لقد تم الكشف عن حالات إستغلال بعض أعضاء مجلس النواب ، لمنصبهم البرلماني في إستخدام المال العام لمصالحهم الشخصية بدون وجه حق ، لغياب تطبيق القانون أو تطبيقه خارج إطار الإستحقاقات القانونية والطبيعية للمواطنين ، حيث إتضح ومن خلال ما كشفه النائب ( جواد البزوني ) بتأريخ 9/10/2013 من على شاشة الفضائية البغدادية ، بإعتباره المكلف رسميا بالتحقيق بشأن الموضوع ، من أن عددا غير قليل من أعضاء مجلس النواب ، تقدموا بطلبات صرف مبالغ لغرض العلاج ، بدون تحديد نوعية المرض الذي يشكوا منه النائب مقدم الطلب ، أو مكان العلاج ، إضافة إلى عدم تقديم المستمسكات الثبوتية الرسمية التي تثبت صرف تلك الأموال لأغراض العلاج ، كما لم يكن ذلك بتوصية من قبل لجنة طبية رسمية مختصة داخل العراق ، مما يشكل مخالفة واضحة وصريحة لتعليمات وزارة الصحة ، مطالبا النواب بإعادة تلك المبالغ لعدم إستحقاقهم لها ، والتي تراوح المصروف منها لكل نائب حسب قوائم الصرف الصادرة من مجلس النواب بين ( 2 – 77 ) مليون دينار عراقي ، مع إن بعض مطالبات المبالغ المصروفة تتعلق بمعالجة زوجة النائب أو إبن النائبة ؟!.
إن الموضوع مما يتوجب حكم القضاء فيه ، لقيامه على إستغلال المنصب في تحقيق المصالح والمنافع الشخصية على حساب الصالح العام ، والهدر الكبير للأموال المخصصة للنفع العام ، وما ترتبه الإجراءات الجزائية على الحنث باليمين الدستورية ، ليس فيما يتعلق بالنواب المعنيين فقط ، وإنما بحق من وافق على صرف المبالغ المذكورة بدون وجه حق أو سند قانوني معتبر ، ولأن خيانة تمثيل الشعب في السلطة التشريعية تستوجب ضعف العقاب ، فإن أقل ما يمكن الحكم به بعد إسترداد المبالغ المصروفة ، هو حرمانه من الترشيح لإنتخابات عضوية المجلس في الدورات القادمة ، وعدم تبوء أي منصب أو موقع أو مركز وظيفي في الدولة .
لقد نصت المادة (1) من قانون مجلس النواب رقم (50) في 3/9/2007 ، على أن ( تسري أحكام قانوني الجمعية الوطنية رقم (3) (1) و (12) لسنة 2005 (2) على أعضاء مجلس النواب ، إعتبارا من تأريخ أداء اليمين الدستورية لأعضائه ) ، ونصت المادة ( 5 ) من القانون رقم (3) لسنة 2005 المذكور آنفا ، على أن ( تتكفل الجميعة الوطنية بمعالجة العضو داخل العراق أو خارجه ، في حالة إصابته بمرض خطير ، أثناء دورة الجمعية الوطنية ، بناء على قرار صادر من لجنة طبية رسمية مختصة ) . كما إن معالجة العضو داخل العراق أو خارجه على نفقة الدولة ، تتحدد على وفق النص القانوني أعلاه بما يأتي :-
1- إصابة العضو بمرض خطير أثناء دورة مجلس النواب ، إعتبارا من تأريخ أداء النائب اليمين القانونية ، وليس قبل أو بعد إنتهاء دورة مجلس النواب ، أو إجراء عمليات التجميل ؟!.
2- أن تكون الإصابة بالمرض الخطير محددة بموجب قرار صادر من لجنة طبية رسمية مختصة .
3- يتكفل مجلس النواب بمعالجة العضو فقط ، داخل العراق أو خارجه فقط بموجب القانون المذكور ، وليس معالجة أحد أفراد أسرته أو أحد أقربائه أو حاشيته .
إن عضو مجلس النواب مواطن قبل أن يتصف بلقب المنصب النيابي ، ولكن رعاية الدولة للمرضى ومنذ زمن بعيد ، ضمنت معالجة المواطنين في المستشفيات الحكومية ببعض التكاليف ولغاية المعالجة المجانية ، وتكفلت بالمعالجة خارج العراق على نفقة الدولة ، في حالة تعذر المعالجة داخل العراق ، نظرا لعدم وجود الوسائل اللازمة ، أو عدم وجود الأخصائيين ، وعلى وفق سياقات عمل محددة بإجراءات معلومة ، وسواء كان المواطن من عموم الناس أو موظفا أو ذو منصب رفيع أو ذو شأن ، فإنه يخضع لذات الإجراءات الصحية والعلاجية للبشر ، مع مراعاة أولويات حالات التمييز في الإجراءات الإدارية أو الفنية أو الخدمية التي تفرضها الإمتيازات الخاصة ، الممنوحة من قبل الدول المتخلفة لذوي النفوذ فيها ، ومنها العراق للأسف الشديد ، وفي موضوع بحثنا على وجه التحديد ، فقد تضمن كتاب وزارة الصحة / دائرة الأمور الفنية / قسم اللجان الطبية المرقم (1468) في 25/10/2007 ، الخاص بإعتماد الضوابط المشار إليها في إعمام الدائرة المذكورة ذي العدد (111) في 5/2/2007 ، فيما يتعلق بإختيار الحالات المرضية التي تتم معالجتها خارج العراق ، حيث تم تحديدها بالحالات التي تحتاج إلى تداخل جراحي لا يمكن إجراؤه داخل العراق , والتي يتوقع إستفادة المريض من العلاج بنسبة عالية ، كما أكدت وزارة الصحة / اللجنة العليا لعلاج المرضى ، بموجب كتابها المرقم (147) في 29/1/2008 ، على عدم إرسال الحالات التي يتوقع أن تكون نسبة الإستفادة من المعالجة ضئيلة (POOR PROGNOSSIS ) …
ولا ندري كيف نصنف طلب عضو مجلس النواب ، وإجراءات المجلس بصرف نفقات العلاج بشكل مباشر للنائب ومن المال العام ، إلا كونها مخالفة لكل السياقات المعمول بها قبل الإحتلال وبعده ، بما فيها ما هو خارج حدود المألوف من الإجراءات ، التي تمنع المريض من توليه معالجة نفسه على نفقة الدولة ، وبالطريقة التي يراها هو ملائمة لوضعه الصحي أو المادي ، وبدون تقديم الوثائق والمستمسكات الصحية المطلوبة ؟!، شأنه في ذلك شأن المعالجة على النفقة الخاصة ، وكأن بيت المال إرث أو مال مستباح ، حين يقول أحد النواب المتسلم مبلغا قدره (70) مليون دينار بناء على طلبه ، إن خزينة الدولة تبلغ (140) مليار دولار ، والعلاج يكلف (5-10) مليون دينار ، إلا إنه لم يعيد المتبقي من المبلغ المصروف له والبالغ (60) ستون مليون دينار إلى خزينة الدولة ، على إفتراض صرفه مبلغا قدره (10) عشرة ملايين دينار ، والأغرب من ذلك تصنيف تلك الأموال من قبل رئيس لجنة النزاهة البرلمانية ، بعد تكليفه برئاسة اللجنة التدقيقية لمصروفات العلاج ، على إنها ( سلفة ) واجبة السداد ، عند عدم تقديم دعي المرض (المتمارض) ما يثبت مرضه وصحة قوائم مصروفات مبالغ علاجه خلال مدة شهر من تأريخ تبليغة ، مصدقة من قبل الجهات الرسمية المختصة داخل وخارج العراق لغرض إجراء التسوية الحسابية ، على الرغم من مخالفة ذلك لكل الأسانيد القانونية والإجراءات الإدارية التنظيمية المعتمدة ، وما يشكله الحل المقترح من مداهنة ومحاباة وإلتفاف على موجبات المساءلة القانونية ، لأن الموضوع من إنتهاكات الحماية المدنية والجنائية للمال العام من قبل أعضاء مجلس النواب ، لعدم إستيفاء كيفية الصرف لشروط التسليف والسداد من حيث المعنى والمبدأ القانوني والمحاسبي المالي في إلتزام موجبات الحيطة والحذر ، مع عدم صحة وسلامة معالجة حالة إنتهاك القانون بمثل هذا السخاء المادي ، الذي يشكل خرقا فاضحا لما يوجب المساءلة والعقاب والإسترداد ، لأن أموال الخزينة العامة مخصصة للنفع العام وليس الخاص ، وهي بذلك لا تملك بالتقادم ، ولا يجوز الحجر عليها أو التصرف بها لغير أغراضها ، وعلى مجلس النواب بصفته التشريعية ، أن يكون أكثر وأشد الجهات الرسمية حرصا على تطبيق القانون ، وليس الإلتفاف عليه بمعالجات خاصة ، لا تنطبق إلا على أعضائه ؟! .ولا ندري ما الذي تم بشأن الخروقات الفاضحة خلال الدورة الإنتخابية 2014- 2018 ، وما هو مصير الأموال المصروفة بغير وجه حق ؟!. وهل ستكون مسيرة النواب الجدد في الدورة الإنتخابية 2018- 2022 على خطى أسلافهم ، أم سيتم تصحيح المسار ، على وفق أحكام القانون والقضاء ؟!، ونحن في الإنتظار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4002) في 16/8/2005 .
2- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4008) في 2/11/2005 ، وصحح رقمه إلى (12) بدلا من (13) بموجب البيان المؤرخ في 1/1/2006- المنشور في الجريدة المذكورة بالعدد (4015) في 17/1/2006 .