هذا عنوان تصدر مقالا كتبته نهاية عام 2002 في ظل اتساع الحراك السياسي المعارض لصدام حسين في الخارج بعد ان اعلنت الولايات المتحدة عن جديتها تلك المرة في اسقاط النظام العراقي بالقوة العسكرية محشدة كيفما اتفق ذرائع وتفويضا لحربها تلك .
المعارضون في حينها كانوا مجتمعا متنوعا ليس من شريحة واحدة او دين اومذهب او مستوى اجتماعي اوثقافي او سياسي . فعبر خمسة وثلاثين عاما من حكم البعث في العراق خرج العراقيون افواجا الى ارض الله الواسعة ،اكثر الافواج سعة وتنوعا كانت بعد حرب الخليج الثانية وقمع الانتفاضة التي اندلعت ضد نظام صدام وكان لاميركا دورمفضوح في التواطؤ مع صدام لقمعها.
وباستثناء الخلافات التقليدية بين الاحزاب الاسلامية شيعية وسنية والاحزاب والاتجاهات المدنية وتبعية بعضها لحواضن اساسية من دول عربية واقليمية ، باستثناء تلك الخلافات لاجدل حول معارضة صدام اللهم الا شكليات تبرز في ادبيات المعارضة و صحف احزابها. اذا قال احدهم “ان صدام اعدم 1000” قال الاخر: “اختلف معك لقد اعدم 1500” . غير ان قرار الولايات المتحدة بازالة النظام من خلال الحرب على العراق شق مجتمع المعارضة الى فئتين واكثر ، جعل الخلاف جوهريا بين من تحمس للمشروع وراهن عليه ، مجّد الحرب ودعا الى بذل الجهود العراقية المعارضة للاسراع بتنفيذها قبل ان تغير اميركا قرارها . وبين من رفض ذلك ، مشبهين ابدال الديكتاتورية بالاحتلال مثل ابدال السرطان بالسكتة القلبية . في ذلك المناخ السياسي المتقلب الذي شهد تحول تيارات معادية لاميريكا الى صديقة وحليفة من اجل هدف محدد ، وتراجع معارضين عن الاضواء وبروز اصوات وجدت في الوليمة العراقية على يد الطباخ الامريكي ضمانة طويلة الامد ، ونشرت بشائر التطور والتحول في اوضاع العراق الاقتصادية والسياسية وتحسين ظروف شعبه المعيشية . في ذلك المناخ وتحديدا في ظل نتائج مؤتمر لندن الذي عقد في 17/12/2002 .كتبتُ عن معارضي صدام ومعارضي الباطل .لاعيد ذات العنوان اليوم بعد مايقرب الثلاثة عشر عاما على نشره وبعد ان تاكد واتضح بالدليل وبالوقائع والقياس ان معارضي صدام كانوا اجمالا فصيلين. الاول فصيل يعارض صدام ونظامه “شخصيا” ولذلك سعى لاسقاطه باية وسيلة مهما كانت النتائج ، كي يتسلم مقاليد السلطة بدلا عنه وربما يتخذ ذات النهج الذي اختطه من الانتقام والتصرف المطلق بثروات الدولة ومصيرها ، وفصيل اخر عارض “الباطل” وكان ومايزال يرى في نظام صدام صورة من صوره بما اشعله من حروب وما انشأه من مقابر وما فرط به من مصالح حين ادخل جيشه في مواجهات غير متكافئة اخرجت العراق من معادلة القوة في المنطقة والقت بشعبه في اتون حصار جائر، دمر قدرات العراق وشل اجياله ورهنه للقرارات الدولية .
هذا الفصيل لم ولن يقبل بالنتائج كيفما اتفق لان قياسه الباطل بازاء الحق . والصح مقابل الخطا وليس صدام وعائلته مقابل اي حزب حاكم اخر او متنفذين جدد يكون صدام من حيث يعلمون او لايعلمون اسوة لهم في ادائهم السياسي .
للاسف هذا الفصيل ظل رقيبا مأزوما . لان الاسباب التي اعترض على صدام بسببها ، مازالت تنخر جسد العراق من حماقة سياسية وتمسك بالحكم وتفريط بالثروة وانتاج الازمات و تسويف للقضاء واهمال وفشل وفساد وتاخر على صعيد التعليم والتنمية وارتباك في معالجة ملف الارهاب وادارة العلاقات الاقليمية والدولية للعراق. فيما تحصن منتسبو الفريق الاول بمناصبهم وحوارييهم وثرائهم المفاجيء حديث العهد . تاركين شعب العراق يواجه التقلبات الاقتصادية والسياسية ويواجه الارهاب بعد ان بذلت ثروات طائلة لتاسيس دفاعات ضده هاربين افواجا الى ارض الله الواسعة. وهانحن اليوم نشهد حراكا لذات النمطين من الاختلاف السياسي فصيل يريد تغيير الوجوه ليحل محلها وينعم بحصادها وصلاحياتها ، وفريق – وهو الغالب – يريد قطع جذور الباطل بقطع جذور الارهاب والفساد والاخفاق السياسي.