية، والتي كانوا يقاتلون إلى جانب إيران ضد العراق، لكون إيران تمثل دولة الإسلام واجبة الطاعة، والنظام في العراق كافر، وليس لأنه ديكتاتوري، إذ كانوا يصفون صدام بالكافر، لكونه يحارب دولة رسول الله وأهل بيته؛ في ذلك الوقت كان هدفهم إسقاط صدام من أجل جعل العراق جمهورية إسلامية تخضع لولاية الفقيه المتمثلة آنذاك بشخص الخميني، فيكون الخميني، ولاحقا خامنئي صاحب الولاية على جمهورية إيران الإسلامية وعلى جمهورية العراق الإسلامية على حد سواء، مع فارق أن جمهورية العراق الإسلامية يحكمها عراقيون، لكن ولائيون، وبتعيين من طهران. وعندما التحقوا بالمشروع الأمريكي، لم يكن ذلك بمحض إرادتهم، بل مضطرين، ثم برخصة من الولي الفقيه خامنئي، بل بأمر منه، بلغهم إياه ممثله محمدي في لندن.