(الدين قديم جامد والعصر حديث متجدد ولا سبيل للتوفيق بينهما بشكل من الاشكال) هذا لسان حال الكثيرين اليوم وهو بحسب رأيهم السبب في تركهم الدين كمنهج للحياة لقدمه ولأنه لا يحاكي ما حولهم من دنيا اليوم ولن نؤيد او نعترض على قولهم الا بعد استعراض مختلف وجهات النظر في هذا السياق ويبقى الحكم للقاري المنصف في تشخيص الصواب من الخطأ.
مفهوم الحداثة:
قبل الخوض في تقييم الدين وحداثته او جموده لا بد من تعريف لحداثة العصر او ما تسمى حداثة، فخلاصة ما يشهده الانسان اليوم هو تحرر الافكار من كل قيد والتزام وتطور الصناعات والمهن في كل المجالات بلا استثناء وهذا هو جوهر الحداثة (افكار جديدة وصناعات جديدة). افكار جديدة نابعة من فراغ موروث او استنتاجات خاطئة او دوائر مؤامرات تزرع ما تشاء من الافكار لغايات في نفوس القوم وهم اساتذة في ذلك وحرب فكرية من اعداء السماء ضد كل ما يمثل السماء ومن يمثلها وبشر مدفوعين بالمال والجاه والنفخ في انهم يفهمون او انهم مثقفون فكما قبل سابقاً (شيم العربي واخذ عباته) نرى حولنا من اعراب الحداثة الكثير ممن يشيمهم الغرب والغير ويمسخ افكارهم بكل بساطة! ولا مجال لنكران ان بعض هذه الافكار هي استجابة منطقية لتطور العصر وانه لا بد منها. واما بخصوص الصناعات والمهن الحديثة فهي الاخرى نوعان نوع لا بد منه لدوام الحياة ولتطورها ونوع اخر وجد بسبب افكار مشوهة انتجت صناعات مشوهة وممارسات خاطئة لا تليق بالبشر خليفة الله في الارض ومن يحتوي نفخة من روح الله ومن استخلف ليحقق رسالة الله في الارض ومن هذه المهن المشينة بحق البشرية تجارة الاعضاء البشرية واسواق الدعارة وجراحات تغيير الجنس وقوانين الزواج المثلي والمؤسسات الاعلامية والتجارية والصناعية الضخمة لدعم كل انواع الشذوذ عن الفطرة السليمة لبني البشر.
جمود الدين!
هل الدين جامد؟ والحديث هنا عن الاسلام تحديداً فلا شأن لنا بغيره من الاديان والعقائد ولأصحابها حق الدفاع عنها ان ارتأوا ذلك ولو انهم حولوها الى شعارات وشعائر فارغة من اللب والمعنى ووسيلة بائسة لأثبات ان لهم دين ورب يشكلونه حسب اهوائهم ويعبدونه كما يريدون لا كما يريد ويأمر.
هل مفاهيم الدين الاسلامي جامدة غير متحركة؟ نحن نعلم علم اليقين ان الله تعالى انزل الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حجة ظاهرة على خلقه الى يوم القيامة والهم الرسول الكريم محمد (ص) بأن لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى واتم رسالته (ص) بأل بيته الكرام والذين استمروا اكثر من قرنين ونصف من الزمان يوضحون للناس ما استحدث من امور دينهم ودنياهم وقد مهدوا الطريق الى التجديد والتطوير للدين واحكامه مع الزمن بأن اسسوا الاصول الكلامية والفقهية والعقائدية والاخلاقية وحدثونا عن ما يحدث في الازمان اللاحقة لهم وكيف يجب ان نتعامل مع المستجدات وقالوا:(علينا التأسيس وعليكم التفريع) وقد خرجوا مدرسة كاملة واجيالاً من رواة الاحاديث والفقهاء الذين الفوا امهات الكتب في كل التخصصات الدينية والعلمية ايضاً فكانت ثورتهم العلمية رافداً من روافد العلم الحديث ونبعاً صافياً افاد البشرية جمعاء بما ينفعها ان احسنت الاستفادة منه.
اذاً لا مجال لنعت الدين بالجمود والتخلف والعجز عن مواكبة الحداثة ولكن!
ولكن هل كل القائمين على تبليغ الدين وتعليمه ونشره يمثلون الدين الحقيقي الصافي الصحيح؟ قطعاً لا فالحق واحد والباطل متعدد ولو كانوا كلهم على طريق الدين لاتفقوا على صيغة خطاب موحدة تجاه مستجدات اليوم على الاقل فلا سبيل الى توحيد الآراء الفقهية ولا ضير في ذلك ما دام الكل يعمل برجاء المقبولية من الله تعالى ولكن على الاقل لو كانوا كلهم على طريق الله تعالى لاتفقوا على موقف الاسلام مثلاً من اقامة دولة اسلامية في غياب المعصوم او حدود صلاحية المرجع الديني في الناس (ولي فقيه مطلق الصلاحيات) او (رواه حديث فقهاء حلال وحرام فقط) او لاتفقوا على الموقف من الاحكام والقوانين الوضعية للدول القائمة وغيرها الكثير من ابسط المواقف التي يفترض ان يتوحد عليها تلاميذ مدرسة الدين الواحد!
اذاً ليس الكل هداة الى طريق الله وادلاء عليه وليسوا كلهم ممثلين شرعيين للدين، نعم ليسوا كلهم كذلك بل والادهى من ذلك حين نعرف ان بعضهم قد باع اخرته ودنياه ليكون بوقاً للسلطة او عميلاً للغرب او تاجراً بأسم الدين او قاطعاً للطريق بين العبد وربه (كما يعبر عنهم السيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف واصفاً رجال الدين المنحرفين او البعيدين عن روح الدين الحق) وهنا يجب التمييز بين الهداة الى طريق الله في الدنيا والاخرة وبين الاخرين من قطاع الطريق وائمة الظلال والفتن والتشويش على دنيا الناس ودينهم.
حداثة بحاجة الى اعادة نظر
ان حداثة اليوم بكل معانيها التي ذكرت والتي لم تذكر لا تخلوا من فساد وافساد كما وصفه تعالى في كتابه (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس) ولا يوجد من يبرئ الحضارة اليوم من تهمة العمل لتقريب النهاية الحتمية للأرض ومن عليها فطمع الشركات الكبرى والدول العظمى والجشع للسيطرة على العالم وكل البشر فيه ليس عسكرياً فقط بل واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفرض ما يرونه مناسباً لمصالحهم كل هذه الامور سببت وتسبب الاحتباس الحراري واستنفاذ مصادر الطاقة وهلاك الكثير من المخلوقات بشراً وغير البشر في سبيل صمود اقتصادهم ودوام سيطرتهم على البر والبحر والجو وما فوق الارض وتحتها، فهم لا يتورعون عن خلق فتنة بين ابناء الشعب الواحد لتصريف منتجات سلاحهم ولا يتحرجون من خلق حرب بين دولتين لزيادة بيع السلاح الفائض لديهم ولا يخجلون من تخويف الدول بعضها من البعض الاخر لتزيد تلك الدول ترساناتها الحربية وإجراءاتها البوليسية والعسكرية والمخابراتية في عملية قذرة لتحويل البشر الى حيوانات في غابة يأكل القوي فيها الضعيف ولا يجدون حرجاً في قتل او نفي او التشهير او تحريف دعوة كل من يدعو الى دين او خلق او انسانية بل انهم يقتلون انسانية الانسان ويداعون بحقوق الحيوان! وهم يتاجرون بأجساد النساء وينادون بحقوقهن ويسنون القوانين لرعاية الاطفال ولديهم اكبر نسبة للاعتداء على الاطفال والقائمة تطول في تعداد مأسي ما يسمونه حداثة والتي بدل ان تلتزم نهج السماء في تصحيح اخطائها تدفع لأجرائها في بلاد الاسلام ليمسخوا الدين ويجعلوه يسير في ركب الحداثة الفاسدة والاهواء الضالة وبدل ان ينهض علماء الدين ورجاله ومختصوه في ثورة على كل فاسد ومتنكر لهدي السماء وكل متمرد على ربوبية الله في عباده نراهم وبدفع من الوحوش الكبار يتبادلون التهم والسباب والشتائم والتسقيط لبعضهم البعض حتى غدا من اصعب الصعاب تنزيه رجل دين في زمن الملاحم والفتن والتشهير والتسقيط والى الله المشتكى.
خلاصة القول
الدين جسد حي متجدد لا يبلى ولا تنتهي عجائبه في اثبات احقيته في قيادة دفة السفينة للبشرية الحائرة اليوم وهي تزداد حيرة وتخبطاً حين تتهم الدين بانه سبب معاناتها وبؤسها بتشجيع من هنا ودفع من هناك. واما الحداثة فهيكل ظاهره جميل وباطنة اسود قبيح لمن فكر بغيره ولم يقس الامور على نفسه وترفه ولمن نظر الى ضعاف الخلق والمسحوقين تحت عجلة التطور وليس لقادة تلك العجلة الظالمة العمياء وما لم تتغير طريقة سير تلك العجلة المتوحشة فان المسحوقين سيثورون يوماً بدعم من السماء ليصبحوا ائمة ويصبحوا الوارثين.