تعرض اعتصام النواب الى عمليات تشويه و مساومات و ضغوط وصلت حد التخوين و الحنث باليمين، لأنهم غردوا لأول مرة خارج السرب الطائفي و القومي، ليضعوا خطوة مهمة على طريق استعادة الهوية الوطنية و تصحيح حالات الجمود المتراكم بالعملية السياسية، ويعيدوا رسم خارطة الوطن.
ويأخذ البعض على النواب المعتصمين عدم اعلان براءتهم من كتلهم و احزابهم السياسية للالتحالق بحزب العراق الكبير، مثلما يطالبونهم بمشروع واضح الأهداف و النوايا لاسقاط تهمة الاستهداف الشخصي و البحث عن المزيد من المكاسب، بحيث يتحدثون باسم العراق وهموم شعبه ليكسبوا رضا الشارع العراقي بشكل أوسع، فهناك ارتياح شعبي لهذا التوجة الخارج عن موروث العملية السياسية، حيث الجميع بطريق في اتجاه واحد هو انهاء الفترة الدستورية للحكومة و النواب بلا متاعب أو مفاجئات.
لقد غرد النواب المعتصمون خارج سرب التوافقات و المحاصصات ليهددوا عروشا و مقامات تعودت التثاؤب في الأداء العام ، بينما حرك النواب المعتصمون مياها راكدة جدا في مجرى العملية السياسية و وجهوا الأنظار صوب تغيير محتمل في الأولويات، مستفيدين من كونهم برلمانيين يحق لهم ما لا يجوز لغيرهم، وثانيا مواجهة العروش بشكل مباشر، حيث شاهدنا ما أصابها من زعزعة وارباك وقبولا بالأمر الواقع قبل أن يتدخل ” المتنفذون اقليميا و دوليا” ليعيدوا ترتيب حجر الدومينو، لكن هذه المرة الى حين، بشهادة الرئيس الأمريكي الذي أعتبر وقفة البرلمانيين الاحتجاجية شأنا عراقيا مبديا استغرابه و اهتمامه في وقت واحد لاختفاء الشعارات الطائفية و العرقية خلالها.
لقد شكل البرلمانيون المعتصمون ” الربع المعطل”للجلسات ما سيمنحهم القدرة على فرض الشروط في تشكيل حكومة التكنوقراط و باقي المؤسسات الرسمية، لكن ذلك يحتاج منهم الى خارطة طريق محددة بتوقيتات زمنية لقمع سياسة المماطلة و التسويف، وثانيا عدم وقوعهم ضحية ابتزاز بين اركان التصارع السياسي، بحيث يشكلون “كتلة الشعب” داخل البرمان، وأعتقد ان هذه التسمية، ستجعل قلوب الناس تأوي اليهم، ثالثا عدم الاصغاء لحملات التسقيط و التشويه باعتبار ذلك متهما بالفساد و الفتنة و الأخر خاضع لنفوذ قيادة سياسية في هذا الجانب وذلك الاتجاه، على أن يواكب ذلك انضباطا عاليا في حضور أو مقاطعة الجلسات بعيدا عن أي صفقة سياسية تزيد من انهمار دموع العراقيين ويأسهم وحسراتهم.
أن اسلوب المعارضة البرلمانية هو عمل سياسي يستحق الثناء عندما يلتزم حدود الله بالوطن و الشعب، في وقت تعود الجميع سياسية ” موافق”، فيما كسر النواب المعتصمون حاجز الخوف و التردد مثلما هددوا رمزية القيادات ليتحولوا خلال وقت قصير الى موضوع عراقي بنكهة المواطنة، بعد أن توهم سياسيون و رجال دين و محبي سلطة أن رحم العراق قد جف و لا بديل عنهم لزمن طويل، رغم أن كثير منهم لم
يبلغ الفطام السياسي لحد الآن، لكن رمت به الأقدار و الصفقات الى واجهة الحدث، لذلك تزعزعت الأركان من القواعد، ما يتطلب من ” نواب الشعب” أن يواصلوا الاصلاح بمبدأ الحرص على العراق وآهله بصدق النوايا و صحوة الضمير و رفض الابتزاز وعدم الخوف من الملاحقات، لأن العراق كان و سيبقى أكبر العروش و أكثرها قدرة على الصمود بوجه المتغيرات بوصفه الفينيق القادر على الخروج من رماد القهر وحطام الأنظمة غير المتوازنة في الولاء للوطن و شعبه!!