علي الكاش
القرآن الكريم والسنة النبوية لم يتمكنا من إختراق اسوار عقل عوام الشيعة، في حين تمكن المراجع وخطباء المنبر الحسيني من ذلك بسهولة.
سؤال مهم: لماذا لا يتحدث مراجع الشيعة وخطباء المنبر الحسيني عن القرآن والسنة النبوية وفرائض الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة مع أتباعهم، بدلا عن الأساطير والخرافات؟
من أخطر التخاريف تلك ذات الطابع الديني، سيما انها تنطلي على العوام من الجهلة والمستحمرين، او الذين التفت الطائفية حول اعناقهم كما تلتف الأفعى على فريستها، فتؤثر تأثيرا مباشرا في سلوكهم وقد تدفعهم الى العنف او الإذعان الأعمى للمراجع الدينية، والتخاريف لا تقتصر على بلد او شعب أو دين ما، قد تجد لها جذورا وموطئا حتى في البلدان المتقدمة، ولكنها تكون غير مؤذية ولا تؤثر في السلوك العام، وتقتصر على المؤمنين بها، ويرفضها غالبية المجتمع، في حين ان تأثيرها على الدول المتخلفة تأثيرا كبيرا، وتجد له موطئا في عقول العوام. وتتفاقم المشكلة عندما يكون لرجال الدين والسحرة والمشعوذين قنوات وصحف تنشر سمومهم على العوام، وتصل المشكلة الى ذروتها عندما تتجاهل المرجعيات الدينية هذه التخاريف ولا تضع لها حدا، فالسكوت هنا يعنى الموافقة على الفعل وقبوله وربما على مضض، ولا يوجد تفسير آخر. والأدهى منه عندما يكون موقف الحكومات من هذه التخاريف موقف الصنم فلا تحرك ساكنا ازائها اما بسبب سطوة رجال الدين او انشغالها بالفساد وأمور أخرى، فوزارات الثقافة والتربية معطلة فيها تماما. تصوروا في العراق وزير الثقافة من عناصر ميليشيا عصائب أهل الحق!
أبرز مثال على هذا الحال ما يجري في العراق، فخطباء المنبر الحسيني والسحرة والمشعوذين تعاظم دورهم وتأثيرهم على العوام، بل صارت المستحيلات من المسلمات في عراق اليوم، والأمثلة كثيرة على ذلك، مثلا قال أحد خطباء المنبر الحسيني المبتذل بتخاريفهم، ان جيش علي بن أبي طالب وقف أمام نهر متحيرا في كيفية عبوره، فقال لهم علي لا تقنطوا، بيدي الحل، فشمر عن ساعدة وفتح راحة يدة فوصلت الى الضفة المقابه لهم، فعبر الجيش والخيول والأمتعة على يده المباركة. وبدلا من يقوم الحاضرون بدس النعال في فم هذا الأفاك الدجال كانوا يصيحوا (اللهم صلي على محمد وآل محمد)، هل بمثل هذا الشعب يمكن أن ينهض العراق؟ هل الشعب الذي فيه (7) مليون أمي ومتسرب من الدراسة سيكون له دورا في نهضة البلد؟ وهل المطايا التي تدرسهم (حسب وصف وكيل وزارة التربية للمعلمين) يمكن ان ترفع من مستواهم العلمي والثقافي؟ هل من المتوقف ان يحقق هذا البلد طفرات في التنمية او التقدم؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك والشعب ما زال الشيعة يعيشون سقيفة بمني ساعدة، دخرلها منذ 1400 عام ولم يخرجوا منها لحد الآن. كيف ينهض شعب ترزخ على صدره صخرة الحسين؟ رجل حجازي لا علاقة له بالعراق، جاء الى الكوفة بضعة أيام وقتل فيها. وهل المكان الذي يقتل فيه الإنسان يعتبر مقدسا أم مسرحا للجريمة.
اليوم في العراق مراقد ما أنزل الله بها من سلطان، كمرقد الرفاس الدفاس، ومرقد العلوية خضروات بنت الحسن، مرقد زكية بنت الحسن، مرقد العلوية فخرية بنت الحسن، مرقد العلوية شريفة بنت الحسن، وكمون، والمئات غيرهم، ويبدو ان الأمر يسير على خطى الجارة الشرقية ونظام الملالي، فقد بلغ عدد المراقد والأضرحة والمزارات في ايران عام 2008 حوالي (10700) ولم تكن تتجاوز (1500) قبل ما يسمى بالثورة الاسلامية البائسة عام 1979. والتجارة في أئمة الشيعة هي أفضل تجارة وارباحها تفوق الخيال، وغالبية المراقد والأضرحة مستوحاة من أحلام ورؤى لبعض الدجالين، علما ان القبور الحالية لعلي بن أبي طالب وإبنه الحسين غير حقيقية، وليس لها سند تأريخي، وناقشنا هذه الأمر في كتابنا إغتيال العقل الشيغي بإستفاضة.
وآخر مظاهر التخريف كانت (قطارة الإمام علي)، وذكر احد المعممين الدجالين” وكان الرعاة يمرون بقربها لأنهم يدركون ان هناك ماء في المنطقة وهذه (القطّارة) تقطّر الماء من تحت الصخرة وتعيده إلى حوض تحتها، ولا أحد يعرف من أين أتي الماء لأنه لا ينقطع، وتشير الدلائل إلى أن المكان كان موحشاً وبالقرب من الصخرة كانت هناك نخلة وهي دليل الرعاة والمارين من القوافل والمسافرين وعابري السبيل. وبعد مرور سنوات قليلة على سقوط النظام تم إكساء الطريق المؤدي إلى (قطّارة) الإمام (ع) وتم تشيد قبة إسلامية جميلة على المشهد فضلاً عن الخدمات الصحية والماء وغيرها من الخدمات”. وراحت مخيلة المعمم الى رحاب أوسع، فإستطرد ” ان الزوار تأتي لمقام و(قطارة) الإمام علي (ع) من كل مدن العراق للزيارة والتبرك، ومشاهدة هذه المعجزة الإلهية على يد الإمام علي (ع) وتأخذ ماءً كثيراً للشفاء من الأمراض وطلب الرزق والإنجاب، وقد استجاب الله (تعالى) ببركة الإمام علي (ع) للعديد من الزوار بهذا المكان المبارك”. كان المزار الوهمي كذبة كبيرة فلا جيش علي مرٌ به في معركة صفين ولا توقف عنده. وتبين ان الماء المقطر عبارة عن أنبوب مرتبط ببئر رُكبت عليه مضخة، ويمر الماء عبر الأنبوب الى تحت الصخرة فتقطر الماء، فلا معجزة لعلي، بل حيلة مدبرة من تجار دم الحسين. والغريب انه بعد إنهيار المبنى المزور الذي أودى بحياة 8 أشخاص، وأصيب 6 آخرون بجروح بالغة، تبرأ الجميع من مزارهم المقدس، بل حتى محافظ بابل الذي إفتتح المشروع وممثل مرجعية النجف والوقف الشيعي، وحكومة المحافظة، ومجلس المحافظة، الجميع تبرأ، كأنما أشباح نزلت من السماء وشيدت المزار.
لو كان المزار أسس من قبل أشخاص لا علاقة لهم بهذه المرجعيات، نسأل كيف إفتتح محافظ بابل المزار، وأشاد به؟ ومن زود المزار بالماء والكهررباء؟ ومن خصص فوج حماية المزار؟ ومن أقام رحبة وقوف للسيارات وفرض أجور على رحبة العجلات، واين تذهب الأجور؟ ومن شَجَر المكان المحيط به وفتح محلات تجارية، وبعضها تبيع الماء المقطر للزوار؟ واين تذهب اموال الزوار التي يتبرعوا بها للمزار المقدس؟ ولماذا تسكت مرجعية النجف عن المقامات والأضرحة والمزارات المزورة؟ هل السبب إسوة بنظام الملالي لأن العرق دساس؟ وهل المزار مسجل من قبل عقارات الدولة أم لا؟ وهل يحق لأي عراقي أن يقيم مزارا دون أخذ الموافقات الرسمية؟ عشرات الأسئلة بلا جواب، الكل يتهرب من المسؤولية، ويقال ان صاحب المزار هرب الى ايران.
الأغرب منه ان السيد (علي لفتة سعد)عم العائلة الضحية أكد لشبكة رووداو الإعلامية ” تم إبلاغ المستثمر قبل فترة بوجود احتمالية لانهيار المكان، ولقد حصل بالفعل ذلك، ونحن من دفعنا الثمن بسبب المستثمر، وبسبب تواطؤ المحافظ نصيف الخطابي، وأنا أحمله كافة المسؤولية، سوف أقوم بمقاضاتهم قانونياً، لدي سبعة اشخاص من عائلة شقيقي فقدوا ارواحهم في هذا المزار”.
من جهة أخرى كتب (نصيف الخطابي) محافظ كربلاء على موقع فيسبوك” أن الموقع ليس تابعاً لجهة معروفة، بل لأشخاص وتم استدعاؤهم”. وأعلن الخطابي عن تشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة ملابسات، الحادث. المأساة تكمن في ان الحكومة ستفتح تحقيق بالمسألة، ولو قلت لأي عراقي عن التحقيق، سيغرق من الضحك، فلا يوجد لحد الآن لجنة تحقيقية أظهرت نتائجها للعلن وجرمت متهما، اللجان التحقيقية عبارة عن كفن ينتهي الى القبر، أما القضاء والمدعي العام، فهم يأخذوا بعقيدة سبات الضفادع.
هل هذا الأمر جديد على العراقيين؟
ذكر ابن الجوزي” في سنة 535 وصل إلى بغداد رجل أظهر الزهد و النسك، و اقام في قرية السلطان بباب بغداد، فقصده الناس من كل جانب، واتفق أن بعض أهل السواد دفن ولدا له قريبا من قبر السبتي، فمضى ذلك المتزهد فنبشه ودفنه في موضع، ثم قال للناس في بعض الأيام: اعلموا أنني قد رأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه علي بن أبي طالب فسلمت عليهما وسلموا علي، وقالا لي: ان في هذا الموضع صبي من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وخطا لي المكان و أشار إلى ذلك الموضع، فحفروه فرأوا الصبي وهو أمرد فمن وصل إلى قطعة من أكفانه فكأنه قد ملك الملك، وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد وانقلب البلد وطرح في الموضع دساتيج الماء الورد والبخور، وأخذ التراب للتبرك، وازدحم الناس على القبر حتى لم يصل أحد من كثرة الزحام، وجعل الناس يقبلون يد الزاهد وهو يظهر التمنع والبكاء الخشوع، والناس تارة يزدحمون عليه وتارة يزدحمون على الميت وبقي الناس على هذا أياما والميت مكشوف يبصره الناس، ثم ظهرت رائحته و جاء جماعة من أذكياء بغداد فتفقدوا كفنه فوجدوه خاما ووجدوا تحته حصيرا جديدا فقالوا : هذا لا يمكن أن يكون على هذه الصفة منذ أربعمائة سنة فما زالوا ينقبون عن ذلك حتى جاء السوادي فأبصره، وقال: هذا واللَّه ولدي وكنت دفنته عند السبتي، فمضى معه قوم إلى المكان فرأوا القبر قد نبش وليس فيه ميت، فلما سمع الزاهد ذلك هرب فطلبوه ووقعوا به فأخذوه فقرروه، فأقر أنه فعل ذلك حيلة. فأخذ وأركب حمارا وشهر، وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة”. (المنتظم18/9).
كما تبين الأمر له جذور تأريخية، وليس وليد الحاضر. التخاريف فعلا أعدى العدى، وسبب الردى بقضها وقضيضها. والمؤمن بالتخاريف في قمة الغباء. شمس الحقيقة لا يحجبها حجاب الباطل، وهيهات ان تخفت في الظلام مشاعل، ولات ساعة ندم.
قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيـًا *** ولكن لا حياة لمـن تنادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في الرماد
هذا هو عراق اليوم، عراق الخرافات والأساطير والمزارات الوهمية، والمرجعيات الدينية الغارقة في وحل السياسة. والسياسيون الغارقون في وحل المرجعيات الدينية. عندما يصبح العراق عراق العراقيين جميعا ، وليس عراق الحسين والحاكم، يمكن ان نخطوا الى الأمام.