23 ديسمبر، 2024 11:24 م

معارضتان ومنهجان

معارضتان ومنهجان

تأريخ النضال الوطني لشعوب المعمورة بشقيه: المعارض والمقاوم لم يسجل عبر مسيرته الطويلة- وبرغم اختلاف وتفاوت أساليب وعادات وقيم تلك الشعوب، وتشعب جغرافية وطوبوغرافية بلدانها، وتعدد قوميات وديانات واثنيات وطوائف ومذاهب مكوناتها، وتنوع سيسيولوجيات وايدجيولوجيات أحزابها وحركاتها- أؤكد لم يسجل هذا التأريخ ان فئة صغيرة أو كبيرة حملت لواء مقاومة ما، أو تبنت مسؤولية معارضة بعينها ثم لجأت الى ممارسات مشبوهة وأساليب رخيصة تنفيذا لمخططات نفعية مصلحية واملاءات مستوردة، بحيث طالت تلك الممارسات أوطانها وبناها التحتية، واستهدفت أبناء شعوبها وسواء كانت تلك المعارضة سلمية تنويرية بناءة أو مسلحة تحريضية مناوئة، وسواء كانت تلك المقاومة سياسية لا عنفية، أو ثورية هجومية. لم نشهد ولم نسمع ولم نقرأ أنها طالت محطات وشبكات الكهرباء والخدمات في بلدانها، أو أحرقت مصافي النفط وآباره وخطوط نقله. أو دمرت متاحفها ومكتباتها ودوائرها ومستشفياتها وكلياتها ومدارسها، أو خربت بساتينها ومزارعها وجسورها وقناطرها وعقد اتصالاتها وخطوط مواصلاتها أو قطعت طرق قوافل التجارة ونهبت وأحرقت شاحنات الأغذية. أو اهانت حرمة مساجدها وكنائسها وحسينياتها وكل دور العبادة أو هتكت قدسية الأضرحة والمزارات المكرمة أو قامت باغتيال وتصفية رموزها الدينية والوطنية وكفاءاتها العلمية والأدبية والفنية وطاقاتها الهندسية والطبية وخبراتها الانتاجية. ولم نر أو نسمع أو نقرأ انها استهدفت أبناء شعبها وجيشها وشرطتها الوطنية واختارت الأسواق ومساطر العمال ومرائب النقل ومجمعات بيع الخضار وكل تجمعات الناس جاعلة منها أهداف منتخبة منتهزة مواسم الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية وأوقات التسوق وفترات عمل العمال ودراسة الطلاب أو قامت باختطاف موظفي الوزارات والمصانع أو نصبت قناصين لاستهداف الآمنين أو هجرت الناس من مساكنهم أو.. أو..
نعم لم ولن نشاهد أو نعرف- والى قيام الساعة- معارضة أو مقاومة صممت على ذبح شعبها وتدمير وطنها كما حصل ويحصل من دعاة “مقاومة آخر زمن” كفرا وزورا وظلما وعدوانا. علما بان بعض الثورات الوطنية اشتعلت عقودا وعقودا وبعض الانتفاضات الشعبية استمرت سنينا وشهورا. وعلى امتداد نضال ومعارضة الحركات والأحزاب السياسية قرونا وقرونا.. وتأتي المعارضة والمقاومة العربية في طليعتها وتتربع المقاومة العراقية الوطنية الصادقة على عرشها والشواهد أجلّ من ان تعد وتحصى فبدءأ بالعصرين الأموي والعباسي ومرورا بالعصرين المغولي والعثماني مضافا لهما الانتداب البريطاني وانتهاءا بالتسلط البعثي الشوفيني والذي فاق وتجاوز بجرمه وظلمه وتعسفه كل دكتاتوريات العالم. وبرغم مذابحه التي طالت العراقيين من شمالهم الى جنوبهم ومن شرقهم الى غربهم بكردهم ومذابح الأنفال وحلبجة خير شاهد.. وبآشورييهم ومذابح “سميل، وصوريا” أبسط دليل.. وعربهم والمقابر الجماعية رسمت خارطة العراق.. وأحكام الاعدام المليونية.. وأحواض الأسيد المرعبة ومفرامات اللحم البشري.. وملايين المهجرين والذين أسقطت جنسياتهم وزنزانات التعذيب والتغييب على الشك والظن والشبهة والتهمة.
برغم ذلك كله.. وغيره ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال اعتى المجرمين الساديين من وسائل البطش والتعذيب والتنكيل.. لم يخطر ببال المعارضة العراقية التي مثلت جميع تلك الشرائح المضطهدة والضحايا البريئة وبجميع فصائلها ان تتعرض بالسوء والأذى الى أبناء شعبها أو المساس بأي مشروع أو منجز وطني يخص حياةالناس او ارتكاب أي عمل من شأنه محاربة أرزاقهم وتعطيل عملهم وعرقلة خدماتهم. كما لم تقدم المعارضة العراقية- وبكل أجنحتها- على تخريب أو اهدار الثروة الوطنية أو السعي الى تقويض أركان الدولة واشاعة الفوضى والاضطراب وتدمير العراق بأهله كما تفعل نفايات السلطة المقبورة الآن تنفيذا لمنطق قيادتها الانتقامي: “من أراد ان يسلب السلطة منا فليستلم أرضا بلا شعب”!. فكل ما فعلته فصائل المعارضة العراقية الأصيلة ابان التسلط الدكتاتوري انها فضحت جرائمه وسياساته الهوجاء للعالم. وبأساليب حضارية وطالبت المنظمات العالمية والعربية بالتدخل في سبيل انتزاع أبسط حقوق العراقيين وانقاذهم من اعتى سلطة دكتاتورية عرفها التأريخ الانساني.. قاومت شعبها بأسلحة التدمير الشامل ومارست العقاب الجماعي وبأبشع صورة. نعم واصلت المعارضة العراقية الوطنية تصديها للسلطة السابقة مقدمة الضحايا قوافلا من الشهداء والأرامل والأيتام والمعاقين.. وموجات من المشردين والمهجرين ومع ذلك لم تنحدر في تصديها للطغمة الفاشية الى الأساليب البربرية المشينة التي انحط اليها حثالات الارهاب تحت مسميات باطلة بائسة!، محاولين اعادة عجلة التقدم الى الوراء- خابت ظنونهم- ليتسلطوا على رقاب العراقيين بقوة الحديد والنار متناسين ان الأ{ض والسماء لفظتهم الى مزابل التأريخ. وهيهات هيهات فليختفوا خلف ما شاءوا من العناوين واليافطات، وليبدلوا ما يحلو لهم من الأسماء. وليرموا بجرائمهم على من شاءوا، وليلبسوا ما ابتدعوه من لبوس. فلا يصح الا الصحيح. واذا كان للباطل جولة فان للحق ألف دولة ودولة. فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض!.