18 ديسمبر، 2024 6:59 م

معارضة من أجل العراق … أم معارضة ضد العراق ؟

معارضة من أجل العراق … أم معارضة ضد العراق ؟

هذا المقال كتبته قبل 26 عاماً، ونشرته حينها، وأرى من الضرورة إعادة نشر هذا المقال بالكامل أمام الرأي العام والشعب العراقي ..أن إعادة نشره في هذه الأيام مفيد، وهو يصلح لكل زمان ومكان، لأننا في معركة مصيرية فإن هناك خندقان بالضرورة : خندق الوطن ودفاع عنه وخندق أعدائه وأذنابه الخونة، أن مواقفنا ليست للبيع ولا للشراء، وأن قضية الوطن غير خاضعة للمساومة ، كما أنها ليست موقفاً سياسياً عابراً، إنها في صميم تكويني الإنساني والوطني. فكيف يمكن تدمير الوطن ؟ في إطار الإجابة على هذا التساءل الذي يقع في صميم المشروع السياسي الإستعماري أن القادمين مع وخلف دبابات الإحتلال الأمريكي الصهيوني الصليبي، وبالعربة الفارسية الصفوية الإيرانية الملحقة بها، سيكونون أكثر أعداء للوطن وشعبه وأكثر عنفاً وتطرفاً وإجراماً وقبحاً ونهباً وفساداً،لقد أصبح العراق اليوم حسب تقارير المنظمات الدولية من الدول الأكثر فساداً في العالم استناداً إلى تقرير منظمة الشفافية الدولية،وإحتل نهاية قائمة الدول من حيث نوعية مستوى الحياة والتعليم والصحة بما في ذلك الدول الأقل نموا، حيث سجل معدل البطالة مستوى عالياً بالمقارنة مع الدول المنطقة. وسيالحظ القارئ ما حصل في مؤتمر لندن منعقد 14-15 كانون الأول 2002 الذي ضم كل أحزاب المعارضة اللاعراقية واللاوطنية بذاك الوقت طلب ممثلين من مستوطنة إسرائيل حضروا المؤتمر وبإسناد قوي من أمريكا وبريطانيا طلبوا من الحضور توقيع على وثيقة يتعهدون بها بإنهاء الصراع مع مستوطنة إسرائيل والقيام بخطوات مستمرة للتطبيع مع مستوطنة إسرائيل بتسليم هولاء السياسيين الحكم في العراق وتأمين استمرارهم بسدة الحكم لمدة 50 سنة وتم توقيع الجميع على وثيقة الخيانة والعار وتم هذا برعاية قائد‭ ‬صفقة‭ ‬التطبيع‭ ‬زلماي خليل زاد وحضور ديفيد بيرس مع ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين وممثلون عن جهاز الأمن القومي الأميركي ووزارة الخارجية البريطانية وممثلون من إيران وأعضاء من الكنيست مستوطنة الإسرائيلية والموساد. وما كان يخطر في بال أحدنا أن هذه المجاميع من غوغاء الخونة ستتصدر المشهد السياسي ويكونوا قادة ونواب ووزراء في العملية السياسية المخابراتية ونظامها المحاصصي البغيض ثم لتبدأ بعد ذلك رحلة القتل والفساد والنهب المال العام والموت الطائفي ونشر الفتن والخراب ونشر الدعارة والمخدرات وصالات القمار ناهيك عن جيش عاطل عن العمل من الشباب والشابات، فلم يحدث في تاريخ أن وزيراً في حكومة مؤقتة يسرق من المال العام أكثر من مليار دولار ويهرب خارج البلد من دون أن تسعى حكومة العميلة لإسترجاعه وإسترجاع الأموال المسروقة، لبدء مرحلة السطو على المال العام، فلم يحدث في التاريخ قط أن بلد ما قد عرض ماله العام للنهب والسرقة كما تعرض له المال العام العراقي على يد حكامه وأحزابه الحاكمة التي صنعها المحتلين، والذي لا زال مستمراً حتى هذه اللحظة، وها نحن بعد 20 عاماً من الغزو والإحتلال والدمار، ينحدر الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والصحي والثقافي في البلد من سيء إلى أسوأ، وهذا هو الشريك الكردي يسابق الزمن للسيطرة على المناطق التي يدعى بعائديتها كذباً للأكراد من أجل ضمها لخارطة الصهيونية الكردية وتحقيق الحلم الكردي في إقامة دويلة شبية بمستوطنة إسرائيل، لتكون خنجراً في خاصرة العراق، وها هي أحزاب شيعة السلطة مشغولة بالصراع فيما بينها على السلطة والمال والنفوذ والسرقة، فكم دمرت أحزاب حكومة عملاء المحتل الأمريكي والعجمي الإيراني من الخراب والتهجير والتنكيل وإستباحة المحرمات ودمرت من المدن والممتلكات العامة ؟وكم قتلت وشردت وأعدمت ؟ وكم وضعت في السجون والمعتقلات العلنية والسرية ؟ وكم تم خطف وتغيب وترويع وتجويع وحرمان من أبسط الحاجات الإنسانية ؟ كم وكم ؟ لا توجد حكومة على وجه الأرض أمعنت بالفساد والنهب والسلب والإمتهان والإذلال والتبعية ونكران الغيرة الوطنية، مثل تلك حكومات الأحزاب العميلة التي ترفع رايات الدين وتتحكم بمصير الشعب الجريح الصامد، والتي أهدرت دمه وإستباحت ممتلكاته وصادرت حقوقه، وأتخذت من الفساد ديناً، ومن الطائفية عقيدة ومذهباً، ومن التبعية طقوساً، ومن الخنوع سلوكاً .. الخ . تحت يافطة لخلق بديل (ديمقراطي) و(عراق الجديد) كان مقصوداً، لإنهاء عراق قائم وزرع عراق آخر غيره، وإدامة كل عوامل تدمير العراق، دولة ومجتمعاً ، خاصة وأن مخطط تدمير العراق لم يكتمل بعد؟ الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والعجمي الإيراني ومشروعهما في محو العراق وإستبدله بنوع آخر قابل للتطبيع مع الأهداف المرجوة في مشروع الشرق الأوسط الكبير. وهكذا يورد كتاب “محو العراق” حقائق مرعبة حول الدمار، الذي هو من وجهة نظر هؤلاء الكتّاب الأمريكيين؛ كان مقصوداً، لإنهاء عراق قائم وزرع عراق آخر غيره. وإذا كان هولاكو غازياً بربرياً، جعل نهر دجلة يجري حبراً أزرق ، من كثر ما قذف فيه من مخطوطات، فإن هولاكو الجدد جعل نهر دجلة يجري دماً أحمر، من كثر ما قذف من جثث. كيف سيكتبون تاريخ هذه سنوات الظلمة؟! وهل سيبررون عدم صدقها وأنها إفتراءات وإدعاءات مغرضة ؟! سبق وأن قلنا سوف يأتي يوم يبكى فيه العراقيين على النظام الوطني السابق. فقد أحتشدت صحف صفراء لدى ما تسمى بالمعارضة اللاوطنية واللاعراقية بالأمس، والحاكمة اليوم ، وقامت بقصف مكثف ضد كاتب هذه السطور، إستخدمت فيه مفردات إعلان حرب ضده .
هذا نص المقال الذي كتبته ونشرته في وسائل الإعلام قبل 26 عاماً.. وها أنا أقولها بكل مرارة وألم أن ما تسمى بالمعارضة اللاوطنية واللاعراقية العميلة هو إنغماسها في عقد الثأر والأنتقام ونهب ثروات الوطن وخدمة لأجندة المحتلين وإفتقارها إلى الأهداف المستقبلية الوطنية.
ببساطة متناهية أصبحت المعارضة العراقية معارضة للعراق تنتفي عنها عراقيتها حين تمخض مؤتمرها عن قرارات تمس السيادة الوطنية العراقية ، فهي في اجتماع المجلس التنفيذي لمؤتمرها ” الوطني العراقي” رضخت تماماً للقرار 773 الخاص بتوسيع إمارة آل الصباح تحت عنوان ترسيم الحدود، تماماً كالنصابين الدلالين يبيعون بيوتاً وعقارات لا يعلم مالكها خبراً بالبيع، وجددت تأييدها لمحاصرة العراق.
من هنا نناقش عراقية ووطنية المؤتمر المذكور، فهذه التركيبة التي جمعتها الإمبريالية الأمريكية الفاشية والموساد الصهيوني القابع في واشنطن – بحكم ” حرصها” على الوطنيين العراقيين – سبق إن طالبت بتشديد وإبقاء الحصار الجائر على العراق، تماماً كالصياد الذي يريد أن يجفف البحر من أجل إصطياد سمكة. سيما وأن العراق برأيها نظام فقط باعتبار الشعب أصبح خارج العراق، ولكن القراءة المنطقية لهذه تعني تجريد 20 مليون عراقي يقيمون في العراق من جنسيتهم وهذا أفتراض أول سمحت هذه المعارضة لنفسها باجتراحه ، أما الأفتراض الآخر فهو أن العراقيين في العراق يمثلهم النظام وهذا ما يوجب محاصرتهم ، وبالتالي يحق للمعارضة فقط أن تمثل العراقيين اللاجئين خارج العراق اذا أفترضنا قبولهم لها كممثل.
أن المشكلة الأولى التي عاني منها الشعب العراقي قبل حرب الخليج كانت ومازالت مشكلة غياب الديمقراطية ، فهل يمكن للشعب العراقي إن يقبل ممثلاً عنه من يطالب باستمرار محاصرته وتنفيذ مشاريع الأعداء؟ المسألة تبدو واضحة أكثر حين نرى أن شعار المعارضة الحقيقي هو إسقاط السلطة الدكتاتورية لصالح سلطة دكتاتورية تتزعمها هذه المعارضة فما الذي يتغير بالنسبة للشعب ، هل هو إستبدال التسلط .
نراعي هنا أن السلطة الحالية ( السلطة السابقة) تختلف رؤيتها لحصار العراق وحدوده وسيادته الوطنية عن رؤية هذه المعارضة وهي بالتالي تخير الشعب بين دكتاتورية وطنية، ومعارضة طائفية مأجورة عميلة بحيث تقدم كل التبريرات المنطقية لقبول النظام رغم دكتاتوريته لأنه أفضل من دكتاتورية طائفية مأجورة وعميلة بديلة ناهيك عن طائفيتها المذهبية وهي تمارس بتبني سياسات النبذ والتهميش والإقصاء للآخر،وتلك هي المغالطة التي ارادت بها المعارضة دعم الشعب للنظام فهل هذا هو هدف المعارضين الوطنيين ..؟! لقد كانت عقدة الوطنيين العراقيين عبر تاريخهم الطويل وما تزال العمل من أجل وطن حر ديمقراطي وسلطة وطنية ديمقراطية ، فأين هي ممارسات المعارضة التي ستجعلها وطنية أولاً، وديمقراطية ثانياً.
بالمنظور الديمقراطي قامت المعارضة الحالية ( بالأمس) على بنى ومحاصصة طائفية وعرقية يسودها التفكير الشعوبي والقبلي ، أما القوى العلمانية فهي ذات دور هامشي في هذه البنية ، يدل على ذلك أثرها في صياغة قرارات المعارضة التي سادتها الروح القبلية ، ومعارضة كهذه لن تتمكن من تمثيل الشعب بقدر ما تمثل ذاتها فقط ولخدمة أجندة المحتلين ذلك أن الشعب لم يشارك يوماً لا في صياغة طائفية- عرقية ، ولا في صناعة تنافر قبلي ، أكثر من ذلك التفكير الطائفي الذي يعني أولاً تهميش العقل والمنطق لصالح قوالب جاهزة وفتاوي متعددة القياسات ، ولأنها شعوبية طائفية فأن مجرد مناقشتها أمر مرفوض تماماً، وهذا أوضح وصف لمدى ديمقراطية أقطاب المعارضة العميلة، ولو أفترضنا أن هذه المعارضة هي البديل للنظام الدكتاتوري ، فهي لن تكون أفضل منه بشيء على الإطلاق لأن المطلب العراقي هو البديل الديمقراطي للنظام وليس مجرد استبدال دكتاتورية بأخرى.
أما على الصعيد الوطني فالمشكلة أكبر كثيراً، حيث تتزعم المعارضة قوى طائفية عرقية وحزبية برز نشاطها في ظل تدخل خارجي ، وتحت ادارته ، والجانب الآخر في زعامة المعارضة هو الزعامة القبلية الكردية التي سننسى ارتباطها بمستوطنة إسرائيل وشاه إيران والغرب في عهد الملا مصطفى البرزاني وأبنائه، جماعة جلال الطالباني وأبنائه، ويكفينا إن نعرف أن هذه الزعامة لا تسعى لمشروع وطني ديمقراطي في العراق بقدر ما هي تسعى علانية نحو مشروع إنفصالي على حساب العراق وقد ينطبق هذا أيضاً على ما بين سطور شعارات دكان زمرة عزيز محمد وخليفته حميد مجيد موسى الخائنة العميلة الفاسدة التي انتحلت اسم الحزب الشيوعي العراقي وبقية القوى ” العلمانية” بحكم بنيتها.
أما كمعارضة بشكل اجمالي، فقد سبق لها أن طالبت بقصف العراق وبتشديد وإبقاء الحصار على العراق ، كما طالبت بمصادرة أرصدة العراق وتسليمها لها وهي تعرف مسبقاً ان هذه الأرصدة ملك للشعب العراقي ، وان اصبحت بمتناول المعارضة فسينفق جزء كبير منها لخدمة مشروع انفصالي ولخدمة مشروع التوسعي الإيراني في العراق والمنطقة وعلى أرضية العداء للعراق، واتحفتنا مؤخراً بتأييدها انتزاع أراضي عراقية تحت عنوان ترسيم الحدود.
أمام هذه المعطيات ليس ثمة ما يبرر اتهام هذه المعارضة لنفسها بالوطنية ولا بالديمقراطية بريئة من مثل هذه التهمة ، ولأن النظام الدكتاتوري يصبح أكثر وطنية منها على الأقل وبالتأكيد بحدود عناصر التناقض مع النظام آنفة الذكر، وليس ثمة مبرر منطقي لاعتبار المطالبين بالإنفصال عن العراق قوة وطنية عراقية لأنها بذلك اختارت انتماء ليس عراقياً، وان أي تحالف على قاعدة اعتبار هذه القوة قوة وطنية عراقية تكون أرضية الوطنية مهزوزة أصلاً .
مرة أخرى تبقى المشكلة المطروحة .. ماذا نريد ..؟!
ومرة أخرى يبقى الرد الواضح صارخاً، أنه البديل الوطني الديمقراطي، وليس مجرد البديل أيا كان هويته أو انتماءه ، فالنظام كان ويزال دكتاتورياً، تصادم بشكل أو بآخر مع مصالح الإمبريالية الأمريكية الفاشية فأرادت تفتيت العراق لأن أي بديل أفضل من النظام سيكون أكثر مبدئية في تصادمه مع مصالح الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني ولهذا تسعى نحو البديل الأسوأ الذي يحقق لها تفتيت العراق وإغراقه في نزاعات مذهبية وقبلية ولهذا دعمت هذا النمط من المعارضة بشكل واضح جلي، بينما المنطق الوطني يرى ودون أدنى شك أن هذا البديل سيكون أكثر دكتاتورية من النظام ونكران الغيرة الوطنية ، ويضعنا كوطنيين ديمقراطيين أمام مهمة أولى وأساسية وهي السعي لبناء البديل الوطني الديمقراطي للمعارضة أولاً ومن ثم التوجه نحو الشارع ليجعل هذا البديل ممثله الحقيقي .