من نكد الدنيا على الانسان الوطني المخلص النزيه الحر الشريف في بعض الدول العربية هو أن الـ (CV) المتخم بالشهادات والخبرات والكفاءات والعطاءات والدورات والتكريمات والابداعات، قد صار وبالا على صاحبه وقد يحول جديا بينه وبين الحصول على أية وظيفة محترمة، وفي أية وزارة من الوزارات الحكومية أو القطاع الخاص أو المختلط ،وذلك لسببين رئيسين إما خشية من صرف راتب كبير لأمثال هؤلاء بالامكان صرف خمسه أو عشره لمن هم أقل خبرة وكفاءة منه ” كما أتحفنا بذلك الدكتور خالد العبيدي”، وإما خشية من منافسة هؤلاء ومزاحمتهم لكل من تصدر المسؤولية بناء على الولاء أو الألقاب أو الأحساب أو الأصهار أو الأنساب !
لقد كان الـ (CV) المزدحم بالدورات، المكتظ بالخبرات ،المتخم بالشهادات والزمالات والندوات والمحاضرات والبعثات والسفريات والانجازات، والى بدايات القرن الـ 21 بمثابة تأشيرة دخول ذهبية، وجواز سفر دبلوماسي ماسي لأية وظيفة ومن دون اختبار أو عقبات أو عراقيل ، على النقيض تماما مماهو عليه الحال اليوم في جو طارد للكفاءات ، مهجر للعقول ، مهمش للخبرات ، محاصر للأيدي النظيفة ، ولدعاة النزاهات ،وكما حدث مع أحد الأصدقاء قبل أيام قليلة “فإن العكس هو الصحيح تماما “حيث صارت السيرة المهنية المحترمة ، كذلك الاخلاقية المعتبرة ، أسوة بالاجتماعية النقية ، بمثابة حجر عثرة تقف كالمطبات الصناعية ، والحواجز الكونكريتية حائلا في طريق صاحبها إذا ما أراد التوظيف في دوائر ومؤسسات تقودها كل موقوذة و متردية ونطيحة !
وعندما سألني الموما اليه وهو في غاية التأثر والدهشة والاستغراب ” ترى لماذا تم رفض طلبي برغم كل هذا الـ (CV) الحقيقي وليس المزيف والذي لو جاء – جد جد – المدير العام لما وصل الى ربعه أو نصيفه ؟” .
قلت له وبكل صراحة ومن دون مجاملة ولا لف ولا دوران ” سيفيك الرائع هو السبب ، فخفف الـ (CV) قليلا قبل تقديمه الى أية مؤسسة أهلية أو حكومية في العالم العربي اذا تناهى الى سمعك بأن مدرائها من غير (CV) معترف به ، وربما من غير شهادة حقيقية كذلك ، فبعض السيفيات الأصيلة والسمينة والمتخمة ترعب المدراء العموميين الطارئين وتظهرك بمظهر المنافس القوي جدا القادم بكل ثقة من خارج المؤسسة لتنحيتهم وإزاحتهم وإظهارهم بمظهر الـ – صفر باليد حصان – لتكشف عوارهم وسوآتهم وتبين للجميع بأن كبيرهم الذي علمهم السحر مجرد ” شخص غير مناسب قد وضع عن طريق المحسوبية والمنسوبية والعشائرية والقبلية والحزبية أو عن طريق “التوريق” و” دهن السير” بالعملة الأجنبية أو المحلية ، في المكان غير المناسب” فمابالك ببقية السحرة الصغار من دونه !
قال وكيف لي أن أميز بين كل هذا وذاك في هكذا معترك عصيب ؟!
قلت : تعرف ذلك في الأعم الأغلب من مكتب و- قاط – أحدهم فإن كان المدير العام يملأ وظيفته ومكتبه ومكانه ، وكانت بدلته الرسمية متناسقة الالوان وعلى مقاسه فهو من ذوي الخبرات والكفاءات والنعم ، أما اذا كان – القاط مرعبل – أحمر على أخضر على أصفر ، والرباط مشجر ، والقميص مقلم ، فيما يغطس الرجل داخل البدلة وكأنه مومياء فرعونية ،مع الإكثار من الاكسسوارات – الرجالية – غير المتناسقة ، والمعطرات والعطور غير المتسقة ، فضلا على ستة خواتم في اليمين واليسار وبعضها من الذهب الخالص ، اضافة الى أساور لامحل لها من الإعراب ، على ساعة أكبر من رأسه ، لاينظر اليها وكلما داهمه الوقت إلا لماما وإنما ينظر الى الموبايل لمعرفة الوقت ، لأنه لم يعتد يوما على لبس الساعات المعصمية – الراسكوب منها أو الأصلية – اضافة الى لبس القلادة الذهب الكبيرة ومحاولة إظهارها قدر الإمكان، كذلك الأزرار الملونة عن المتناسقة ، والماشة الذهبية التي تتوسط ربطة العنق ، المشفوعة بالنظارة الغريبة، طبية كانت أم شمسية ، على حذاء ” أبو البوز ” مبالغ بـ – تبويزه – فهذا تماما كمحمد رمضان حاليا،وشعبان عبد الرحيم ماضيا،” شاف ما شاف” وعلى قول البغادة “علك المخبل …ترس حلكه ” .
ولايفوتنك ما قاله الامام علي عليه السلام يوما “لا تعاشر نفسا شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل ..وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل” .
فاذا وقع بصرك على هكذا مدير عام ولاسيما ، وهذه نقطة في غاية الاهمية “اذا ما تحاشى النظر الى وجهك،وفي عينيك فتراه يشيح بنظره بعيدا عنك قدر الامكان بينما يوجه الكلام اليك ” فخفف السيفي ، لأنك سترفض ابتداء إن لم تفعل ذلك لامحالة ” فما كل من لبس العمامة يزينها، ولا كل من ركب الحصان خيَّال”.
– ثانيا : اذا رأيت ” الحبربش ” من أصحاب التسريحات الغريبة ومن الزاحفين واللوكية ممن يحيطون بالمدير العام إحاطة السوار بالمعصم والكل يتملقه وينافقه ، ويمسح المكتب أمامه ، ويقدم له الشاي فخفف السيفي لأن كل من في هذا المكان سيناصر المدير حقا وباطلا ، وإن كان ظالما أو جاهلا ليجد له الأعذار ويسوق له المبررات – طواعية – ويرميها بملعبك ولو كنت كفوءا ومظلوما مرددين وبصوت واحد ” هو صوجه ، حيل وابو زايد ، ليش يجادل المدير ؟!” وسيقال لك ما قد قيل لجحا قديما عندما سُرِقَ حمارُهُ من داخل المنزل ” لماذا لم تغلق باب الدار ..لماذا لم تربط الحمار …لماذا لم تعل الجدار ..لماذا لم تحطه بالأسلاك والخنادق والأسوار ؟! ” وعندما قال لهم جحا ” لقد فعلت كل ذلك وزيادة ، قالوا له ” لعد هذا حرامي بيت …حبيبي !!” .
– ثالثا : اذا رأيت – ابو الاستعلامات – يتحدث معك بينما عينه على هاتفه خلال الحديث وإذا ما لمحت ساعة الاستعلامات الجدارية متوقفة لعدم استبدال البطاريات ” خفف السيفي ” فهذا مكان لايُحتَرَمُ فيه الوقت ، ولا الجهد ، ولا الكفاءات !
– رابعا : اذا رأيت موظفي الدائرة أو المؤسسة”وهم يتجولون زرافات ووحدانا ، في الشوارع والأسواق أثناء الدوام الرسمي بلا وجهة،ولا توجيه،ولا مهمة رسمية،أو انسانية فـ”خفف السيفي ” .
– خامسا : اذا سمعت بعض الموظفين أو الموظفات وهم يهينون المراجعين بعدم رد السلام ، ويذلونهم بعبارات قاسية ، ويستقبلونهم بوجه متجهم كالح ، ليختموا حديثهم بعبارة “روح وتعال بعد شهر”أو “روح وتعال بعد الريوك ” أو ” معاملتك ما تمشي” فأنصح بـ “تخفيف السيفي ” لأن الرشوة هاهنا اضافة الى الشعور بالدونية والنقص المرضي والاجتماعي والوراثي، زيادة على الفساد المالي والاداري واتباع الروتين التقليدي والتعقيدي – فووول – !!
– سادسا : اذا لمحت صورا ولافتات ورايات وشعارات حزبية وطائفية وقومية وهي تملأ الأسطح والجدران وبما يغص به المكان وبما لايتناسب البتة مع كمية – الاوساخ والنفايات والبرك الآسنة – التي تحيط بالمبنى من جميع الجهات وفي كل الاتجاهات ، فـ “خفف السيفي صديقي ” لأن ما يرفع هاهنا ظاهرا، لا علاقة له كلية بما يجري باطنا وواقعا ، وبالتالي فإنك واذا لم تقص سياسيا من هذا المكان الموبوء جدا ، فستقصى طائفيا أو قوميا أو قبليا أو مناطقيا ولو بعد حين !!
– سابعا : خيوط العنكبوت الكثيفة دليل قوي ومؤشر مهم على ” بطالة المكان المعلنة والمقنعة “ففي الدوائر التي تكثر فيها خيوط العنكبوت مع وقف عمليات الازالة والتنفيذ فـ “خفف السيفي ” لأن أوهن البيوت والدوائر والمؤسسات تلك التي تشبه بيت العنكبوت حيث “الصراع الداخلي ” متواصل و مقيت، وكسر العظم يجري على قدم وساق الى حد اللعنة !
– ثامنا : اذا لمحت المنظف/ المنظفة ، الفراش/ الفراشة ، السكرتير / السكرتيرة وواحدهم يقف منكسرا ذليلا ليتملق المدير العام صباحا ، مظهرا ألوان الزهد والورع والحياء أمامه ويكثر من قول – تؤمر استاذ …العفو استاذ …صار استاذ …يرحم والديك استاذ …اجيب الريوك استاذ …تريد شاي استاذ ..رحمه على الديس الرضعك أستاذ ..هل أدخل المراجعين استاذ ، أم أتركهم تحت أشعة الشمس اللاهبة عقابا لهم بعد أن قرروا ازعاجك صباحا بمراجعتهم و تمشية معاملاتهم استاذ ؟! “وعندما تلمح أحدهم يضحك اذا ما ضحك المدير ولو على نكتة سخيفة ، ويبكي لبكائه وبشدة ليسترجع ويحوقل ويذرف دموعا – تمساحية – سخية ، كلما بكى المدير ولو على – كلبه الأجرب – ، ومن ثم يظهر أحدهم اللسان الطويل ، والسفالة ، والنذالة ، والشماتة ، بغيابه ليسبه ويشتمه ويطعنه ويلعنه بأقذع الألفاظ فـ “خفف السيفي ” .
– تاسعا : اذا رأيت المرافق الصحية – قذرة ونتنة أسوة بالمطبخ – والكل يصرخ ” هذا منو اللي ذب البثل بالسنك ” ولا جواب ” .. هذا منو دخل الحمام ولم يترك المكان وراءه نظيفا ولا جواب ” فـ ” خفف السيفي حبيبي ” فهذا مكان يلقي فيه العاملون أخطاءهم وخطاياهم على بعضهم بعضا من دون أدنى شعور بالمسؤولية ولا بتأنيب الضمير !
– عاشرا : اذا سمعت بالحرس والبوابين وهم يطيلون ويبالغون بالمكالمات من خلال أجهزة الاتصال الخلوية ، اضافة الى الهواتف الأرضية الداخلية ، علاوة على أجهزة اللاسلكي نحو – خخخخ تمام استاذ …خيييييخ صار استاذ ..خوووخ حاضر استاذ مصحوبة بالهرولة الهستيرية كعبيد المزارع والمناجم والقصور أمام وعلى جانبي موكب الاستاذ ، عادة ما يسبقها الصياح الدائم على الداخلين والخارجين ومعظم المراجعين ، لا فرق في ذلك بين كبير ولا صغير ، ولا امرأة أو رجل ، فـ – خفف السيفي – أغاتي !
– حادي عشر : اذا لمحت الموظف الأعلى شهادة ،والأكثر خبرة ودراية ونزاهة وكفاءة ووطنية وهو مركون على جنب، يجلس على كرسي متهالك ، ويعمل على ميز مكتب يعود الى زمن “حصرم باشا “ليمارس مهنة روتينية ، ومهاما تقليدية، ووظيفة هامشية لحين إحالته على التقاعد فـ – خفف السيفي – لأن مصيرك سيكون كمصيره البائس لاحقا !
– ثاني عشر: اذا وقع بصرك على – صنابير المياه المسروقة أو العاطلة ، وعلى المغاسل القذرة ، وعلى المجاري الطافحة، وعلى العشب الكثيف الأصفر،والعاقول الاخضر ، وبقايا الاشجار الميتة، والأزهار الذابلة فـ “خفف السيفي” .
ثالث عشر : إذا رأيت بأم عينيك طوابير المراجعين المتعبين داخل الدائرة وعلى مداخلها وفي ممراتها وبين طوابقها وأبوابها من غير مقاعد للجلوس، ولا مظلات للوقاية من أشعة الحارقة الشمس صيفا ، ومن الامطار الغزيرة شتاء ، وبلا أجهزة تدفئة وتكييف فـ ” خفف السيفي ” .
رابع عشر : إذا رأيت طابورا طويلا من المراجعين وهم يقفون لساعات طويلة قبل بدء الدوام ولساعات بعدها ومن ثم يأتيهم ويباغتهم – ثور أو غول – بشري لـ ” يضرب السرة” كالأنعام بل أضل سبيلا فيدخل مباشرة على مكتب المدير وسط ترحيب – اللوكية – لتمشية معاملته التي سيتم إنجازها بظرف دقائق معدودة وقبل أن ينهي – الثور الجامح – قهوته ، فخفف السيفي ، أو بالأحرى ارجع من حيث أتيت ولا تقدم السيفي أساسا حفاظا على كرامتك وانسانيتك ومستقبلك !
خلاصة القول حاول أن تتقصى عن المدير العام أولا ، فإن كانت الخبرة والكفاءة والنزاهة والوطنية الحقة هي من جاءت به الى المنصب ، وأجلسته على الكرسي ، وليس المحسوبية والمنسوبية والحزبية والخطرانية والقبلية ، فـ ” سَمِّن السيفي ” لأن هذا المدير موضوعي وحيادي وواثق من نفسه ، وخبراته ، ومن تاريخه المهني والوظيفي الطويل، اضافة الى أنه مخلص وجاد في عمله ، وبالتالي فإنه يبحث عن الكفاءات – من أمثالك – لتطوير أداء المؤسسة والارتقاء بها الى آفاق أرحب بدلا من إقصائهم وتهميشهم ونبذهم وحصارهم، بخلاف ذلك كله وعندما يكون المدير العام مجرد ديكور ودمج ولطش وركع وشد ونفخ ، فهؤلاء يخشون الأكفأ والأنزه وبالأخص من أصحاب السيفيات والوطنيات والخبرات التراكمية الطويلة ، والأيادي البيضاء النظيفة ،والسمعة الطيبة منهم ! أودعناكم اغاتي