18 ديسمبر، 2024 5:51 م

معضلة السوداني مع النظام السياسي

معضلة السوداني مع النظام السياسي

 

مشكلة النظام السياسي في العراق أنه مأزوم متوتر قابل للإنفجار في أي لحظة يسعى لتأجيل حل الأزمات إلى إشعار آخر.

بيئة غير صالحة للإستزراع لا تنتج سوى الشوك والحشائش لذلك مهما حاولوا زراعتها بنبات صالح في ثمره سيكون مراً علقماً.

لا يغيب عن أي مراقب سياسي أو متابع أن المشهد السياسي في العراق يتكرر دائماً برؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين بفصول متشابهة وإستنساخ غريب لتجارب السلطة في ممارسات أعمالها، والمفارقة أن المنظومة السياسية ومهما حاولت إيجاد البديل الحسن والأفضل على الأقل في نظر الشعب فما تلبث هذه الحليمة أن تعود لعادتها القديمة بإستشراء الفساد وتشجيعه ومباركة اللصوص وجعلهم في أرقى المناصب الحكومية، حتى لو حاول هذا البديل ببعض التغيير والتمرد أو التقدم خطوة إلى الأمام فإن النظام الحاكم بأمره الذي جاء به سيطوقه ويرجعه خطوتين إلى الخلف أو حتى يخنقه من أجل أن لا يوسوس له العقل الخروج عن مساحة حدوده وقوانينه التي يفرضها على الجميع وبضمنهم من يتولى المسؤولية التنفيذية في البلد.

بالمحصلة النظام السياسي هو الذي يفرض شروط اللعبة وكيفية اللعب لكل أعضائه حتى ولو كان من بينهم من يود أن يغرد خارج السِرب.

الغريب أن النظام السياسي الذي يعلن الولاء والطاعة للسلطة التي يرشحها سرعان ما ينقلب عليها أو حتى يتركها في منتصف الطريق والبدء في البحث عن بديل جديد وهي من غرائبيات السياسة في العراق.

إن أي رئيس وزراء مرشح من قبل هذه المنظومة سرعان ما تنقّض عليه حين تجده بدأ يتململ من أدوارها وطلباتها.

أكثر من خمس حكومات توالت على العراق منذ عام 2003 بنسخها المتشابهة والمتطابقة لم تتغير منها سوى الأسماء والمسميات والأحزاب التي يرتفع رصيدها بالسلطة تارة وينخفض في حالات أخرى.

خلطة العطار التي يشترك الجميع في صنعها لإنتاج رئيس وزراء تتفق بأن يكون ضعيف غير قادر على رفض أوامرهم وطاعته العمياء لهم، يرسم أن النظام السياسي لا يرغب برئيس وزراء قوي قادر على إدارة دفة الدولة، بل إلى مطيع مستسلم للواقع المفروض عليه.

يعترف البعض أن الذنب ليس بمن يتولى المسؤولية ولكن خطيئة النظام الذي يجبره أن لا يحيد عن مسيرة من سبقه من السلف الطالح.

حكومة السوداني التي يُطلب منها أن تكون بيضة القُبّان في توازن العلاقة بين الضغط الأمريكي الذي يريد حكومة وفق مقاساتها وشروطها وبين الفريق المقابل الذي كان إلى وقت قريب يقاتل في البرلمان العراقي من أجل إصدار قرار إخراج القوات الأمريكية من العراق، يجعل من معادلة السوداني صعبة في إستيعاب الضغط الأمريكي والهيمنة الإيرانية على القرار العراقي.

بالمحصلة لن يكون رئيس الوزراء قادراً على حمل أعداد البيض جميعها في يدٍ واحدة ولابد للكف أن تميل لصالح جهة ما، هي من ردود الأفعال التي تتعاكس في الإتجاهات المتضاربة.

الرماد الذي يُخفي تحته الجمر الملتهب لا يلبث أن يُحيل الموقد إلى نار خصوصاً مع إشتداد الرياح فالأمور تسير بشكل لا يبشر بخير مع تلك التحولات الإقليمية والدولية والأمزجة والتقلبات التي ترافق النظام الدولي.

أزمة الدولار هي مقدمة لعمل ما يجري الإعداد له، خصوصاً وإن أمريكا تدرك حجم التأثير الذي تحدثه سياسة التجويع وإنهاك الشعوب إقتصادياً.

فوضى القرار السياسي الذي يضغط على السوداني ربما يزيد من الأخطار ليس بسببه بل نتيجة أخطاء النظام السياسي الذي يفتعل الأزمات ويخلق الفوضى ويحاول أن يُجهِز على الجميع ومن ضمنهم رئيس الوزراء لإعتقاده أن ذلك من مبررات ديمومة الإستمرارية، ذلك هو الإنهيار الذي قد يكبر وينذر بسقوط المعبد على رؤوس كهنته.