18 ديسمبر، 2024 7:08 م

معركة الأحصنة وحصاد القرود

معركة الأحصنة وحصاد القرود

دخلنا لعبة الشطرنج ومازال الساسة في موقف المراقِب والمراقَب، فقد تحققت إحدى السناريوهات المنَظَّمة والمتوقعة بردِّ الصدر أو موقفه أو إنتقامه لمجرد التفكير في تشكيل حكومة بعيداً عنه، ها قد ثبت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على رأيه، والتخوف من ردة فعله قد زال، لكن الخوف من سيناريو قادم بعد اقتحام اتباع الصدر مقر مجلس النواب لم يزل، والسؤال الأهم هنا لماذا لم يستطع المتظاهرين الوصول إلى سور البرلمان على أقل تقدير أو اقتحامه في تظاهرات تشرين وراح آلاف الشباب قتلى وجرحى؟
الإجابة قد تكون معروفة ودون الخوض في التفاصيل.. فإن التعليمات الصادرة تلزم التابعين بالدخول إلى مبنى البرلمان بإعتصام مفتوح أما رئيسي الوزراء والبرلمان يبدو أنهم مؤيدين لذلك القرار، وهنا نذهب إلى السيناريو المطلوب وهو بقاء حكومة مؤقتة قد تقتضي ببقاء الكاظمي، و سعياً لتخفيف التصعيد السياسي والتناحر بين الطرفين راح البعض للتهدئة مثل عمار الحكيم بعد ما دعا مؤخراً إلى الإبتعاد عن الفتنة، وسبقه الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، مكرراً طلبه بترك نهج الإقصاء ورفض الآخر، حسب تغريدته فالبلد بحاجة للتضحية، واحتواء وجهات النظر المختلفة، أما التنسيقي فقد أجَّلَ تظاهراته المعارضة لمحبي الصدر، كل ذلك ليس محبة في الشعب بل محبة بمصالحهم، ذكرتُ سابقاً إن تأخير تشكيل الحكومة والمماطلة والعراك على المناصب يؤدي إلى تداعيات تُلقي بسمومها على الوضع العام، والمواطن في طبيعة الحال هو من يقع في شباك الإتفاقات أو التناحرات السياسية… وكان الصحافي والروائي البريطاني جورج اورويل قد وصف هذه الحالة قائلاً: السياسيون إذا اتفقوا أكلوا المحصول وإذا تعاركوا أفسدوا الزرع، ففي كلتا الحالتين “فساد”، أما سرقة الزرع أو إفساده، لذلك فإن الأمر الأول في الإعتصام الآني، هو على مايبدو تصفية حساب من جهة وفرض القوة بحشد جماهيري من جهة أخرى، يجابهه الطرف الآخر بالحذر والتريث اللذين يقف ورائهما الخوف من جبهة السيد الصدر، الذي رفض مشاركة الإطاريون في حكومة مشابهة لسابقتها، فأوعز إلى الصدريين بالإعتصام، أما الأمر الثاني والأهم هو أسلوب خروج هؤلاء المعتصمين في طرح التظاهر، وكيفية تصدير هذا الإعتصام الذي يفترض أن يأتي بقيمة كبيرة وهي “تغيير مسار تشكيل الحكومة”… قيمة يجهلها البعض ممن يصفقون لمجرد التصفيق، ولهذا فإن الفوضى والشعارات وطريقة “الهوسات” تعكس ضعف التنظيم وجهل بعض الأتباع المعتصمين بفكرة الإعتصام الحقيقية، لكن الفكرة وإن كانت مرفوضة كونها خرجت بهدف صدري وليس شعبي لكنها مطلب وطني بالنسبة للبعض، بهدف الوصول إلى قبَّة البرلمان وتهديد الطبقة السياسية على الأقل بإسقاط هذا النظام بإعتباره لم يقِّل قساوةً وظلماً عن نظام البعث الذي طالما انتقدوه، فظهر أنهم الأسوأ والألعن!! ، فجميع الحكومات في ظل هذا البرلمان كانت نفعية غير وطنية، لذا فإن هدف الإعتصام مقبول بالنسبة للبعض، بعد رسالة الصدر الأخيرة، وإن كان المستقبل مجهولاً… فيا خبر اليوم بفلوس بكره بلاش.
في كتاب على خط النار د.مصطفى محمود قال: إن ” آفة هذا الزمان هي غياب الأخلاق و الضمير وتراجع الدور الرقابي، وغَلَبة الطمع والجشع وعبادة الأغنى والأقوى والأكثر نفوذاً، ونفاق السلطة والمشي في مواكب الحكام وَعَولمة التفاهة و إثارة الشهوات في وسائل الإعلام، كل ذلك بدايات قادت إلى الفساد الذي نشكو منه آنياً.