23 ديسمبر، 2024 8:22 ص

معارض مدى الحياة / الحلقة  /  4

معارض مدى الحياة / الحلقة  /  4

نظرت الى قادة جيش صدام المهزوم الذين كانوا يمشون في الأرض مرحاً وشاهدت منهم فريق ركن ولواء ركن وعمداء ركن والى أدنى رتبة ومن بين الطابور الذي ببداية وبلا نهاية رأيت مساعد آمر فوجنا في وحدة سابقة النقيب غالب (من سكنة بابل ) فناديته ودون أن يراني ويعرفني أومأ لي بإشارة النصر ورفع يده شاهراً إصبعي النصر ضحكت مستهزءاً بغرور فارغ لا يفارقنا حتى في الإنكسار والأندحار والخسارة ، وبعد ساعات ذهبنا كضباط لاجئين للقاء الضباط الأسرى وألتقيت بنقيب غالب وظن أني أسير معه فقص لي وكان مذهولاً مصدوماً مما رآه من جثث متناثرة وأجساد تمزقت الى أشلاءٍ وكلاب سائبة تأكل البشر وهم أحياء جرحى يصرخون دون منقذ لهم  !!!!. مرت الأيام ونحن في القاعدة نشاهد أخبار العراق ونترقّب سقوط صدام ، وانكسر جيش صدام وأصبح كعصف مأكول وعاد من نجا منهم حفاة يجرون أذيال الخيبة والخسران فأستغل الشعب هزيمة الجيش وأستولى على كافة أسلحته وأشتعلت انتفاضة الشعب ضد صدام وحزبه البعث وسقطت أغلب المحافظات العراقية وتأملنا خيراً خصوصاً بعد تصريح الرئيس الأمريكي بوش بدعم الأنتفاضة وحمايتها وفعلاً جعل منطقتي حظر جوي في شمال وجنوب العراق ، وحينما شاهدت الثوار العراقيين يرفعون صور الشخصيات الأيرانية كالخميني والخامنئي والرفسنجاني غسلت يديَّ وأيقنت من فشلها وفعلاً فشلت بعدما أجتمعت أمريكا والسعودية والكويت بوفد ممثل لصدام حسين في خيمة صفوان  حيث وقّعت الأطراف أوراق الأتفاق وسُمح لصدام بسحق الأنتفاضة بأستخدام الطائرات في منطقة الحظر الجوي الجنوبية وأستخدام الصواريخ والمدفعية وكافة الأسلحة ، مما أدى الى هروب الثوار من شدة القصف الى الحدود السعودية طلباً للأمان ، وبعد أيام وصل الى قاعدة تبوك قائد الأنتفاضة في الفرات الأوسط اللواء الركن عبد الأمير عبيس وبصحبته بعض الشباب ، ألتقينا بهم وشرحوا لنا ما حدث بالتفصيل عن خيانات في الأنتفاضة وكيف تم تفكيك أبر الدبابات وتعطيلها ، ثم تعرّفنا على من كان بصحبته قال أحدهم أنا نقيب محمد ، وقال الآخر أنا نقيب علاء ……..ألخ ، نظرنا اليهم وكلنا يقين أنهم ليسوا بضباط من خلال أميتهم وجهلهم وكل تصرفاتهم وقلنا لبعضنا دعوهم يحلموا بتسلم سلطة وشد الرتب حسب ما يشتهون وتكررت اللقاءات حتى أعترفوا أنهم جنود  مراسلين للواء الركن . وبعد عدة لقاءات تم تشكيل معارضة الضباط العراقيين بقيادة اللواء الركن وكان العدد 157 ضابط لاجيء وكنت بضمنهم وقمنا بمراسلة الملك فهد ووزير الدفاع (سلطان ) طالبين الدعم المادي والمعنوي للإطاحة بصدام آنذاك .

  كنا نطالب بإسقاط صدام بينما كان كبار ضباط الركن من الأسرى بجانبنا يحتفلون بعيد ميلاد صدام ( صدام حسين يلوگ النا ولو هلهلتي وهلهلنالچ ) وأذكر منهم اللواء الركن صاحب علّو ، ومرّت الأيام وجاءنا قائد معسكر تبوك العقيد مطلگ  بالبشرى قائلاً :  يا أخوان ابشروا والله ثم والله الحين جيت من الملك فهد الله يحفظه ويطول بعمره وگال طال عمره ان اخوتكم من الأسرى الجنود في معسكر الأرطاوية جاهزين للقتال والحين هم في معسكر قرب رفحاء مزود بكافة الأسلحة من دبابات ومدافع وصواريخ وعتاد وكل ما تحتاجون يعني جيش كامل ينقصه القيادة والملك أوكل مهمة القيادة لكم أنتم الضباط المعارضين فهل أنتم جاهزون ؟؟ قلنا  : نعم ، ثم تم تزويده بقائمة بأسمائنا ، وفي اليوم التالي وصلت باصات لنقلنا الى مطار تبوك ثم ركبنا الطائرة لنقلنا الى مطار رفحاء ثم ركبنا الباصات لنقلنا الى معسكرات المعارضة الجاهزة ، وأنطلقت الباصات ونحن بصحبة اللواء الركن عبد الأمير عبيس وبينما تسير الباصات واذا بعلامات الدلالة على الطريق ( 40 كم الى الحدود العراقية ) ثم ( 20 كم الى الحدود العراقية ) !!!! وكلما نقترب من الحدود العراقية كلما نزداد استغراباً وريبة ويسأل بعضنا بعضاً الى أين نحن ذاهبون ؟؟؟ وأخيراً أقتربنا من وادٍ وكأن فيه مقبرة كمقبرة النجف !!!….. أقتربنا منه شيئاً فشيئاً فأتضح أن القبور هي خيم وأن المقبرة هي مخيم للاجئين وأن الموتى الأحياء هم من النساء والأطفال والشيوخ ممن هرب من همجية القصف العشوائي البعثي على المدن لأفشال الأنتفاضة في 1991 ، حينها قلنا : غدر وخيانة  ، وندم كل منا لكن حدث ما حدث وعلينا تقبل الوضع كما هو ، وحينما ترجلنا من الباصات أستقبلنا اللاجئون بالترحيب ثم تم نصب خيم لنا وسمي قاطع الضباط وسكن معنا فواز الجربة الذي هرب من العراق أثناء الأنتفاضة ولأن ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز زوج خالته لم يمكث في المخيم الا أياما معدودة ثم أنتقل الى الرياض بفضل خالته  ، وبَدأْتُ حياة جديدة !!!! سكن في خيمة وطبخ طعام وغسل ملابس وغربة ووحدة ومصير مجهول على الحدود الملتهبة ، وفي اليوم التالي دعونا لنذهب الى مكتب الأغاثة الأسلامية في المخيم للحصول على بطاقة اللاجئين وحصلت عليها في الحال وعدت الى خيمتي  ، وبعد أيام تم لقاءنا كضباط معارضين بضباط المخيم فأختلفوا كبار الضباط على القيادة وهم في المخيم وكل قال أنا الزعيم !!!! المهم التقيت ببعض الضباط ممن أشترك في الأنتفاضة وأذكر منهم ملازم قاسم من سكنة الديوانية فقال : أي انتفاضة ؟ الله وكيلك قادوها شيخ فلان وملا فلان وخاطوا وخربطوا ولايسمعوا لأحد ولا يستشيروا أحد واذا أقبل الليل صاح الشيخ بمكبرة الصوت : (  أخواني المجاهدين سر الليل لهذه الليلة …  العباس قمر بني هاشم ) !!! . ومرت الأيام وأنشأ في المخيم أكبر سوق وأنتشرت صور الايرانيين كالخميني والخامنئي والرفسنجاني وغيرهم من الايرانيين على جانبي السوق والشارع الرئيسي  بشكل ملفت للنظر وأشتكى قائد المعسكر السعودي وقال يا أخوان أنتم أخوتنا عراقيين عرب ولاتليق بكم وضع صور قادة ايرانيين  علقوا صور مرجعكم الخوئي او الحكيم بدلاً من هؤلاء  !!!! لكن لا حياة لمن نادى !!! وتجولت في السوق وشاهدت طبيب عراقي مسيحي ( دكتور مارتن ) يتجول هو وزوجته مرتدية العباءة العراقية فصاح بوجهه أحد الصعاليك : أنت لك غطي شعر مرتك ) سألت : من هذا الصعلوك ؟ قال صديقي : هذا أحد جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  !!! وبدأت حملة الأمر بالمعروف بتحطيم كافة أجهزة الغناء وقتل بعض الأشخاص ودفنهم أو رميهم في حاوية الأزبال وتم قتل أبو شكر لمجرد لعبه الورق مع زوجته في خيمته… فأحسست أن العيش في العراق أرحم بكثير من العيش في مخيم رفحاء  !!! وفي  يوم سمعت أصوات وهتافات وصلوات على النبي  خرجت من خيمتي فشاهدت آلاف اللاجئين يمشون خلف شيخ ويصلون على النبي بأعلى أصواتهم !!!(  يتبع   )
[email protected]