5 نوفمبر، 2024 11:30 ص
Search
Close this search box.

معضلة وزارة النفط بين التزامات الشفافية والحجة المقيتة لسرية المعلومات

معضلة وزارة النفط بين التزامات الشفافية والحجة المقيتة لسرية المعلومات

استشارية التنمية والأبحاث

النرويج

 

شكلت وزارة النفط في شهر تموز الماضي لجنة اتسم هيكلها بخلل التمثيل، ومهمتها غير واضحة الضوابط، وعدم تحديد الأفق الزمني لإنجاز المهمة، ولا تحديد الإجراءات التنفيذية بعد انجاز المهمة، وتوقيت تشكيل اللجنة متأخرا جدا. يأتي هذا الاجراء والعراق يفترض به ان يخضع لإجراء التدقيق (Validation) المجدول توقيته منذ فترة طويلة لتكون في شهر تموز الماضي وتقوم به السكرتارية الدولية لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI). بعد حوالي أربعة أشهر اعادت اللجنة الامر الى الوزارة مقترحةً ان الموضوع يحتاج الى استشاري دولي!!!

 

باختصار شديد، دأبت وزارة النفط، منذ عام 2008 خاصة بعد ان ابدى العراق رسميا الرغبة في الانضمام الى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، على نشر معلومات وبيانات تفصيلية في موقعها الالكتروني وعلى توفير البيانات الضرورية لإعداد التقرير السنوي لهياة مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في العراق (IEITI). ولكن، وبعد ثلاثة اشهر فقط من تولي جبار لعيبي منصب الوزير بدا التراجع المتسارع في الامتثال لمتطلبات العضوية في هذه المنظمة الدولية، مما قاد الى تعليق عضوية العراق عام 2017 خلال فترة الوزير لعيبي (في النصف الثاني من وزارة حيدر العبادي). تمت معالجة الموضوع وأعيد للعراق موقعه في المنظمة الدولية في زمن الوزير ثامر الغضبان (في وزارة عادل عبد المهدي). إلا ان تدهور مستويات ونوعيات البيانات النفطية المعلنة بدء ثانيتا في عهد الوزير احسان عبد الجبار إسماعيل (في وزارة الكاظمي)، ثم أصبح قاتما بالمطلق في عهد الوزير الحالي حيان عبد الغني (في وزارة السوداني)، بحيث اقتصر نشر البيانات على فقرة واحدة فقط: كمية الصادرات الشهرية.

 

في اقل من ثلاثة أشهر، ناقضت وزارة النفط نفسها 180 درجة؛ بعد ان اكد كتاب الوزارة المرقم 1094 في 13 كانون اول 2023 المُوَقع من قبل وزير النفط الحالي على “تعزيز مبدأ الشفافية في عمل الوزارة والتزاما بالمعايير الدولية لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية”، توقفت كل من شركة سومو والوزارة عن نشر البيانات المتعلقة بعوائد الصادرات النفطية واسعار تصدير النفط منذ بداية شهر اذار 2024.

شكل اجراء الوزارة وسومو هذا ضربة قاسية قاضية على كل ما تم إنجازه في مجال الشفافية في القطاع النفطي العراقي، مما اثار موجة من الاعتراضات من قبل العديد من المعنيين، وانا منهم، وأشارت اليه وسائل الاعلام الدولية المتخصصة.

بعد ان طفح الكيل، وجه المدير التنفيذي لهياة الشفافية في العراق (19/3/2024) كتاب رسمي جريء، لأول مرة في تاريخ الهياة حسب متابعتي، يشير فيه الى تحول دور وزارة النفط الى ” معرقل تسبب في شلل الهياة واوقف نشاطها وعرقل اصدار تقاريرها السنوية ”

 

صدر عن الوزارة امر وزاري بتاريخ 9 تموز 2024 تم بموجبه تشكيل لجنة مكونة من سبعة اشخاص تتولى (صياغة الملامح العامة لسياسة الإفصاح واعداد ورقة عمل تحدد حجم ونوع البيانات المسموح بالإفصاح عنها بما يتماشى وسياسة الدولة ومقتضيات المصلحة العامة ولا يتعارض والمعايير العالمية لمبادرة الشفافية).

تتكون اللجنة من خمسة من ممثلي الوزارة والمدراء التنفيذيين في العراق لكل من شركة بي بي البريطانية (زيد الياسري) وشركة توتال انرجيز الفرنسية (دنيا فاضل الجلبي). والغريب في الامر عدم وجود المدير التنفيذي لهياة الشفافية في العراق وعدم وجود ممثلي الجهات الرسمية الأخرى وممثلي منظمات المجتمع المدني في الهياة المذكورة في هذه اللجنة. وهذا بنظري خلل مؤثر جدا ومخالفة واضحة للهيكلية الرسمية للهياة، كما تتطلبه ضوابط مبادرة الشفافية الدولية. كما لم يحدد الامر الوزاري فترة مهمة اللجنة ولا الإجراءات التنفيذية التي تتخذها الوزارة بشأن ورقة العمل المتوقعة من اللجنة.

 

لم تذكر الوزارة اية متابعة لموضوع اللجنة المذكورة رغم مرور حوالي أربعة أشهر على تشكيلها، مما دفعني للاستفسار عن الموضوع من قبل المدير التنفيذي لهياة الشفافية في العراق وبعض امنائُها والمعنيين بشأنها.

تفضل الأخ علاء محي الدين، المدير التنفيذي لهياة الشفافية في العراق، بالإجابة، كما في ادناه، ونشر استفساري واجابته عليه في موقع الهياة يوم 2 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي ( https://www.ieiti.org.iq/ar/home ).

“اللجنة الوزارية مستمرة في عملها وقد تم انجاز المسودة الأولى لسياسة الإفصاح حيث اتفقت اللجنة على ضرورة الاستعانة باستشاري متخصص لمساعدتها في تطوير المسودة بما يتناسب ومعايير عام ٢٠٢٣ واسترشاداً بتجارب الدول الأخرى. 

 وبناء على ذلك، قامت الأمانة الوطنية ] للهياة [ بمفاتحة البنك الدولي حول امكانية تعاقده مع استشاري عالمي كجزء من المنحة الطارئة. واستجاب البنك الدولي مشكورا وتمت كتابة الشروط المرجعية لعقد الاستشاري بالتعاون بين الامانة الوطنية والسكرتارية الدولية للمبادرة في ]اوسلو[ . وقام البنك الدولي مؤخراً بتوجيه الدعوات حيث تمت الاحالة ونحن الآن بانتظار توقيع العقد كي يباشر الاستشاري بعمله.”

 

اثارت متابعتي والإجابة أعلاه الى مجموعة من التساؤلات والملاحظات.

  1. ستة من أعضاء اللجنة الوزارية السبعة هم أمناء في هياة الشفافية العراقية، ألا يفترض بأنهم على علم بالمعايير النافذة حاليا!!!!! ام ان دورهم في الهيأة شكلي رمزي تمثيلي.
  2. اقام البنك الدولي بالتنسيق مع مبادرة الشفافية ورشة عمل في عمان يوم 25 حزيران الماضي ولمدة ثلاثة ايام  تتعلق بالتحضير لمهمة التحقق (Validation ) من مدى التزام العراق بمعايير مبادرة الشفافية والتي كان مخططا ان تنطلق في العراق في تموز 2024. وقد شارك في الورشة اعضاء مجلس الامناء وكادر الامانة الوطنية وأعضاء فريق الاسناد وممثلين عن هيأة النزاهة وديوان الرقابة المالية وناشطين عن المجتمع المدني الأوسع والأعلام الم يشارك الاعضاء الستة المذكورين في (1) اعلاه في هذه الورشة، او اطلعوا على ما جرى في ورشة العمل.
    وحسب المعلومات المتوفرة فقد ناقشت الورشة عدداً من المحاور من بينها ما يتعلق في استعراض المنهجية والاطار الزمني والمنجزات الرئيسية لعملية التحقق وناقشت ايضا دليل التحقق والإفصاحات النفطية . ألا يفترض بانه تم استعراض ومناقشة وفهم المعايير النافذة حاليا وكيفية تنفيذها خلال ورشة العمل تلك!!!!! وهل اثير موضوع ضرورة ومبررات التعاقد مع استشاري دولي لتوضيح المعايير النافذة حاليا حتى بعد عقد هذه الورشة!!
  3. استند الامر الوزاري المشار اليه اعلاه على هامش الوزير بتاريخ 30/6/2024، أي بعد ثلاثة ايام فقط من نهاية ورشة العمل في العاصمة الاردنية. الم يكن الوزير او المعنيين في الوزارة على علم بهذه الورشة وعلى مستلزمات التحضير لمهمة التحقق التي تقوم بها السكرتارية الدولية لمبادرة الشفافية والمحدد توقيتها منذ مدة طويلة وستكون في شهر تموز 2024. الا يدل هذا على انفصال تام بين الوزارة وهياة الشفافية، علما ان الوزير هو رئيس هياة الشفافية!!! ثم ما هي مبررات الوزارة في استبعاد المدير التنفيذي للهياة والامناء من خارج وزارة النفط وامناء منظمات المجتمع المدني في الهياة من المشاركة في اللجنة الوزارية.
  4. ذكر الامر الوزاري ان مهمة اللجنة هي اعداد ورقة عمل بهدف صياغة الملامح العامة لسياسة الإفصاح لتحديد حجم ونوع البيانات المسموح بالإفصاح عنها ضمن ثلاثة ضوابط ومحددات هي: أ- سياسة الدولة، ب- مقتضيات المصلحة العامة، ج-عدم التعارض مع المعايير العالمية لمبادرة الشفافية.

تحليليا وواقعيا ومن التجربة العملية منذ عام 2008 ولغاية تاريخه فان الضوابط (أ) و(ب)، سائبة وغير محددة وخلافية ومزاجية ورغبوية وتعتمد بشكل كبير ومباشر على مدى تفهم الوزير وقناعاته بأهمية الشفافية واحترامه لالتزامات العراق الدولية بهذا الخصوص. في حين ان المعايير العالمية لمبادرة الشفافية النافذة (المحدد (ج)) معروفة ومفصلة وموثقة وذات مرجعية دولية ولا يجوز التعارض معها وملزمة التنفيذ إذا ما أراد العراق الحفاظ على صفته كعضو ممتثل في مبادرة الشفافية الدولية.

يترتب على ذلك ثلاثة نتائج: 1- لم تكن هناك حاجة او ضرورة على الاطلاق لإصدار الامر الوزاري وتشكيل تلك اللجنة، خاصة وان هيكليتها غير متوازنة ومهمتها غير دقيقة. وهذا يعني ان الوزارة دفعت الامر الى اللجنة ودفعت اللجنة الامر الى استشاري دولي، وهكذا دواليك!! 2- بعد حوالي 15 عاما من تجربة هيأة الشفافية والدورات التدريبية وورش العمل الكثيرة جدا التي نظمت لتطوير كفاءة منتسبي الهيأة (على كافة مستوياتهم) ومشاركاتهم في العديد من المؤتمرات الدولية ذات العلاقة، لازالت الهيأة غير قادرة على فهم وتفعيل المعايير العالمية لمبادرة الشفافية وتروج لاستقدام خبير دولي (اجنبي بالتأكيد) لهذا الغرض؛ اين وكيف ولماذا حدث كل هذا الخلل. 3- لم يتضح لحد تاريخه امر التحقق: هل تم الاتفاق على تأجيله ام ماذا. علما ان الموقع الالكتروني للسكرتارية الدولية لمبادرة الشفافية في أوسلو لا زال يشير) كما في هذا اليوم ) الى شهر تموز 2024!!!!!!!!!!!

  1. قد يقول قائل، ما المشكلة اذا كان البنك الدولي سيقوم بتمويل مهمة الاستشاري الدولي دون ان يتحمل العراق اية كلفة. هذا صحيح من الناحية المالية البحـتة. ولكن من المحزن والمؤسف والمقلق جدا ان يصل الامر بمسؤولي القطاع النفطي في العراق طلب الاستعانة باستشاري دولي لمسالة في غاية البساطة!! وفي الحقيقة فان أقصر وأسهل وابسط طريق هو العودة الى ما كانت تقوم به وزارة النفط وسومو بالإفصاح عن البيانات قبل ان اصبح جبار لعيبي وزيرا للنفط، ثم تطوير وتوسيع الافصاح حسب الحاجة ومقتضيات الضرورة.
  2. وكملاحظة شخصية فإنني متابع لهذا الموضوع منذ بداياته في عام 2008 ولغاية تاريخه فقد كتبت ونشرت عنه الكثير وساهمت بشكل مكثف ومركزي كاستشاري في ورشات العمل التي كان يقوم بها معهد رصد العوائد RWI ومن بعده معهد حوكمة الموارد الطبيعية NRGI   خلال الفترة بين 2015 و2019 في بغداد واربيل وبيروت شارك فيها العشرات من البرلمانيين ومنتسبي المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين والمهنيين وغيرهم. كنت ولا زلت أركز وأأكد على أهمية تطوير الطاقات البشرية العراقية المتخصصة وضمن منهجية مهنية متكاملة مدروسة تضمن انسيابية تجميع وتبويب وتحليل وتوفير البيانات المتعلقة بالقطاع النفطي وبما يفي بمتطلبات مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية.

النرويج

أحدث المقالات

أحدث المقالات