23 ديسمبر، 2024 2:15 ص

معارضة أم معاضدة

معارضة أم معاضدة

قبل كل شيء علينا ان نعي ان مفهوم المعارضة أو التعارض هو نتاج اختلاف الطبيعة البشرية، اذ ليس من المعقول ان يفكر الناس بنفس الطريقة والأسلوب وعلى نفس الوتيرة، ويسيرون على وفق ذات المنهاج٠

ومن هذا المنطلق تنبثق المعارضة كحاجة إلى الوصول إلى الكمال، اذ لا يمكن للصقر ان يحلق عالياً، بدون جناحين عن يمينه وعن شماله، لان جناح واحد لايضمن الصعود ولا الموازنة!
كذلك باقي الأمور الأخرى فلا تستقيم بجانب واحد، ولا يمكن ان يستحوذ عنصر واحد على طرفي المعادلة، فلا بد من وجود الضد الذي يغايره بالاتجاه، وفي النهاية فان حالة الجذب والشد بين طرفي المعادلة هي علامة حيوية المعادلة وفاعلية النتيجة ٠

وعلى اختلاف التعبير عن مفهوم المعارضة، تبقى هي الحالة الوحيدة لتقويم النظم السياسية، وإعادة العملية الديمقراطية إلى مسارها الصحيح٠
ان اعلان بعض القوى السياسية العراقية موقف المعارضة من الحكومة الحالية، إنما يعد نضوج في عملية فهم المشاركة السياسية، اذ من غير المعقول ان يشارك الجميع في الحكومة، وان يتذمر الجميع من أداءها!
كثيراً ما تطالعنا شاشات التلفاز بأصوات المسؤولين الناقمين على اداء الحكومة، وهم يشغلون مواقع مهمة فيها، يبدو شجبهم واستنكارهم غير منطقي بالمرة، لانهم جزء من سوء الإدارة التي ينادون بفشلها ليل نهار٠

لهذا جاء اعلان المعارضة لتوحيد الجهود من أجل متابعة اداء الحكومة بشكل اكثر صرامة وجدية، بعيد عن المهاترات والتصريحات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، كما ان اعلان المعارضة، لا يعني إسقاط الحكومة والانقضاض عليها كما يصوره البعض٠

فلا احد يريد الفراغ الدستوري، أو إشاعة الفوضى والانظام، لان اللاقانون لا يصب في مصلحة احد مطلقا، كذلك مفهوم المعارضة في ظل دولة تحتكم لنظام ديمقراطي يختلف عن المفهوم القديم الراسخ بعقول الناس، اذ كان المعارض في زمن الدكتاتورية لابد ان يطارد وينفى في احسن الأحوال، أو يتم تصفيته مباشرةً، لذلك اعلان المعارضة من قبل القوى المشاركة في الحكومة يخلق مجموعة من الاستفهامات في اذهان الناس تحتاج إلى من يفكك لهم لغز هذه المسالة٠

ان مفهوم الحكومة يختلف عن مفهوم الدولة ومؤسساتها، وكثيراً ما يُخلط بين المفهومين من قبل عامة الناس، فالحكومة هي الجهة الرسمية المنتخبة و المحددة بمدة صلاحية ينص عليها الدستور الا وهي ( الاربع سنوات) أما الدولة فهي مؤسسات الدولة ومرافقها التي تشكل العمود الفقري للنظام القائم، وعليه فان من حق أي قوى سياسية مشاركة بالحكومة ان تعلن معارضتها لسياسة الحكومة أو اعلان فشل أداءها الحكومي، والمضي برحلة تصحيح مسار أو تغيير ٠

العلم لايقدم شيء جديد، الا بالتجربة والمراجعة والبحث المستمر عن بدائل، كذلك الاداء السياسي بحاجة إلى متابعة حثيثة، وإجراء التغيير اذا اقتضت الحاجة للوصول لنتيجة مرضية للشعب٠ وهذا لأيتم الا بوجود عين تراقب بروح البناء لا الهدم وبنفس الإسناد والتعضيد، لا التقسيط والتنكيل٠