مرتكز القوة العربية يتحدد في ثلاثة دول هي العراق وسوريا ومصر, هذه الدول هي الركيزة الأساسية لقدرة العرب , وأي إضعاف لها يتسبب في إنهيار القِدر العربي وإنسكاب ما فيه.
وبإنهيار العراق كدولة وجيش وقوة ذات قيمة إقليمية وكذلك سوريا , إندلع ما في العرب وانسكب فوق رمال وجودهم المتصحر , وبقيت مصر تريد الحفاظ على إستقامتها وثبات عمودها , لكن أوتاد الخيمة العربية تقطعت , والعمودان الآخران قد إنكسرا.
وهكذا أخذت الرياح والعواصف تعبث بالوجود العربي , وإجتاحته أعاصير المصالح والتطلعات وتصفية الحسابات , وخرجت من جحورها الآفات والوحوش المفترسة , التي تريد الإنقضاض على فرائسها بلا هوادة.
وبإنهيار العراق وسوريا , وجد العرب أنفسهم أمام إرادة المحق الحضاري , التي إستهدفت تأريخهم ولغتهم وهويتهم ودينهم , فالآثار مستهدفة ورموز وجودهم الروحي والفكري , يتم تدميرها بإستخدام أعتى الأسلحة وأدوات التدمير الشامل , كما أن الفساد أصبح دستورا , وإنتشرت المحسوبية وعمّ الفقر والتهجير والقتل والسلب والنهب والخطف , وإقامة الحكومات التابعة القابعة في مناطق محصنة , ومحمية من قبل ذوي المصالح والمكشرة أنيابهم والمندلعة ألسنتهم , والذين يسيل لعابهم على وجوه المُسَخرين لتحقيق مصالحهم المُعلنة والخفية.
وصار التدخل السافر أمرا مقبولا , والرضوخ لمشاريع الآخرين سياسة مطلوبة , وما عاد الوجود إلا كارتونيا , ويُدار بمن يسمون أنفسهم بالساسة والقادة , وكأنهم يؤدون أدوارهم الهزلية الساخرة, وبعد أن يتم ذلك يتساقطون من على خشبة مسرح الويلات , ويوضعون في أكياس قمامة سوء المصير.
ولهذا فالحديث عن إسترداد عافية الوجود العربي مع إغفال تقوية سوريا والعراق , إنما هو نوع من الهذيان وإضطراب التفكير , والضحك على الذقون لغايات في نفس يعقوب.
وفي هذا الخضم الإنهياري للوجود العربي الحضاري , لا يمكن الحديث عن القضاء على التطرف والإرهاب , وأعمدة القوة العربية ساقطة أرضا , أو أنها في مرحلة التهاوي والإنهيار.
فالإرهاب يمكن القضاء عليه بإعادة قوة العراق وسوريا , وترسيخ قيم الدستور الوطني الصالح والقانون , والإستثمار الفعال في الثروات والإنسان , وبإبعاد الأحزاب الدينية المتطرفة المنغلقة عن السياسة , ومساعدة أبناء البلاد المتنورين الكفوئين على القيام بدورهم الوطني الحضاري , ووضع الأسس والبنى التحتية لثقافات وطنية معاصرة , وبالتأكيد على التعليم المعاصر وبناء المدارس اللائقة بالأنسان.
إن الدول كافة تسعى لتحقيق مصالحها وإمتلاك الطاقة , وكما هو معروف وعلى مر العصور , والإفتراس يعني إمتلاك طاقة الآخرين وتوظيفها لصالح إرادة المُفترس , ولهذا جرت الحروب وتجري أبدا.
وفي هذا الزمن الإقتراسي تحول العرب إلى فريسة , يتم هضمها وتسخير طاقاتها وفقا لمقتضيات مصالح الدول القادرة على إفتراسها, وتلعب دول الجوار شرقا وشمالا دورا سلبيا في هذا الخصوص , لأن مصالحها الوطنية قد أعمتها , وجعلتها تتناسى الدور الإنساني وحقوق الجيرة والمصالح المشتركة , والتفاعل التأريخي الحضاري العقائدي على مرّ العصور.
وفي هذا الواقع العربي المحفوف بالمخاطر , فتِحت الأبواب وأشرعت المنافذ للقادمين من كل حدب وصوب , حتى تحولت الأرض العربية إلى ميدان إفتراس شرس , لا يعرف إلا الخراب والدمار وسفك الدماء.
وتحولت ثروات النفط إلى دخان , والبشر إلى سجير , وما عادت الأوطان إلا مواقد متأججة وكأن الوطن أصبح تنورا.
تلك مصيبة الوجود العربي وأوجاعه المتنامية , التي تسعى لتحويله إلى رماد تتناهبه الرياح والأعاصير العدوانية الهابة عليه بلا هدوء ولا إنقطاع.
وهذا يفسر سقوط العراق في مخالب الحروب منذ أكثر من ثلاثة عقود , وإبتداء ولوج الدول العربية في مسيرة حمام الدم وجحيم النيران , التي ستبسط حريقها على عقود القرن الحادي والعشرين القادمة , وهي المقدمة اللازمة لمحق العرب عن بكرة أبيهم!!