مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي كتاب سردي لحكايات مختلفة وباتجاهات شتى يجمعها الدكتور تحت مصطلح مهزلة العقل ويقصد به كل من يختلف عن ارائه ، وهذا لا يعني ان كل انتقاداته خطا بل البعض منها صحيح ولكن المعالجة خطا ، والرد على ما ورد في هذا الصدد يستحق اكثر من عدد ولكني ساكتفي برؤوس الاقلام للاجابة على بعض علامات الاستفهام واحقق الافهام لشباب تاثروا بالكتاب حتى الغرام .
الدكتور الوردي رحمه الله يقينا لو كان على قيد الحياة ويقرا الرد لربما يجيبنا لغرض الاقناع او قد يميل الى الامتناع لاعتقاده ردنا لا يستحق النزاع .
يقول الدكتور في ص /35: ان ماحدث بين فقهاء العراق عندما دخلت المدنية الى العراق مثل ما حدث عند فقهاء نجد حيث حرموا كل شيء جاء من الغرب حرموا قراءة الجرائد وحرموا السفور وحرموا التعليم وحرموا الزي الحديث وحرموا قص الشعر وكنا نسمع صرخات الاحتجاج ضد من يقول ان اصل المطر البخار وان الارض كروية وغيرها ” .
كما هو الواضح انه اعتمد على الصرخات والاقاويل وهنا لم يشر الوردي الى تاريخ دخول المدنية كما ذكر الى العراق ولكن على ما يبدو هو عندما دخل الانكليز مستعمرا العراق مع بدء الحرب العالمية الاولى سنة 1914 ودخلوا بغداد سنة 1917 اي ان عمر الوردي في ذلك الزمان اربع سنوات هذا اولا ، وثانيا يقول ان فقهاء العراق حرموا ، يعني ان هنالك فتاوى صدرت منهم وهذه الفتاوى للمراجع تكون موثقة ولا يمكن تغافلها ، فهل يمكن ان يعرض علينا من يؤمن بهذه الفكرة كتب الافتاء للسيد اليزدي او بقية المجتهدين وهم يحرمون التعليم وقراءة الصحف ؟ اما مسالة السفور فهي حكم شرعي من زمن الرسول (ص) وليست من استحداثات الفقهاء ، واما رفض العلم ، قد يكون سمع الوردي بعض هذه الاقاويل ممن لا يفقه بالدين ويعيش الاساطير فاعتبرها حجة ، وهذا الامر وفق العادات الاجتماعية موجودة في كل مجتمعات العالم عندما يحذر المجتمع من جديد غير مالوف ، فعندما سارت اول سيارة في شوارع لندن حكموا على السائق ان يستاجر شخص يسير امام السيارة عشرين متر لكي يحذر الناس منها ، واما اعدام الفلاسفة والعلماء في اوربا فكتب التاريخ تتحدث عن ذلك باسهاب ففي عصر سيطرة المسيحية قتل كثيرون من الفلاسفة والعلماء بسبب آرائهم.. مثل جوديا هالفي وجون هاس والفيلسوف الإسباني إبراهام بن داود. أما في العصور المسيحية المتأخرة فأشهر المقتولين سيجر البرابوني وهو فيلسوف فرنسي، قتل على يد المتشددين لأنه من أتباع الفيلسوف العربي ابن رشد. أما الجريمة التي تشابه ما حدث لسقراط فهي إعدام الفيلسوف الإيطالي غوردانو برونو حرقا وهو حي. وقد سجن غاليليو لآرائه الفلكية. وخشي ديكارت على نفسه أن يلقى نفس المصير فلم ينشر كتابه «العالم» في حياته، بل نشر لاحقا. في القرن السادس عشر أيضا قتل الفيلسوف توماس مور صاحب المدينة الفاضلة «يوتوبيا» وذلك بأمر من الملك الإنجليزي هنري الثامن .
النتيجة النهائية بعدما بنى الوردي اساسا من الخزعبلات والاتهامات بدا يبني بنيانه من طابوق انتقاداته للفقهاء عامة .