17 نوفمبر، 2024 6:30 م
Search
Close this search box.

معذرة أولاد العم ….. لسنا مؤهلين للتطبيع

معذرة أولاد العم ….. لسنا مؤهلين للتطبيع

لا يخفى على جميع المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي العربي بأن الصراع العربي – الاسرائيلي له جذور تمتد من نهاية القرن التاسع عشر عندما بدأ اليهود الأوربيون بالهجرة الى فلسطين بعد عام 1880 مروراً بمرحلة الإنتداب البريطاني و وعد بلفور ثم مؤتمر سان ريمو تليه اتفاقية سايكس – بيكو وحتى إعلان دولة إسرائيل في الرابع عشر من مايو عام 1948 ، والذي قاد في النهاية إلى مواجهات ونزاعات عديدة . ومع تنامي الدور القومي مجُسداً بالناصرية بعد قيام ثورة يوليو عام 1952 وصعود الضباط الأحرار ، بدأت مرحلة جديدة من الصراع الذي فجره قيام دولة إسرائيل في فلسطين ، حيث عمل ( الزعبم القومي الجديد جمال عبد الناصر بكل ما يمتلك من كاريزما )على تسخير كل الجهود لتحويل بوصلة الصراع الدائر الى صراعاً عربياً – إسرائيلياً وليس فلسطينياً – إسرائيلياً ، وبأنه صراع وجودي يمس مصير كل الشعوب العربية وليس شعب فلسطين فقط ، حتى نجح في تمرير كل شعاراته التي لا زلنا نحفظها عن ظهر قلب الى شوارع أغلب الدول العربية عن طريق ( صوت العرب من القاهرة ) ، وباتت قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب والعصا التي يتعكز عليها القوميون في نشر إكذوبتهم بالأمة الواحدة والشماعة التي يعلقون عليها فشلهم المخزي والمستمر في بناء أوطان مستقرة ومزدهرة لشعوبهم ، وهذا لا ينطبق على عبد الناصر في مصر فقط بل وصل هذا الوباء الى الآنظمة البعثية الحاكمة في بغداد و دمشق على وجه الخصوص وعواصم عربية أخرى ، إذ عملت تلك الأنظمة السياسية الحاكمة على تحشيد كل الجماهير وتعبئتها نفسيا ً بأن هذا الصراع هو صراع أبدي مادامت فلسطين سليبة وأن اليهود هم الفئة الوحيدة في هذا العالم من يهدد وجود العرب وكيانهم وأمتهم الواحدة التي لم ولن ترى النور إلا في مخُيلة الحالمين من السذج . ففي تلك الأجواء نشأت أجيالنا وجبُلت طينتها على معاداة اليهود ودولتهم الجديدة ، وأصبحت درجة كره اليهود والحديث عن معاداتهم معيارا ً للوطنية التي يتمشدق بها حكام العرب أمام شاشات التلفاز وهم يتلون خطبهم الفارغة التي لاتخلو مناسبة ، بل لا يخلو يوم من ظهورهم أمام وسائل الإعلام رافعين أصواتهم بالتهديد والوعيد للكيان المُغتصب.

ومع إستمرار تنامي جذور هذا الصراع من دون علاج ناجع وحكيم ، أصبح للأسف مصدراً لا ينضب وذريعة للقمع وسفك الدماء في المنطقة وخارجها ، لأنه أسهم بشكل كبير في تعزيز قوة وشعبية المتطرفين في عموم المنطقة وظهور بعض القوى الإقليمية التي حاولت أن تستخدم هذا الصراع كذريعة لتنفيذ مخططاتها نحو الهيمنة وامتلاك السلاح النووي وتحييد إتجاه الصراع الذي بدأ يتحول إلى ديني عقائدي خصوصا ًبعد مجئ نظام الملالي في طهران وقيام الثورة الإسلامية عام 1979 ،الأمر الذي بات يشكل خطورة أكثر على مستقبل دول المنطقة بضمنها إسرائيل. فعدم وجود حل لهذا الصراع كان أحد ابرز العوامل التي أستغلتها إيران للتلاعب بعواطف جمهور المسلمين وتأجيج مشاعرهم في المنطقة ، ومثال ذلك ما أعلنه الخميني مؤسس إيران الإسلامية عام 1979 عن ضرورة أن يكون هناك مناسبة تجمع كل المسلمين في العالم للتضامن مع القضية الفلسطينية فكان يوم القدس العالمي الذي يصادف الجمعة الأخيرة لشهر رمضان من كل عام مناسبة للتعبيرعن تضامن الشعوب الإسلامية مع القضية الفلسطينية . وكما أسلفنا فأن التجارة بالصراع العربي- الإسرائيلي لم تبدأ من الخميني بل سبقه القوميون العرب الذين أعتبروا إن القضية الفلسطينية هي جوهر هذا الصراع ، فقد كانت ولازالت تمثل الهدف العريض لأية قوة إقليمية تسعى لتأكيد مكانتها ونفوذها ، فمصر الناصرية إستمدت سطوتها الإقليمية من قيادتها لهذا الصراع وتبنيها للقضية الفلسطينية. وعندما قام صدام بغزو الكويت رفع شعار تحرير القدس وإستهدف إسرائيل بعدة صواريخ عمياء أثناء حرب تحرير الكويت لنيل تعاطف الشعوب العربية ، واليوم تسعى إيران ضمن إطار تأكيد زعامتها الإقليمية إلى توظيف هذا الصراع وقيادة المواجهة مع إسرائيل تبريراً لسعيها في تطوير قدراتها العسكرية وإمتلاك السلاح النووي ، وبالتالي تسيدها على المنطقة . إذن لا أحد يستطيع أن ينكر خطورة الإنعكاسات السلبية التي ترتبت على عدم تسوية هذا الصراع الممتد لأكثر من سبعين عاما ًعلى الأمن والإستقرار ليس فقط في المنطقة بل في العالم كله ، والدليل إنه أسهم الى حد كبير وبدعم من الدول التي تدعي تصديها لزمام المواجهة مع إسرائيل في زيادة نمو الحركات الإسلامية المتطرفة مُستغلة غياب الحل أو التسوية الشاملة لهذا الصراع وتجنيد المزيد من الشباب المؤدلج عاطفيا في صفوفها.

و بعد كل ما أسردنا…. نتسائل هل من نهاية لهذا الصراع الذي لم يجني منه العرب سوى الهزائم ومزيداً من الإنحدار والتخلف والفوضى وبشتى الميادين ؟ ألا يعون أن العالم يتغير وإن استمرار الصراع العربي- الإسرائيلي هو أساس كل أزمات هذه المنطقة ؟

لشدة إيماني بالعقل والمنطق ولمعرفتي التأريخية المتواضعة بهذا الصراع الذي تتحمل تبعاته القيادات العربية قبل الاسرائيلية ، أدعو كل العقلاء وأصحاب الحكمة الى تجريد هذا الصراع من صبغتيه القومية والدينية وأن نتيقن تماماً بأن هناك سماسرة وتجار يقفون خلف تأجيج هذا الصراع ، فبقاءه وديمومته مرتبط بشكل كبير بمصالح هؤلاء ، فماذا جنى المصريون من سعيهم وراء عبد الناصر الذي أضاع سيناء وألبسهم رداء الجوع والذل والفقر ؟ ، وماذا جنى العراقيون من شعارات القائد الضرورة الذي أضاع العراق بكامله وسلمه لحفنة من اللصوص والعملاء ؟

وأكثر ما يثير الدهشة، أنه في الوقت الذي يجب أن تكثف فيه كل الجهود الفلسطينية لأيجاد حل منصف لقضيتهم ، نرى الفلسطينيون منشغلين بكيفية إدارة الصراع بين بعضهم البعض (حركتي قتح وحماس) طمعا ً بالمناصب ، لذا علينا كعرب أن لا نكون فلسطينيون أكثر من أهل فلسطين ، فيكفي ما دفعناه من أثمان باهضة لهذه القضية التي يتلاقفها تجار السياسة هنا وهناك ، ففي العراق ، وفي الوقت الذي كنا فيه نفترش الأرض ونلتحف السماء لشدة وقساوة الظروف الإقتصادية التي عانينا منها خلال فترة الحصار التي أعقبت غزو الكويت ، كان رأس النظام السياسي البعثي في العراق يغدق العطايا والهبات للفلسطينيين ، إذ أمر بتخصيص مبلغ قيمته خمس وعشرون ألف دولار لكل شهيد فلسطيني مقابل بضعة دولارت راتباً شهرياً للموظف العراقي والتي لا تكفي لشراء علبة سكائر وطبقة بيض ونصف كيلو غرام من السكر. فهل يصح الإستمرار في طريق الخراب وتبديد الثروات الوطنية والانصياع للشعارات التافهة التي لا تُغني ولا تُسمن ؟ أم يحتم علينا ما نعبشه اليوم كعالم عربي من يؤس وتردي وضياع تام لأوطاننا وشعوبنا وقفة حقيقية مع أنفسنا نتأمل من خلالها وافع العالم اليوم وكيف تدار السياسات الدولية وأن نبحث عن مصالحنا الحقيقية التي من شأنها أن تنهض بأوطاننا ومجنمعاتنا تحقيقا ً لرفاه أبنائنا وحفظ كرامتهم الإنسانية . كانت تلك السطور تدور في مخيلتي وأنا أتابع الأنباء المتعلقة بإتفاقية التطبيع الذي أبرمته دولة الإمارات مع دولة إسرائيل قبل أيام بمباركة ورعاية أميركية، فلا أستطيع أن أخُفي إعجابي بأولئك الرجال الذين كانت تقودهم إرادة عظيمة إزاء تلك الخطوة الكبيرة على طريق تحقيق السلام الشامل والعيش الآمن لشعوبهم في كل من الدولتين ، وقد فعلها قبلهم الراحل العظيم محمد أنو السادات والذي أسجل لروحه النقيه أشد عبارات الإعتذار لما صدر عني من شتائم وهتافات مع زملائي في المظاهرات التي جابت شوارع بغداد حين كنا لا نزال شباباً يافعين تتلاطم بنا أمواج المد القومي بفكره السخيف ، إذ جعل هذا العملاق مصلحة شعبه وبلده فوق كل المصالح ، وقرأ التاريخ كما ينبغي وفهم الأحداث كما يجب وأدرك إن العالم يتغير نحو خارطة جديدة لا مكان فيها لمن لا يؤمن بالواقع والمتغيرات. وتساءلت مع نفسي هل بإمكان رجال النظام السياسي الهزيل في العراق أن يخطو مثلها ويفعلوها كي يكفينا الله شر القتال والخراب ويحل السلام والوئام كلغة بديلة لنا بعد أن إكتوينا بنيران الحروب والجوع والتخلف والدمار بكل الميادين؟ لا أعتقد أن ذلك ممكناً ، ونحن ندور في فلك الفوضى التي نعيشها في العراق منذ 17 عاما ً مضى ، فقد عجزت كل الحكومات المتعاقبة والأحزاب المتنفذة عن بناء مدرسة حديثة واحدة فكيف نرجو منها بناء الوطن . فحالة اللا دولة التي تعصف بنا ، وهيمنة الفصائل المسلحة الولائية والفساد المخيف الذي يضرب كل قطاعات الدولة والقصور الثقافي الكبير في المجتمع والهيمنة الإيرانية الواضحة على كل مقدرات العراق كلها جعلت المشهد العراقي مُعتما ً وضبابياً ، حتى أن صناعة القرار العراقي مرتهنة وأسيرة خارج الحدود مما يجعل البلد غير مؤهل تماماً لفكرة التطبيع ، وعلى دولة إسرائيل ان تتيقن أنه لا تطبيع مع العراق بوجود نظام الولي الفقيه المهيمن على الساحة العراقية وأذنابه من الأحزاب والميليشيات الموالية ولربما هناك فرصة أخرى فيما لو تغيرت الخارطة السياسية للمنطقة .

أحدث المقالات