سارعت صديقتي الى تغيير قناة التلفاز حين تم عرض فيلم انتحار امراة من مدينة الفلوجة مع اطفالها الثلاثة بعد ربطهم بخصرها لضمان وفاتهم معها …كان سبب سلوكها المفجع هو الخلاص من الجوع والذل الذي تعيشه عوائل المدينة تحت الحصار المفروض عليهم من داعش منذ فترة طويلة …استغربت كثيرا كيف تجاهلت صديقتي التي اعرف جيدا حجم انسانيتها هذا الخبر وتفاعلت مع برنامج يسرد اخبار الفنانين العرب ..لقد رأيتها تذرف الدموع من قبل وهي ترى ضحايا الانفجارات او الشهداء المغدورين من قبل داعش او القوات الحكومية فلماذا هذا السلوك الغريب ؟ جاءني ردها صادما حين سألتها : ” من ايدهم ..” …وتعني بذلك ان أهل الفلوجة يستحقون ماآل اليه مصيرهم لأنهم كانوا سببا في ادخال داعش الى اراضيهم !!
بودي ان اتساءل .. منذ متى اصبح العراقيون قضاة يطلقون الاحكام على بعضهم البعض دون تمييز او رجوع الى الحس الانساني ، او رجال دين يطلقون الفتاوى جزافا دون المام بمباديء الاسلام الداعية الى الاخاء والمساواة ؟….كيف تم غسل ادمغة البعض ليطلقوا احكاما عمومية تتضمن عقوبة لمدينة كانت وستظل ضحية للصفقات السياسية الحكومية وفقدان الضمير لدى بعض رجال الدين والشيوخ فيها من الذين وضعوا ايديهم في ايدي داعش فدفع اهل المدينة الثمن …كيف يرضى من ذاق طعم الالم والحرمان وفقدان الاحبة بما يجري للعوائل في تلك المدينة ..
المدنيون في الفلوجة من رجال وشيوخ ونساء واطفال يعيشون بين مطرقة داعش التي ترهبهم وتمنعهم من مغادرة المدينة وتستخدمهم كدروع بشرية وسندان الحكومة التي تؤجل تحرير المدينة ولاتوفر ممرا وحماية لانقاذ العوائل المحاصرة فيها ، فكيف ستنتهي قصة الفلوجة اذن ؟….
هل ستستخدم الحكومة معها سياسة الارض المحروقة وهي مازالت تضم آلاف المدنيين في الوقت الذي نجحت في تحرير مدينة الرمادي وانقاذ اهلها وانتقلت الى مدينة تازة وصولا الى الموصل ..أم ستعمل على تحريرها بالتعاون مع طيران التحالف وبمشاركة الجميع من قوات امنية وحشد عشائري مع توفير منافذ آمنة لاخراج اهلها منها قبل الشروع في تحريرها وقبل ذلك توفير الغذاء لهم ولو بالقائه من الطائرات كما يحصل مع المدن التي تتعرض للازمات فقد نفدت حتى الحشائش التي اعتاش عليها الاهالي مؤخرا ولم يبق امامهم مايسدون به جوعهم فضلا عن غياب الادوية ووفاة العشرات من الاهالي بسبب ذلك ، أم سينتظرون انتحار العوائل تدريجيا كما فعلت الأم البائسة ويعلقون على ذلك ببرود :” من ايدهم ” ..
لن اطلق احكاما عمومية كصديقتي وسأظل انتظر رد فعل ايجابي من الحكومة ان كانت تنظر بعين واحدة الى الجميع كما تعلن في خطاباتها ولاتستخدم سياسة ( العقوبة ) فليس من حق حتى الحكومة ان تعاقب الجميع دون فرز ونظرة انسانية فالطفل البريء والمرأة والشيوخ والمرضى لايجب حسابهم كمن قتل وتلطخت يده بالدماء …هي محاولة فقط لمخاطبة مايركد في اعماقنا من بقايا حس انساني لابد ان يحركه منظر امرأة تربط اطفالها معها لتخسر الدنيا والآخرة معا يأسا وجزعا بدلا من تجاهل الأمر ومتابعة آخر اخبار الفنانين العرب ….